أخبار السياسة الدولية

ذهب أفريقيا يأخذ طريقه إلى روسيا

ملخص

في ظل التنديد الغربي المتصاعد بتحركاتها في أفريقيا من غير الواضح ما إذا كانت ستتأثر سمعة روسيا لدى الأفارقة، لا سيما أن المرحلة الماضية شهدت ترحيباً بقدومها من قبل دول مثل مالي وأفريقيا الوسطى والنيجر.

في وقت تواجه فيه القوى الغربية انتكاسة تلو الأخرى في أفريقيا أحكمت روسيا قبضتها على نسبة كبيرة من ذهب القارة السمراء مدفوعة إلى ذلك بسبب الضغوط التي كرسها عليها الهجوم على أوكرانيا في فبراير (شباط) من عام 2022، إذ قللت سلطات موسكو من اعتمادها على الدولار، بينما أضافت الذهب إلى احتياطاتها الخارجية.

وأخيراً، منحت السلطات الانتقالية في بوركينا فاسو ترخيصاً لشركة “نورد غولد” الروسية من أجل تعدين الذهب في منجم “نيو”، وهو أحد أكبر المناجم في البلاد، وهذا ليس الترخيص الأول الذي تمنحه حكومة الكابتن إبراهيم تراوري الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري قبل نحو سنتين إلى الشركة الروسية المذكورة.

وفي وقت سابق منحت حكومة تراوري ترخيصاً تشغيلياً لشركة “نورد غولد” من أجل استغلال موقع “ياميوغو” الذي يغطي مساحة نحو 31.4 كيلومتر، وتقدر طاقته الإنتاجية بنحو 2.53 طن من الذهب، فيما تبلغ طاقة إنتاج منجم “نيو” 20.2 طن من الذهب على مدى ثماني سنوات. وستؤمن الشركة من خلال منجم “نيو” 204 وظائف، 75 منها مباشرة، و129 غير مباشرة، بحسب المحضر الحكومي الذي نُشر إثر اجتماع للوزراء.

سيطرة بصورة متزايدة

وبوركينا فاسو ليست الوحيدة التي يحاول الكرملين استغلال ثروتها من المعدن الأصفر، إذ سبق ووضعت روسيا يدها على نسب متزايدة من ذهب جمهورية أفريقيا الوسطى، البلد الذي يعاني اضطرابات متزايدة، واستدعت سلطاته مجموعة “فاغنر” الروسية من أجل إطفاء الحرائق المندلعة هناك.

وقبل سنوات نجحت “فاغنر” في السيطرة على منجم “نداسيما” المعروف باحتياطاته الهائلة من الذهب قبل أن تضع يدها هذه الأيام، على منجم ضخم آخر، وهو منجم “إيديري” الواقع في غرب البلاد قرب الحدود مع الكاميرون.

وفي مالي نجحت “فاغنر” أيضاً في الاستيلاء على عديد من مناجم الذهب، وتخوض الآن معركة شرسة من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد الغني بثرواته الباطنية، ولا سيما المعدن الأصفر منها.

الباحث الاقتصادي والأستاذ بجامعة “باماكو” المالية محمد بن مصطفى سنكري اعتبر أن “روسيا أصبحت تسيطر بصورة متزايدة على مناجم الذهب في أفريقيا، خصوصاً في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وفي مالي سيطرت (فاغنر) التي أصبحت الآن قوات الفيلق الأفريقي المنضوية تحت لواء وزارة الدفاع الروسية، على عديد من مناجم الذهب المهمة، منها أكبر منجم حرفي في منطقة غاو، ومنجم تين أيكارانا في فبراير 2024 في مالي، حيث استولت على المواقع بالقوة بمساعدة الجيش المالي وطردت الجماعات المسلحة الأخرى”.

