حسن سلامة: بطير بفوق بحي السوق

قمت والصديق نور الهدي محمد نور الهدي في 2013 بطوافنا الدوري على بيوت رفاقنا من المرضي ومن العائدين من سفر و”الفاقدنهم”. وأنتهينا كالعادة عند دار الرفيق حسن سلامة بآخر حي المسالمة بأم درمان. وهو عضو مركزية الحزب الشيوعي من نشأته حتى خرج منه في نحو 1959. وتقلد فيه مسؤولية العمل في الريف أو هامش اليوم بجبال النوبة.

وعيني باردة. 88 عاماً من رشاقة الجسد والفكر.

ما استرعى انتباهي هذه المرة من حديثة تشديده على وجود حلقة ثقافية بحي السوق بأم درمان لا تقل خطراً عن جماعة اب روف والهاشماب-الموردة ممن سارت بذكرهما الركبان. وتكونت منه ويحي الفضلي وعبد الرؤوف الخانجي وربما اقترب منها عفان أحمد عمر، محرر جريدة الشباب. فقد كان صديقاً لسلامة وجاراً. وقال إنه كان يسمي حيهم، الذي في آخر المدينة، “عواء الذئب” كلما حلا به لدى عودتهم ليلاً من نادي الخريجين. وكان يزكي لسلامة أن يكتب ولكن بغير تقليد الكتابة السائد الصفوي الميت.

كانت جماعة السوق “شعبية” المزاج تريد مزج الفكر بالممارسة. فجماعة أب روف والهاشماب صفوية غارقة في التربية أو التبشير للخاصة. ولذلك خرج من السوق الجيل الاتحادي الشيوعي الأول ومن حزب الأحرار الاتحاديين بالذات الذي كان فيه حسن الطاهر زروق. وساقتهم وطنيتهم الشعبوية إلى الشيوعية لأن الحركات القائمة لم تكن شعبية بكفاية لهم. فقال سلامة إنه التحق بالإخوان المسلمين وتركهم بعد نحو 4 اجتماعات اقتصرت على الفقه. ثم سمع من الزعيم الأزهري أن ليس بوسع مؤتمر الخريجين عمل شيء كبير لأنه مثل عصاة العز تُلَوح بها ولكن لا تضرب.

وأتفق للجماعة- لمزاجها الشعبوي- فتح مكتبة وطنية للقراءة بجهة البوستة بالسوق يغشاها الناس جميعاً. ثم عقدوا ندوات بدارها قال إنها لم تكن تسع الحضور. بل سعى إليهم مكتب الاتصال العام (المخابرات) الاستعماري ليقدموا وزير الإعلام العراقي من على منبرهم ليرد على يونس بحري المذيع العراقي الذي وظف صوته القوي للترويج للنازية الألمانية ضد الإنجليز. وأشتهر عنه قوله إن إذاعة أم درمان “حشرة تطن”. وقال سلامة إن الوزير أحسن دحض أقوال يونس ولكنه لم يرحم الاستعمار. وقال لهم إدورد عطية، موظف المخابرات الاستعمارية من أصول لبنانية، لاحقاً إن الوزير وطني عراقي كبير.

ودخل الشيوعيون على جماعة السوق من منفذ هذه الشعبوية. فكان يلتقي بهم أحمد محمد خير، من طلائع الشيوعيين، بنادي الخريجين، ويعرض الماركسية عليهم. وعرفوا شيوعيين آخرين: محمد أمين حسين وزين العابدين عبد التام وأحمد زين العابدين. وقال حسن عن عبد التام كلمات من ذهب في تواضعه ومعرفته. وقال إن عفان وافقه في تحوله إلى الماركسية ولكنه قال إن سيكتفي بتحرير “الشباب”.

من رأي الكثيرين أن الشيوعيين أخطأوا بترك الحركة الاتحادية إلى حزب خاص بهم. ولذا اشتهر بين هولاء عوض عبد الرازق، الذي سبق أستاذنا عبد الخالق محجوب إلى زعامة الماركسيين، من أراد للماركسيين أن يلزموا تلك الحركة كعناصر يسارية فقط لا غير. ولكن الواضح أن من أول من خرج على الحركة الاتحادية كانوا اتحاديين ضاق حزبهم بشعبويتهم حتى وجدوا ما أتفق معها في الماركسية. إقرأ “تلك الأيام” لكامل محجوب و”تاريخ الحركة العمالية” لعلي محمد بشير وستجد أنه لم يكن من مفر للمناضلين الجذريين من الماركسية وتكوين حزب من نوع جديد في ذلك المنعطف من الحركة الوطنية. فمن يعيب على الماركسيين تأسيس حزبهم الخاص في الأربعينات بحيثيات قديمة أو مستحدثة كمن يعمل قلم التصحيح في التاريخ. وهذا إلحاد صريح بعلم التاريخ.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. خلينا…من حسن سلامه…رحمه الله….و كلمنا عن المرضي ….الذين تركتهم خلفك….في واشنطون….دون تذطرهم بكلمة طيبه واحدة….

