قراءة في كتاب : أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية : التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة) ، (10 – 15)

بدر موسى
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر ، أيوا ، الولايات المتحدة ، الموزع : دار الأجنحة للنشر والتوزيع ، الخرطوم .. ناشر الطبعة الثانية : دار بدوي للنشر ، كونستانس ، ألمانيا ، 2022م
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000م) ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة
المحاور
مدخل -كتاب يخاطب راهن السودان والعالم- البروفيسور علي عبد القادر : “هذا كتاب مذهل”- كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريته- أصالة الفكرة وعبقرية التناول- خدمة الثورة والتغيير تكون بالفكر والعلم- تعريف مختصر بالكتاب : هيكل الكتاب – العبودية هي غاية الحرية – الحرية غاية التنمية وهدفها الأسمى ووسيلتها الأساسية – الإسلام وهزيمة الخوف – عن ماهية التعليم ومادته وفائدته ووظيفته – الفهم الجديد للإسلام : مستوى ما بعد العقيدة حيث يبدأ العلم- “الحرية هي روح الحياة .. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح”- التحرير من الخوف هو الطريق لاستئصال العبودية (الرق)- الدين بمستواه العقيدي يعوق التنمية: الشريعة الإسلامية تعوق التنمية – إنجاب الفرد الحر مِسبر التنمية – حاجة الدولة لإعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت وإدخاله ضمن تقييمها الاقتصادي – مستقبل النظامين الشيوعي والرأسمالي – المحتفون بالكتاب – ربما لا نكون مختلفين إلى هذا الحد – بيان الغرض من التنمية وهو إنتاج أفراد أحرار – الحرية موؤدة في النظامين الرأسمالي والشيوعي – نحو ثورة في الأخلاق – هل هذا مجرد نموذج للقاء العقول الكبيرة والتطابق في الأفكار والآراء أم نموذج لسرقة الأدبية؟ – نماذج من تشابه النصوص والآراء – خاتمة..
الحرية موؤدة في النظامين الرأسمالي والشيوعي
يقول عبدالله ، تحت العنوان أعلاه ، لقد وُصِف سن بسبب نقده للرأسمالية بأنه أعظم ناقد للرأسمالية في التاريخ ، قدم كذلك نقداً للنظام الشيوعي. فقد ذكر بأنه يتعين الاعتراف ، بقصور فعالية النظام الشيوعي ، واتفق مع الرأي القائل بأن الاقتصادات الشيوعية هي الطريق إلى العبودية ، كما ورد أعلاه. كان طه قد قرر ما ذهب إليه سن منذ عام ، 1952م في كتابه: قل هذه سبيلي، وتوسع في كتبه اللاحقة ، لا سيما كتابه : الرسالة الثانية من الإسلام ، 1967م ، فقد كتب ، قائلاً: لا مستقبل لهذين النظامين؛ النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي ، إذ لا حرية مع النظام الرأسمالي ولا حرية مع النظام الشيوعي ، الحرية موؤدة في كلا النظامين ، والحرية هي طِلْبَة واحتياج إنسان اليوم ، ولذلك لا مستقبل لهذين النظامين ، لأنهما لا يوافيان احتياج الإنسان. وأوضح بإن الشيوعية أعطت اعتباراً للمجتمع ، وهو وسيلة ، فوق ما أعطت الفرد ، وهو غاية. فقد جعلت الفرد وسيلة المجتمع فأهدرت قيمته ، وحريته ، وحقه ، وأقامت نظامها علي القهر والعنف ، وعلي ديكتاتورية الدولة. كما أن الاشتراكية فيها تقوم على حساب الحرية الجماعية ، وعلى حساب الحرية الفردية. وليست الرأسمالية الغربية بأحسن حالاً ، من الشيوعية الروسية ، فهي نظام متخلّف يقوم على شريعة الغابة. فقد قامت الرأسمالية علي إهدار حقوق الأفراد ، فهي نظام للتسلط الاقتصادي ، واستغلال العمال ، ثم هي تمارس ديمقراطية زائفة ، تعطي الفرد حرية الانتخاب والترشيح ، ولكنها لا تحرره من استعباد الرأسمالي له ، الذي يمكنه أن يوجهه لأن يصوت لجهة ما بالتصريح أو بالتلميح ، فيفعل ذلك ، لأن الرأسمالي يملك قوته ، وفي أحسن الأحوال يمكن للرأسمالي شراء صوته بوسائل عديدة ، بل يمكنه أن يصنع ويزيف الرأي العام بامتلاكه للصحف ، أو بمقدرته علي شراء حديثها أو صمتها. كذلك ينظر طه إلى النظامين الرأسمالي والاشتراكي ، كما ورد آنفاً ، بأن منطلقهما واحد ، كما أنهما يقومان على أساس واحد ، ولا يختلفان إلا ظاهرياً ، وتنطلقان من التفكير المادي. وقد فصل عبد الله في ذلك.
