الجماهير

الصراع الآن حول الشعب , ومع من يكون , والدعاية كلها حول توجه الجماهير , ومن ينصرون وبمن يستنصرون , وكل البيانات تخاطب الشعب , خاصة بيانات الجبهة الثورية , وتخاطب ضباط وجنود القوات المسلحة , وتحاول أن تثبت لهم أنها لا تستهدفهم , ولا تستهدف القبائل الشمالية النيلية , ردا على دعايات الحكومة وحزبها التي حصرت السودان في بعض المدن , وحصرت شعبه في بعض القبائل , دون أن تقوم بأي مبادرة شجاعة للم الشمل معلنة عن عهد السودان الكبير بكل وأديانه وطوائفه وأحزابه , بكل ماضيه وحاضره ومستقبله , سودان المشاركة , والتبادل السلمي للسلطة , والمساءلة والشفافية , وإحترام القانون والديمقراطية , سودان المؤسسات القومية وفتح كل القنوات لتفجير طاقات الشعب .
من أكبر مفاسد الحزب الحاكم هو تصوراته لماهية السودان والسودانيين , وهذه التصورات العجيبه تخرجه من نطاق ( الدين ) وتخرجه من معاني الوطنية كتصور إستراتيجي قادر على حل مشكلة ( الهوية ) وترسيخ القيم الضرورية في خلق مجتمع متحضر يتعايش في سلام ويقبل بمبادئ التسامح الذي يغذي العملية الديمقراطية ويجعلها تنطلق لإشباع كل حاجات الطوائف المختلفة والمتضادة . الحزب الحاكم متهم بجرائم ( إبادة ) لبعض مكونات الشعب السوداني معلنا بهذا عن ضيقه بالسودان الكبير والمتعدد , وخطورة جرائم الإبادة من هذا النوع أنها لا تقف عند حد معين , بل كلما ابادت قبيلة , وهدأت لها الأوضاع واستقرت لها الأمور , أبادت التي تليها , في طريق بحثها العنصري المعوج عن استقرار لا وجود له بين العناصر السلالية البشرية , وتتمدد جرائم الإبادة وتتنوع لقتل كل من يعارض ويفكر ويرى شيئا مختلفا لأن العنصرية في أدق معانيها ليست سوى مصادرة حق الاختلاف والرغبة في إبداع ( الجديد ) .
الشعب السوداني يرفض (العنصرية ) بكل أشكالها وخاصة عندما تكون سياسة للدولة , ويرفضها أكثر عندما تكون سلاحا وأداة في المعارك العسكرية , وعندما تستعمل في الدعاية النفسية مميزة قطاعات كبيرة من القبائل السودانية عن غيرها ومتهمة أياها بالرغبة الدفينة في الانتقام من بعض القبائل مع أننا لم نسمع تاريخيا أن القبائل تقاتلت في يوم من الأيام خاصة ما يسمى بقبائل ( الغرب ) وقبائل ( الوسط ) ولا يوجد في تاريخنا المكتوب والشفاهي مرارات وغصص من صراعات سياسية من قبائل بعينها , وحتى عندما دخل الزبير باشا الفاشر في 1874 ودحر سلطان الرزيقات في موقعة منواش الكبرى ثم دحر الفور في موقعة كبكابية لم يكن ذلك بإسم القبائل الشمالية حيث تكون جيشه من خليط من قبائل بحر العرب ومن آكلي لحوم البشر ( البازنقر ) , ومع قبائل الفور الذين انضموا لقواته التي فاقت ال 12000 جندي واصل فتوحاته حتى ( وداي ) وديار برنو , وكل السودانيين يقرؤون هذا التاريخ ويعرفون أنه تاريخهم ولا يترك فيهم أدنى شك من أن السودان وطن لهم جميعا , وأن تلك الأحداث ما هي إلا جزء من الأحداث التي كونت سودان اليوم , وأي إثارة للنعرات خاصة من قبل ( الدولة ) هي إثارة مرفوضة , ولن تؤدي إلى إنتصار في معركة بل ستأتي بنتائج معاكسة تماما , وستؤدي إلى عسكرة المواطنين وبالإنقسام , وعلى القانون ? إن كان هناك قانون يضبط تصرفات الدولة ? أن يوقع أشد العقاب على من يقوم بتفتيت النسيج الإجتماعي تحت أي مسمى أو ذريعة , حتى ولو الدفاع عن هذه المدينة أو تلك . هذا الاستنفار العنصري وقلب أسباب الصراع وتوسيع رقعته بتوسيع عدد المشاركين فيه , وتسليح السكان بحجج الدفاع عن النفس يعطي إنطباعات سلبية من أن القوات المسلحة بالفعل عاجزة عن حماية المواطنين والدفاع عن المدن , , وأنها تتلقى الهزائم كما يشاع مما يثير المزيد من الرعب والإضطراب الذي سيتسرب شيئا فشيئا للقوات المقاتلة ويأتي بالكوارث والفواجع .
كان السودانيون منذ الإستقلال يقاتلون ( التمرد ) ولا يشكون إطلاقا في ( سودانية ) من يقاتلونهم , وكانوا يقاتلونهم بجيش قومي لا يتيح لهم الفرصة أو القدرة على تصنيف من في يده السلاح دينيا او إثنيا , حتى جاء إنقلاب 89 , فكفر المسيحي , وقسم القبائل إلى عرب وزرقة , وفتح باب حروب من نوع لا حل فيه ولا سلام إلا بإنفصال من هو مسلم عن المسيحي ومن هو زنجي عما يسمي ( بالعربي ) حتى أدرك الناس أن الحل لابد أن يكون قوميا , إن أرادوا وطنا أو بقية وطن يعيشون فيه جميعا , أعلى من تصنيفات الدين , وأعلى من سلالات أهل السودان , في دولة تعترف بالوطن والمواطنين , حيث يرتفع الوطن بالدين وليس الدين بالوطن لأنه حينما يفعل ذلك يكون الوطن وطن أقلية ويكون مقسما .
الصراع القبائلي لا يشارك فيه الشعب السوداني وليس هو بطرف فيه , ومن حسنات التاريخ , أن الحزب الحاكم لم يستثن نفسه من تصوره للسودان والسودانيين , وجعل من نفسه حزب أقلية , يدير دولة صغيرة في المركز تهاجر عنها الكوادر , ويدير جيشا لحماية مكتسبات التمكين الإسلاموي وأرواح بعض شخوصه وليس مكتسبات الشعب وأرواح عامة الناس , مما يجعل الدعاية العنصرية ( بندق في بحر ) لا سيما وأن العاصمة القومية عاصمة مسلمة افريقية تتحدث العربية بلهجات محلية وأن المسحة الإفريقية حتى ممن يعتقدون بأنهم من سلالة عدنان تلون ليلها ونهارها .

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..