قتلى و عشرات الجرحى خلال مظاهرات.. ماذا يجري في كينيا؟

قتلت الشرطة الكينية، الثلاثاء، خمسة أشخاص على الأقل، وأصابت عشرات آخرين بطلقات نارية خلال محاولتها صد احتجاجات عارمة أمام مبنى البرلمان، حيث وافق المشرعون على مشروع قانون مثير للجدل، ينص على زيادات ضريبية.
وسادت حالة من الفوضى لم تتمكن خلالها الشرطة من صد المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام البرلمان، حيث شوهدت ألسنة اللهب تتصاعد من المبنى.
وقالت وسائل إعلام محلية إن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين بعدما لم تتمكن من تفريق الحشود باستخدام الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه.
وقال صحفي من رويترز إنه شاهد جثث خمسة متظاهرين خارج البرلمان، ونقل عن مسعفة قولها إن عشرة أشخاص على الأقل قتلوا بالرصاص.
وقال مسعف آخر إن أكثر من 50 شخصا أصيبوا بطلقات نارية.
ما القصة؟
انخرط آلاف المتظاهرين في اشتباكات مع الشرطة طوال اليوم، إذ أطلق ضباط الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
ولم تقتصر الاحتجاجات على نيروبي؛ إذ تم الإبلاغ عن اضطرابات مماثلة في حوالي 30 مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 47.
وأغلقت الشركات أبوابها، وأصيبت حركة النقل في المدينة بالشلل، حيث بدأت الاضطرابات منذ الصباح الباكر.
ويطالب المحتجون بقيادة مجموعة من النواب الشباب بإسقاط مشروع القانون الذي يزيد من الضرائب.
في المقابل، تصر الحكومة، التي تراجعت عن بعض الإجراءات الأكثر إثارة للجدل، وفق وصف موقع إذاعة “كابيتل” الكينية، على أن هناك حاجة إلى ضرائب جديدة لتمويل برامج الإنفاق وتقليل عبء الديون.
وأفاد صحفي في وكالة فرانس برس أنه سمع ضابط شرطة يأمر زملاءه بـ”إخراج الرصاص المطاطي من الصندوق”.
وبحسب ما ورد، بدأت الشرطة بعد ذلك بإطلاق النار في الهواء وعلى المتظاهرين.
وتم نشر ضباط لحماية مختلف المنشآت الحكومية الرئيسية، بما في ذلك البرلمان.
وبثت القنوات الإخبارية التلفزيونية المحلية، صورًا حية على شاشات مقسمة من جميع أنحاء البلاد، تظهر الحشود في مدن مختلفة.
وكانت تقارير صحفة محلية أثارت “اختطاف” الشرطة لما لا يقل عن خمسة من المؤثرين البارزين على وسائل التواصل الاجتماعي فجراً، قبل ساعات من المظاهرات.
واجتذبت الاحتجاجات اهتماما دوليا، إذ أعرب زعيم المعارضة الأوغندية، بوبي واين، ورئيس حزب “مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية” في جنوب أفريقيا، جوليوس ماليما، عن دعمهما للمتظاهرين.
وقالت منظمات بينها العفو الدولية في بيان مشترك “قُتل بالرصاص خمسة أشخاص على الأقلّ (…) وأُصيب 31 شخصًا”، مشيرة إلى تسجيل 21 حالة خطف من قبل “شرطيين بزيّهم الرسمي أو بملابس مدنية” في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.
مشروع القانون؟
تضمن مشروع قانون المالية المثير للجدل رفع مجموعة واسعة من الضرائب وزيادة بعض الرسوم على مجموعة من المنتجات والخدمات اليومية بما في ذلك بيانات الإنترنت والوقود والتحويلات المصرفية وحتى حفاضات الأطفال.
ينصّ المشروع على فرض ضرائب جديدة بينها ضريبة القيمة المضافة بنسبة 16% على الخبز وضريبة سنوية بنسبة 2,5% على السيارات الخاصة.
وبعد ظهور بوادر عصيان على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم خروج بعض المتظاهرين قبل أسبوع، تراجعت الحكومة عن بعض التدابير، لكنها احتفظت بأخرى، ومنها تلك التي رأى فيها الشارع بأنها تثقل كاهل المواطنين أكثر، في ظل التضخم وارتفاع تكاليف العيش.
وتعد هذه المقترحات جزءًا من جهود الحكومة الكينية لجمع 2.7 مليار دولار إضافية من الإيرادات المحلية.
وتقول الحكومة إن تلك التغييرات ضرورية لدفع الفائدة على الدين الوطني وخفض عجز الميزانية والحفاظ على استمرار عمل الحكومة، بينما يعتبرها المتظاهرون بمثابة عقاب.
الطريق إلى الشارع.. وموقف الحكومة
قام الشباب الكينيون بتنظيم أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نظموا مظاهرات سلمية في الشوارع تهدف إلى إجبار السلطات على إسقاط مشروع قانون التمويل هذا تماما. وبدأت الاحتجاجات في 18 يونيو بعد نشر مشروع القانون لأول مرة.
وانطلقت الاحتجاجات من نيروبي ثم امتدت إلى أجزاء أخرى من كينيا، بما في ذلك مدينة مومباسا في المحيط الهندي وحتى في إلدوريت، وهي بلدة تقع في منطقة الوادي المتصدع والتي كانت معقلًا لدعم الرئيس، وليام روتو.
وانسحبت المعارضة السياسية الكينية من جلسة الثلاثاء التي تم فيها إقرار مشروع القانون.
تدافع الحكومة عن الضرائب باعتبارها ضرورية لجمع إيرادات إضافية لخفض ديون البلاد.
ومع ذلك، واستجابة للاحتجاج العام، ألغت بعض الضرائب المثيرة للجدل، بما في ذلك الضرائب المفروضة على الخبز وزيت الطهي وملكية السيارات.
وعلى الرغم من ذلك، طالب المتظاهرون بالسحب الكامل لمشروع القانون.
والثلاثاء، تعهّد الرئيس الكيني، باتّخاذ موقف متشدد ضد “العنف والفوضى” بعدما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف دامية.
وقال روتو لصحفيين في نيروبي “سنقوم برد كامل وفعّال وسريع على أحداث الخيانة التي حصلت اليوم”، معتبرًا أن “أشخاص خطرين قد خطفوا” التظاهرات.
وأضاف “ليس مناسبا ولا حتى منطقيًا أن يتمكن مجرمون يتظاهرون بأنهم سلميون من ممارسة الإرهاب ضد الناس وممثليهم المنتخبين والمؤسسات القائمة بموجب دستورنا وأن يتوقعوا الافلات من العقاب”.
وتابع “بموجب ذلك، أحذّر المخططين والممولين والمنسقين والمحرضين على العنف والفوضى”.