هل انكسرت الشمّاعة؟

مسألة رفع العقوبات الاقتصادية وربطها بتحسن حقوق الانسان فرية كبيرة. فمهلة الثلاثة اشهر الماضية شهدت افظع الانتهاكات و الجرائم التي ما زال الجناة طليقين يمارسون هوايتهم المفضلة.مقتل الطلاب في سكنهم الجامعي قبيل عيد الاضحي المبارك و الجريمة الكبري التي طالت الابرياء في معسكر كلما للنازحين من ابرز هذه الانتهاكات.
لم تنطلي علي الولايات المتحدة الحراك الهلامي الذي ارتبط بجمع السلاح الذي تملكه مليشيات النظام و وقف العدائيات قولاً لا فعلاً و اطلاق اثنين و ثلاثة من سجناء الرأي و بقاء آخرين فهي تدرك تماماً ما تريدها من النظام.
عندما تتوافق المصالح الذاتية للنظام مع ما تريدها الولايات المتحدة من تحقيق لاستراتيجيتها في المنطقة حينها لا تكون هنالك مبررات لرفع العقوبات الاقتصادية و تصبح المسألة محكومة بالمزاج السياسي فلا تضر امريكا ان تأزم السودان او اذدهر الا بقدر تحقق مصالحها و بنفس القدر لا يهم النظام غير التربع علي عرش السلطة حتي ان كان فوق وحل من برك المياه الآسنة و اكوام القمامة.
ان وجود نظام سياسي حاكم غير متصالح مع شعبه يعد خطراً عظيماً علي البلاد من ناحية انه لا يهمه رضي شعبه و لن يبذل اي مجهود في سبيل ذلك و سيعتمد علي القوة الامنية لبقائه و من ناحية اخري ستستخدم بعض الدول هذه الوضعية الحرجة لابتزاز النظام و تقديم تنازلات كبيرة. هذه الوضعية تؤدي الي تآكل البلاد و موتها سريرياً و هو ما يحدث. و عندما يلفظ النظام آخر انفاسه تنفجر البلاد و تصبح معه وضع البلاد في المسار الصحيح عملية عسيرة المخاض لأن تركة النظام سيكون كبيراً بل و ستجد من يرفض اي محاولة للاصلاح و هم ازلام النظام و المنتفعين الانتهازيين الذين استفادوا كثيرا من الوضع المخل.
و ان قرأنا الوضع الأن بعد رفع العقوبات الاقتصادية بمنظار اوسع سنجد ان الحبل لم يطلق علي القارب و لن يطلق ابدا. بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب و استمرارية المطالبة بمثول المتهمين في جرائم دارفور امام محكمة الجرائم الدولية بلاهاي و العقوبات المرتبطة بهما تعد اكبر من العقوبات الاقتصادية. اذ ان العقوبات الاقتصادية التي تمت رفعها و ستدخل حيز التنفيذ ابتداءاً من يوم 12 /10/2017 ستسمح لمن يرغب في التبادل التجاري بين البلدين و كذلك برفع القيود امام الدول الاخري للتعامل مع السودان هذا بالاضافة الي فك تجميد بضع “ملاليم” من الارصدة المجمدة. فأي مستثمر عاقل سيرغب في وضع امواله في المجهول الملبد بغيوم التحلل و المحسوبية و الفساد و عدم الاستقرار السياسي. حتي ان خاطر المستثمرين و نجحوا في تحقيق ارباح فأن ذلك لن يصب في مصلحة البلاد و لن يعيش هذا الجيل الذ يحكمه هذا النظام ليري الازدهار الاقتصادي و دوران عجلة التنمية الا في نشرات اخبار التلفزيون الذي تنقطع عنه الكهرباء و تتعطل اجهزته المهترئة. بل لن يهنأ اي زائر للبلاد بالسير في شوارع نظيفة و مرصوفة و لا تفوح منها روائح نتنة او ان يتمكن من التنقل بالمواصلات العامة بسهولة و يسر و شراء او تناول طعام صحي نظيف في اماكن غير امواج و مؤمن و ديبونيرز.
للحالمون و المتفائلون بتغير الاوضاع المعيشية و تغير حال البلاد بعد رفع العقوبات الاقتصادية فاليعلموا ان هذه العقوبات رفعت عن كاهل النظام و ليس عن كاهل المواطن الذي عليه عقوبات قاسية تمنعه من ان يتمكن من العيش الكريم بالحصول علي ضروريات الحياة من مأكل و مشرب و مسكن و صحة و تعليم. فلا تذهبوا بعقولكم و احلامكم بعيداً فأن نفس الاشخاص و نفس العقلية التي تحكم البلاد علي مدار اكثر من ربع قرن لن تتغير بين عشية و ضحاها فيعلنوا توبتهم و يعترفوا بسوء فعلهم و استعدادهم التام للتجرد من كل ما غنموه. بل ستستمر اللعبة الخبيثة و لا نستبعد ان يوههوا الناس بذلك من خلال “تحللهم” من بعض الغنائم و اطلاق برنامج سياسي وهمي يحمل اسماً و شعاراً رناناً بعد ان ضخّت “الوثبة” دماءاً جديدة في شرايين النظام بالانتهازيين و المقامرين بالوطن.
[email][email protected][/email]