أخبار السودان

السودان: ترحيب بريطاني بنتائج المشاورات وخلافات بين بعثة «يونيتامس» والاتحاد الافريقي

أعلنت السفارة البريطانية في الخرطوم، أمس الثلاثاء، عن وصول مدير عام شؤون أفريقيا في الحكومة البريطانية، معظم مالك، للبلاد. ويلتقي مالك خلال زيارته التي تستغرق يومين، عددا من القادة السياسيين السودانيين وأعضاء من منظمات المجتمع المدني وإعلاميين وشبانا والمنظمات الدولية لمناقشة التحديات الاقتصادية والسياسية الحالية.

وقالت إن المسؤول البريطاني يرحب بالإجماع القوي الذي اتضح من خلال مشاورات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة السودانيين بشأن عدد من القضايا والمبادئ الأساسية، مؤكداً على دعم المملكة المتحدة لعملية انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية في السودان.

وكشفت وسائل إعلام محلية عن تعرض “يونيتامس” لضغوط من قبل السلطات السودانية، وخلافات بينها وبين الاتحاد الأفريقي بخصوص شكل الوساطة المنتظرة للدفع بحل الأزمة السودانية والآليات المطلوبة في هذا الصدد .

وكان ينتظر أن تعلن “يونيتامس”، الأحد الماضي، عن نتائج المرحلة الأولى للعملية السياسية التي أطلقتها نهاية العام الماضي، تمهيدا لإطلاق مرحلة جديدة، الا أنها أجلت المؤتمر الصحافي بشكل مفاجئ دون تحديد موعد آخر.

وقال رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس، في تغريدة وقتها على حسابه في تويتر، إن البعثة الأممية أجلت المؤتمر الصحافي، للسماح بمزيد من التنسيق مع الشركاء الإقليميين حول استراتيجية مشتركة فيما يتعلق بتصميم المرحلة التالية من العملية السياسية للسودان.

وفي الأثناء، كان مبعوث الاتحاد الأفريقي، محمد حسن ولد لبات، يجري مجموعة من اللقاءات مع الأطراف السودانية للوقوف على آرائها بخصوص الأزمة الراهنة في البلاد وكيفية تقريب وجهات النظر بينها.

وقالت التقارير إن هناك خلافات بين البعثة الأممية والمبعوث الأفريقي للخرطوم محمد الحسن ولد لبات، لجهة تمسك الاتحاد الأفريقي بالحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية، وبدوره بالخصوص، ورفضه لتدخل الأمم المتحدة المباشر في الأزمة السودانية، مرجعة تأجيل المؤتمر الصحافي لـ”يونيتامس” للأسباب ذاتها.

وغادر الجمعة الماضية البلاد بعد زيارة استمرت لأربعة أيام التقى خلالها مجموعة من الأطراف السودانية العسكرية والمدنية، متوجها للولايات المتحدة الأمريكية، للتأكيد على موقف الاتحاد الأفريقي في اجتماعات مع مسؤولين في الأمم المتحدة.

وأنهت “يونيتامس”، قبل أسبوعين، المرحلة الأولى من العملية السياسية، التي انخرطت خلالها في مشاورات غير مباشرة مع قوى الحرية والتغيير وعدد من لجان المقاومة والحركات المسلحة، بالإضافة إلى مجموعات سياسية ومدنية، بعضها داعم للعسكريين، وآخرون لم يكونوا جزءا من المفاوضات التي أفضت إلى الوثيقة الدستورية التي قادت الانتقال خلال الفترة ما قبل انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ولم تلتق البعثة الأممية العسكريين في إطار المشاورات غير المباشرة، في وقت قدمت لهم تنويراً بما يجري خلال المشاورات في عدة لقاءات جمعت رئيس البعثة بقائد الجيش وعدد من العسكريين وقادة الحركات المسلحة في المجلس السيادي.

وبالتزامن مع نهاية المرحلة الأولى من العملية السياسية التي أطلقتها “يونيتامس”، قال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال مقابلة أجراها معه التلفزيون السوداني الرسمي، إن دور المبعوث الأممي محدد بالتنسيق ولا يحق له تقديم أي مبادرة، مؤكدا أنهم لن يسلموا الحكم إلا لحكومة منتخبة.