  2. هناك مشروع آخر انجزه الاستاذ كامل محجوب ذلك المثقف العضوى العتيد , ولايقل عن دوره التاريخى فى وسط

    مزارعى السودان , وهو مشروع لجان تطوير القرى الذى ابتدرته مايو فى ايامها الاولى من خلال اليةالعون

    الذاتى والعمل التطوعى واستلهام ممارسات النفير المتجزرة فى الريف السودانى , لقد كنا شهودا على هذا

    العمل الاسطورى غير المسبوق الذى فجَر طاقات الريف السودانى , والذ ى ارتبط بمشروع مكافحة العطش فى

    غرب السودان حيث شاركت القرى طوعا فى حفر مئات الالوف من الحفائر ومثلها فى زرب الدوانكى , كماارتبط

    ببناء الفصول الدراسيه مواكبة للسلم التعليمى , وارتبط ايضا باستنهاض الجمعيات التعاونية , ولعل

    اهم المخرجات ذات الاثر الهائل فى بنية المجتمع السودانى بروز الملايين من القادة الطبيعيين فى الارياف من

    ذوى المواهب الفطرية والذين نمت قدراتهم من خلال هذا العمل التاريخى وتصدوا لقيادة اهلهم واصبحوا

    رصيدا جاهزا للعمل السياسى والاجتماعى رفد جميع التكوينات السياسية وهيئات المجتمع المدنى بمختلف مللها ونحلها.

    كنت قريبا من هذا العمل كموظف فى الخدمة المدنيه , وتم اختيارنا بواسطة وزارة العمل كخريجين جدد

    ( عام 1970) وتوزيعنا على مختلف الوزارات وكان نصيبنا الالتحاق بوزارة التعاون والتنمية

    الريفية حيث الحقت وآخرين بإدارة تطوير القرى ومديرها الاستاذ كامل محجوب حيث كنا شهودا على

    مقدراته الفذة فىالالهام والاستنهاض وفنون المخاطبة والاقناع والتى اهلته لعضوية اول مكتب سياسى

    للتنظيم المايوى جنبا الى جنب مع وزيره عثمان ابو القاسم وبقية كبار قادة مايو .

    هذه شهادة للتاريخ فى حق الرجل وهو بين يدى مليك مقتدر .

  3. ما ذكرته يا سيد Saeed هو نشاط ما يسمونه اليوم منظمات المجتمع المدني, حيث قامت عشرات المنظمات التي تدعي أنها منظمات تنطوي تحت لواء المجتمع المدني. المجتمع المدني دة تكون منذ وقت بعيدو إذ عرف الناس منذ القدم الحياة المدنية و ما ينتج عنها من نشاط تمثل في التعاون في مواسم الزراعة و الحصاد و نفير سد البحر و التعاون في مناسبات الأفراح و الأتراح و هو ما سموه التأمين التبادلي و منه صندوق الختة و غيره من صور التعاون. و هذه طبيعة الإنسان فهو مدني بطبعه.
    يا ليت منظمات المجتمع المدني تفعل شيئاُ لتسد خانة الأباء الذين رحلوا. أما الأحزاب السياسية فهي في طريقها لآن تفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لتحل محلها و لكن نخشي أن يكون مصير هذه المنظمات نفس مصير الأحزاب, أي كلام و إجتماعات و إحتفالات و مجرد (شو) ثم إختلاف و إنشقاق.

  4. اما ان الاون لتقفل دفترك الاصفر المخصص للبكاء والتعزيات ياقنوطهاهم رفاق الامس كلهم تساقطوا الواحد تلو الاخر وانتلازلت تلعب على الحبلين تطبيق شريعة قال بعد ان عاث فى الارض فسادا
    عيب عليك متين حتسيب الintelectual onanism بتاعك ده

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..