وتابع سنكري أن “روسيا حصلت على امتيازات تعدين الذهب في بوركينا فاسو عبر شركة (نورد غولد) الروسية التي تدير منجم نيو، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى استغلت روسيا سيطرتها على الحكومة للسيطرة على الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والماس”. وشدد على أن “روسيا تستخدم نفوذها العسكري والمرتزقة لتعزيز سيطرتها على هذه الموارد وتعمل على مناهضة الوجود الغربي في القارة عبر تأمين مناجم الذهب وغيرها من الموارد”. وختم سنكري “يمكن القول إن روسيا باتت تتحكم فعلياً في عدد من مناجم الذهب في أفريقيا، خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتوسع نفوذها في هذا القطاع الحيوي استراتيجياً”.

ونجحت روسيا بالفعل في السنوات الأخيرة بترسيخ موطئ قدم لها في عديد من الدول الأفريقية على غرار بوركينا فاسو والنيجر ومالي، حيث استفادت بصورة كبيرة من تغير المزاج الشعبي والرسمي تجاه الحلفاء الغربيين التقليديين للتسلل إلى هناك. وأطاحت انقلابات عسكرية أنظمة متحالفة مع الغرب في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فيما لجأت دول أخرى مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية إلى الاستعانة بالروس بهدوء وسط تحذير دول مثل فرنسا من ذلك.

وأحدث التحذيرات التي صدرت قبل أيام قليلة على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ندد بشدة بلجوء المجالس العسكرية المنبثقة من انقلابات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو إلى التحالف مع روسيا قائلاً إن “هدف الأخيرة هو السيطرة على موارد هذه الدول”.

تجاوز العقوبات الغربية

يأتي هذا في وقت تسرع فيه روسيا خُطاها لترسيخ موطئ قدم لمؤسساتها العاملة في مجال التعدين على غرار “آلروسا” التي باتت تدفع باستثمارات ضخمة في أنغولا وغيرها من الدول. ورأى سنكري أن “هناك تقارير تشير إلى أن روسيا حققت أكثر من 2.5 مليار دولار من تجارة الذهب الأفريقي” منذ هجومها على أوكرانيا في 2022، وأنها “تستخدم هذه الموارد لتجاوز العقوبات الغربية”.

لكن طريق روسيا للهيمنة على الذهب الأفريقي “ليس مفروشاً بالورد”، إذ تواجه بالفعل مزاحمة من قوى وشركات أخرى، “والمزاحمة تشمل الدول الغربية التي تسعى إلى الحد من نفوذ روسيا في أفريقيا، والصين التي تعد إحدى الدول المعادية لروسيا في هذا المجال”.

وبين الباحث الاقتصادي والأستاذ بجامعة “باماكو” المالية أن ”عديداً من الشركات العالمية تنافس على عقود التعدين في أفريقيا، مثل شركة (روسال) التي حصلت على امتياز لاستخراج الألمنيوم في غينيا، والدول الأفريقية نفسها تسعى إلى الاستفادة من مواردها المعدنية بصورة مباشرة أحياناً، وقد تتعاون مع قوى أخرى غير روسيا لتحقيق ذلك”. وتابع “هناك جماعات مسلحة وتنظيمات متمردة تسيطر على مناطق غنية بالمعادن في أفريقيا، وتسعى إلى استغلالها لتمويل أنشطتها”.

منافسة قوية من الصين

من جانبه رأى الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان أن “النفوذ الروسي في مجال الذهب يتوسع، خصوصاً في غرب أفريقيا مع تزايد تقارب موسكو مع المجالس العسكرية التي ستحكم دولاً مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وابتعاد هذه الدول عن القوى الغربية”. وأضاف في تصريح خاص أن “روسيا، وبدعم من كيانات مثل (نورد غولد)، وشراكات مرتبطة بـ(أفريكا كوربس) و(فاغنر) بعد إعادة هيكلتها، عززت بصورة واضحة حضورها في مناجم الذهب الرئيسة في دول مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، لكن هذا الحضور داخل مناجم الذهب دائماً ما ترافقه استثمارات في مجالات أخرى أو حديث عن اتفاقات في مجالات أخرى سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وعلى رغم هذه الهيمنة الظاهرة فإن روسيا لا تملك اليد الطولى بصورة مطلقة على قطاع الذهب في أفريقيا”.