وكانت مجموعات تابعة للعسكريين والنظام السابق قد نفذت تظاهرتين أمام مقر بعثة “يونيتامس” في الخرطوم مطالبة بمغادرة البعثة للبلاد، ومعتبرة وجودها تهديدا للسيادة الوطنية.

إلى ذلك، ردت البعثة التي بدأت عملها في السودان في يناير/كانون الثاني 2021، بتعميم صحافي أوضحت خلاله أنها تعمل في السودان بتكليف من مجلس الأمن بطلب من الحكومة الانتقالية السودانية.

وأكدت تقارير محلية أن العسكريين أبلغوا فولكر رسميا أن مهمته تختص فقط بتيسير الحوار وليس تقديم مبادرة سياسية لحل الأزمة الراهنة، مشيرة إلى أن ولد لبات أكد على تمسك الاتحاد الأفريقي بالمضي في الدور الذي سبق وقام به في عام 2019 كوسيط بين الأطراف السودانية والذي أفضى إلى الاتفاق السياسي الذي حكم البلاد بشراكة بين المدنيين والعسكريين حتى انقلاب 25 اكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وشدد المبعوث الأفريقي، خلال لقاءاته مع الأطراف السودانية والبعثة الأممية، أن التفاهمات بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تستند على عدم تدخل الأمم المتحدة في النزاعات الأفريقية إلا بطلب من الاتحاد الأفريقي ولأغراض الدعم الفني واللوجيستي.

وقال القيادي في الحرية والتغيير، شهاب الدين الطيب لـ”القدس العربي” إن قوى الحرية والتغيير، أكدت خلال لقائها مع المبعوث الأفريقي على ضرورة تكوين آلية دولية مشتركة للدفع بأي مبادرة لحل الأزمة السودانية، تضم بالإضافة للاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وشركاء إقليميين ودوليين آخرين يدعمون الانتقال الديمقراطي في البلاد، وقادرين على تشكيل ضغط على العسكريينـ بينما أكد الاتحاد الأفريقي على ضرورة حلّ المشاكل الأفريقية من الداخل.

واشار الطيب إلى أن الاتحاد الأفريقي لم يقدم مبادرة لحل الأزمة السودانية، وإنما استمع لآراء الأطراف في الصدد، مشيرا إلى أن الاتحاد الأفريقي يخوض معركة لإقناع الأمم المتحدة بالحلول الأفريقية.

 

جولة افريقية

 

وخلال جولة أفريقية يقوم بها العضو العسكري في المجلس السيادي إبراهيم جابر، شملت المغرب والنيجر وموريتانيا والسنغال، والذي يترأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، أكد جابر حرص المجلس السيادي على تحقيق توافق سياسي واجتماعي شامل وصولا للانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.

وبينما ظل العسكريون يبشرون برؤيتهم التي تضع حلول الأزمة بين خياري التوافق السياسي الشامل والانتخابات، لم تتضمن تصريحاتهم إشارة إلى استعداد العسكريين في المضي نحو أي شكل من أشكال التفاوض، وما المقصود بالتوافق السياسي الشامل، وما هي الأطراف المعنية به.

والإثنين، اكتفت بعثة “يونيتامس” بنشر موجز حول مخرجات المرحلة الأولى من العملية السياسية، على منصاتها الرسمية بدلا من إعلانها خلال مؤتمر صحافي، كما كان مقررا له.

وأكد الموجز المنشور، على وجود إجماع من المجموعات السودانية التي التقتها “يونيتامس”- التي تضم 800 ممثل من جميع انحاء السودان، قدموا 80 مبادرة مقترحة لحل الأزمة – على استمرار دور الأمم المتحدة والجهات الدولية والإقليمية الفاعلة الأخرى في دعم المرحلة الانتقالية في السودان، وتضمّن ذلك توقعات بضمانات دولية فعالة لأي اتفاق سياسي مستقبلي وتنفيذه.

وشدد على التزام الأمم المتحدة بدعم تشكيل حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية كهدف نهائي للفترة الانتقالية في السودان.

