أنظمة الخطاب

هناك فجوة كبيرة بين السياسات العامة للحكومات ومشاكل الفرد ، فالقرار السياسي غالبا ما ينظر إلى فئات ليكون موضوع تنظيمه ، لكنه يكون أعمى عن رؤية مشاكل كل فرد على حده فيمكن للدولة أن تتخذ قرارا بمنح كل شخص دراجة بخارية ولكنها لن تعالج مشكلة غير القادرين على ركوب الدراجة بحيث يكون منحهم دراجة غير مفيد كما لو كانوا معاقين أو مرضى عقليين أو مجرد جبناء لديهم رهاب من اعتلاء الأشياء السريعة ..الخ.
عندما يوضع برنامج اقتصادي فإنه من العموم بحيث لا ينظر الى الحالات الفردية فالحديث عن توفير وظائف للعاطلين على العمل هو حديث عام وعند التطبيق يطبق بعمومية تظهر مشاكل الحاجات الفردية كعامل الخبرة والسن ونوع العمل نفسه .. قد تتوفر وظائف ولكنها لا تغطي جميع شواغر العاطلين عن العمل .
وتظهر مشكلة العمومية في الخطاب الانتخابي بوضوح فالمرشح يحاول بقدر الامكان أن يدخل كافة الشرائح والطبقات والظروف ليسع أكبر قدر من حاجات الناخبين. ولكنه بالطبع لن يستطيع أن يتسع بأفق خطابه الدعائي ليشمل جميع الحالات المتخيلة وبالتالي قد يفقد بعض الأصوات .
إذن نحن أمام أسلوبين أسلوب شديد الاتساع للسياسات أو الخطابات السياسية شديد العمومية كثير التفاصيل و إما أسلوب آخر هو اسلوب تجاهل الحاجات الفردية والنظر إلى أضيق النظريات التي من المتوقع أن يكون تطبيقها ذو أثر عام. على سبيل المثال : يمكننا أن نضع سياسات للصحة وأخرى للتعليم وثالثة للتجارة الدولية وأخرى للتجارة الداخلية وهلم جرا . ويمكن أن نضع سياسة واحدة كالليبرالية أو الاشتراكية تاركين وصول آثارها لكافة الشرائح والطبقات والموضوعات . أي أن نستخدم جملة قصيرة ذات أثر واسع بدلا عن جمل طويلة ذات أثار ضيقة .
وهنا سنجابة قضية جوهرية ، وهي درجة الوعي العام ونسبة التعليم في الدولة وثقافة المجتمع . فالجمل القصيرة تصلح للمجتمعات الراقية من الناحية التعليمية والثقافية والجمل الطويلة تصلح للمجتمعات المتخلفة وذات النسبة الأدنى في التعليم والتمدين.
يمكن أن تثير الجمل القصيرة ثورة جدل هامة جدا داخل المجتمعات المتطورة في حين يتم تهميشها في المجتمعات المتخلفة حيث السياقات شديدة المباشرة والاحتكاك الفوري بالحاجات الفردية .
لذلك فإننا نجد أن وصول المفكرين والفلاسفة إلى سدة الحكم تزداد ضعفا بتخلف المجتمع وكلما تطور المجتمع كلما توقعنا قفزات في المؤهلات الفكرية والثقافية لمن يصلون إلى الحكم.
إن استخدام النظريات ذات الأثر الشمولي وتبنيها في الخطاب السياسي تمهد لتطوير النظام السياسي في الدولة . أننا هنا لا نعني توتاليتارية دكتاتورية ، بل نعني الخطاب الشمولي في مجتمع ديمقراطي . بلغ فيه درجة من التعليم والثقافة تؤهله لرؤية معالجات لمشاكله الفردية والجماعية داخل النظرية بدلا عن غوغائية المعالجات الفئوية الواسعة وعدم ترابطها واتساقها بنيويا في نظام كلي شامل.
الغريب أنه حتى في الانظمة الدكتاتورية الشمولية -رغم شموليتها- إلا أنها داخل ديمقراطية شكلية زائفة تلجا الأنظمة إلى استخدام خطاب الجمل الطويلة ذات الآثار المتعددة.
امل الكردفاني
25مارس2015

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..