وشدد ألبان على أن “الصين تعد منافسة قوية في هذا المجال لروسيا، حيث توسع بصورة كبيرة حضورها في مناجم الذهب بالمنطقة وتتبع استراتيجية أكثر هدوءاً وفاعلية من الروس الذين يثيرون كثيراً من الضجيج، ويتحدث عنهم الإعلام بصورة كبيرة مقارنة بالصين التي تركز على معادن أخرى مثل الليثيوم واليورانيوم، لكنها تجعل من الذهب أحد أهدافها الرئيسة، خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو والنيجر”.

ولفت أيضاً إلى أن “الصين تسعى إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المعادن، أما القوى الغربية كفرنسا وكندا على سبيل المثال، ففقدت كثيراً من نفوذها، لكنها لا تزال مستمرة من خلال شركات كانت تشغل مناجم ضخمة على رغم أن هذه الشركات تتلقى نوعاً من الانتقادات ويتراجع حضورها وأطماعها المستقبلية بسبب الهيمنة الروسية”.

وفي ظل التنديد الغربي المتصاعد بتحركاتها في أفريقيا من غير الواضح ما إذا كانت ستتأثر سمعة روسيا لدى الأفارقة، لا سيما أن المرحلة الماضية شهدت ترحيباً بقدومها من قبل دول مثل مالي وأفريقيا الوسطى والنيجر.

وفي نظر ألبان فإنه “بالفعل هناك جدل متزايد حول النموذج الروسي الذي يعتمد على تحالفات مع أنظمة عسكرية لديها قاسم مشترك هي أنها منبثقة من انقلابات عسكرية، يثير ذلك مخاوف من علاقات غير متكافئة أو استبدال مستعمر بآخر، وعلى رغم ذلك يرى بعض الأفارقة أن روسيا تقدم شراكات مفيدة تحت بند رابح – رابح عكس ما يقدمه الغرب الذي عادة ما يكون سبباً رئيساً في تعقيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في هذه الدول في نظر منتقديها”.

صفقات مفيدة

وبعد شن عقوبات غربية قاسية عليها رداً على هجومها على أوكرانيا، باتت روسيا في حاجة إلى إيجاد بدائل جديدة لمواردها المالية. وقال الباحث السياسي التشادي جبرين عيسى إن “سيطرة ميليشيات (فاغنر) على منجم تيل إيكرانا في مالي، وهو أحد أكبر مناجم الذهب في المنطقة، توفر عوائد كبيرة للدولة المالية ولروسيا، وكذلك سيطرة الميليشيات على مناجم الذهب في جمهورية أفريقيا الوسطى، عبر شركات وهمية، ستسهم في تعزيز اقتصاد موسكو، ومن الواضح أن استراتيجية روسيا من خلال هذه التحالفات العسكرية هي استراتيجية الأمن مقابل المعادن”.

وأشار إلى أن “روسيا تحاول تعزيز اتفاقاتها العسكرية مع الدول الأفريقية، خصوصاً في الساحل، لا سيما بعد انسحاب هذه الدول من تكتلات مثل (إيكواس) وطرد القوات الغربية، وبالفعل تحاول موسكو استغلال هذه المتغيرات لصالحها من خلال محاولة توفير الأمن لهذه الدول مقابل استغلال ثرواتها”.

وختم بأن “هذه الصفقات مفيدة لروسيا التي أصبحت لديها حاضنة جماهيرية في أفريقيا، خصوصاً بعد مساندتها السلطات الجديدة في الساحل، لذلك يرحب معظم الأفارقة اليوم بالتعاون مع موسكو”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..