 

السودانيون لن يسيروا بمفردهم

 

وأضاف: “نؤكّد للسودانيين نساءً ورجالاً بأنّهم لن يسيروا على هذا الدرب بمفردهم، سنعمل مع شركائنا – خاصة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية المعنية بالتنمية (إيغاد) – خلال المرحلة المقبلة للمساعدة في دفع العملية قدماً بمشاركة الجهات الفاعلة السودانية للوفاء بتطلّعاتهم وتسهيل تحقيق أهداف الثورة السودانية”.

وحسب موجز البعثة الأممية، ينتظر أن تعكس نتائج المرحلة التالية من العملية السياسية رؤية شاملة للسودان بحيث لا يشعر أيّ مجتمع بالاستبعاد أو التهميش، مؤكدا أن الدافع الرئيسي للبعثة هو إجراء مشاورات شاملة ومحددة زمنياً استجابةً لنداءات السودانيين بإيجاد حلّ سريع للأزمة السياسية الحالية.

وأضاف: “على الرغم من أنّ هذا الموجز قد يخيّب آمال الذين توقعوا حلا من قبل الأمم المتحدة، إلا أن الهدف من هذه العملية هو دعم حلّ سوداني للخروج من الأزمة السياسية الحالية باتجاه تحقيق أهداف الثورة. ”

وأكدت غالبية مجموعات أصحاب المصلحة السودانيين، خلال لقائها بالبعثة الأممية، على الحاجة الملحة إلى وقف أعمال القتل والعنف خلال الاحتجاجات المستمرة، واعتبرتها أولويّة عاجلة. ورفع حالة الطوارئ ووضع حدّ للاعتقالات التعسفية والاحتجاز والهجمات على المستشفيات واحترام حقوق حرية التعبير والتجمع السلمي كخطوات حاسمة لتهيئة بيئة سياسية مؤاتية.

وكانت نقطة الإجماع الرئيسية بين الذين تمت استشارتهم، حسب الموجز، على ضرورة إدخال تغييرات على الوثيقة الدستورية، بينما تباينت الآراء بشكل كبير حول مدى هذه التغييرات ومستقبل الوثيقة.

وأشار كثيرون إلى أنّ التاريخ السوداني اتّسم منذ الاستقلال بفترات طويلة من الحكم العسكري تخلّلتها فترات قصيرة من الحكم الديمقراطي، مؤكدين على وجوب كسر هذه الحلقة.

وأكمل الموجز: “كان الإجماع ساحقاً حول إعادة النظر في عضوية أي مجلس سيادة مستقبلي وحجمه ودوره مع تفضيل إشرافه على مهام الفترة الانتقالية فقط من دون تدخّل مباشر في عمل السلطة التنفيذية.” وبالمثل، حظيت فكرة مجلس وزراء مكوّن بالكامل من التكنوقراط المدنيين بـ 40 بالمئة كحدّ أدنى لتمثيل النساء. وكذلك كان هناك إجماع على الضرورة الملحة لإنشاء مجلس تشريعي من المدنيين، وضرورة ضم المجموعات المسلحة غير الموقعة على اتفاق السلام، وأنّ جميع القوات العسكرية وشبه العسكرية في السودان يجب أن تتّحد ضمن جيش وطني واحد غير حزبي بقيادة واحدة وعقيدة واحدة. ويرى الخبير الاستراتيجي أمين مجذوب الذي تحدث لـ”القدس العربي” أن استخدام مصطلحات فضفاضة مثل توافق شامل وانتخابات حرة ونزيهة، دون إيضاح تفاصيلها، مجرد تلاعب بالمصطلحات، مشددا على ضرورة ايضاح معالم وماهية السياق الذي ينتظر أن يمضي خلاله التوافق السياسي الشامل، وكذلك الانتخابات، ومدى الجاهزية لها، في ظل غياب الدستور وعدم جاهزية مفوضية الانتخابات والتعداد السكاني وغيرها من المطلوبات. وأضاف: “كيفية الوصول لتوافق سياسي شامل وانتخابات نزيهة، يحتاج لإجابات طويلة، والذي يعني فتح الفترة الانتقالية الى ما لا نهاية”. وتابع: “بغض النظر عن مواقف كل من الاتحاد الأفريقي وبعثة الأمم المتحدة، لا أعتقد أنهما قادران على إيجاد حل للأزمة السودانية الراهنة في ظل تمترس الأطراف السودانية من قوى سياسية وعسكر وثوار في الشارع، وتمسكهم بمواقف لا تظهر رغبة حقيقية في الحوار”. وشدد مجذوب على أن الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، تحتاج الى مؤتمر سوداني مع وجود وسيط قادر سياسيا واقتصاديا وأمنيا على فرض شروط ووضع وثيقة تأتي الأطراف للتوقيع عليها فقط.

إلى ذلك، أكد الصحافي والمحلل السياسي ماجد محمد علي لـ”القدس العربي” أن العسكريين يحاولون كسر العزلة الإقليمية بتحركاتهم الأخيرة، خاصة بعد ان جمد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، مشيراً إلى البعثات التي أرسلوها لعواصم أفريقية مختلفة في الصدد.

ولا يرى علي أي مؤشر لرغبة العسكريين بحوار مع المدنيين، بقدر ما تظهر تحركاتهم رغبة في الالتفاف والتنصل من المبادرة الاممية، مرجحا ان يكون للتدخل الأفريقي دور في تأجيل المؤتمر الصحافي لـ”يونيتامس”، لكنه لا يعتقد أن هذا التدخل سيؤدي لإيقاف دور الأمم المتحدة وبعثتها، مشيراً إلى أن المبعوث الأفريقي لا يحظى بقبول وثقة الشارع لجهة صلته بالمفاوضات السابقة بين الأطراف السودانية والتي أنتجت الوثيقة الدستورية وقادت لإفشال المرحلة الانتقالية.

وتوقع أن يطرح الاتحاد الأفريقي مبادرته الخاصة بعد ان أجرى حوارات مع أطراف مختلفة، مشيرا إلى أن ما تسرب من اجتماعاته مع القوى السياسية يفيد بإغلاقها الطريق أمام أي تنازلات كان ينتظرها من أجل إطلاق مبادرته على حساب المبادرة الأممية التي تتميز بعدم طرح إطار مسبق للحل وينحصر عملها في التيسير ومعرفة الحلول التي يريدها السودانيون. وفي السياق، قال المحلل السياسي حاج حمد لـ”القدس العربي” إن “النظام السابق منذ استيلائه على الحكم، أدخل البلاد في صراعات المحاور وخاصة محور المخابرات الامريكية والموساد، وأصبحت السياسة الكلية للبلاد لا تقدم المصالح الوطنية العليا على مصالح المحور، في وقت اصطفت الأحزاب ومنظمات المجتمع الدولي معتقدين ان حصار النظام السابق يعزله ويسهل مهمتهم.” وأضاف: “استغرقت المعارضة وقتا طويلا لتصل الى عمل مستقل عن سياسات المحاور الأمنية منذ 2013 .”

وتابع: “عندما جاء الاتحاد الأفريقي للوساطة في المفاوضات بين الأطراف السودانية عام 2019، كان جلياً أن هياكل الاتحاد الأفريقي الإدارية التي يتم تمويلها من الغرب تعمل وفق أجندته، مؤكدا أن شعارات مثل الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية مجرد غطاء لا أكثر.”

ويرى حمد أن الوثيقة الدستورية وضعت لاستمرار الهيمنة الاستخباراتية على القطاع الأمني، مشيراً إلى أن ذلك لم يتغير سواء في اتفاقيات سابقة لها مثل نيفاشا او لاحقة مثل سلام جوبا، مشددا على أن استمرارية الهيمنة الاستخباراتية هي سيدة الموقف.

ورغم الضغط الذي يفرضه الثوار ولاءاتهم الثلاث “لا شراكة، لا شرعية، لا تفاوض”، يعتقد حمد أن تحالف استمرارية الهيمنة الاستخباراتية يحاول ان يحتفظ بالعسكر داخل المسار السياسي ، مؤكداً أن توازن القوى الوطنية أبعد تماماً صفقات الشراكة المطبوخه من الخارج.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..