نحو ثورة في الأخلاق
أفرد عبدالله حيزاً لتناول موضوع الأخلاق ، وترفيع قواعد الأخلاق ، وخصص محوراً بالعنوان أعلاه. وكتب عبدالله ، قائلاً : كان سؤال الأخلاق حاضراً في أطروحة سن ، وفقاً لرؤية العلم المادي التجريبي ، بينما نظر طه إلى السؤال برؤية العلم الروحي التجريبي ، التوحيدي ، ما بعد مظهر البيئة المادي حيث البيئة الروحية. فالأخلاق ، عند طه ، ليست هي الصدق ، والأمانة ، … إلخ من هذه الفضائل السلوكية المحمودة ، وإنما هذه نتائج الأخلاق ، وثمرتها ، فالأخلاق ، عنده ، هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وبذا تكون الأخلاق ، كما يقول ، هي مسئولية أمام الناس ، وأمام نفسك ، وأمام الله. وأوضح بأننا نحتاج لنكون أخلاقيين ، لأن الأخلاق تمنحنا الفرصة لنكون أحراراً ، وبالحرية نتخلص من الخوف. ولا سبيل للتحرر من الخوف إلا بالمؤامة بين البيئة الطبيعة والحياة البشرية ، كما ورد آنفاً. ولعل سؤال الأخلاق هو سؤال اليوم ، فما يعيشه العالم اليوم ، من اضطرابات ، ومظالم ، وحروب ، وصراعات ، وأشكال مختلفة من هيمنة الأقوياء وسيطرتهم ، وانتشار الهوس ، والفشل في بناء السلام ، هو تعبير ناصع على أن هناك أزمة تعيشها الإنسانية. ويرى طه بأن الأزمة الإنسانية الحاضرة ، في جميع أنحاء الكوكب ، ليست أزمة اقتصاد أو أزمة كفاءات في أي مجال من المجالات وإنما هي أزمة أخلاق. ولهذا فهو يرى بإن كل محاولة أو أي حديث عن التنمية الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، بدون اعتبار الأخلاق الفردية ، إنما هي محاولة مقضى عليها بالهزيمة والخذلان والفشل قبل البداية. وترتب على أزمة الأخلاق هذه أن الموقف العالمي يتداعى من جرائها نحو هاوية سحيقة ، ولا منجاة للإنسانية منها ، إلاّ بثورة في الفكر ، وثورة في الأخلاق ، تضع للناس موازين القيم الصحائح في مواضعها ، وتخط لهم طريق الخلاص.
أرجع طه الأزمة الأخلاقية، التي أدت للاضطرابات التي يشهدها عالم اليوم ، إلى سبب أساسي ، وهو مدى التخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية. ويرى بإن العلم التجريبي الحديث رد مظاهر المادة المختلفة ، التي تزخر بها العوالم جميعها ، إلى أصل واحد ، وأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي بيئة روحية ذات مظهر مادي ، وأن العلم المادي التجريبي ، والعلم الروحي التجريبي ، التوحيدي ، اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. هذا الاكتشاف الجديد ، كما يرى طه ، يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم ، ذلك بأن عليه أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة ، وبهذه المواءمة والتناسق يكون الرجوع إلى الله بعقولنا ، بل وبكل كياننا، حتى نحقق العبودية لله. والعبودية لله، عند طه ، هي غاية الحرية ، وكلما زاد العبد في التخضع لله ، كلما زادت حريته. فبالعلم التجريبي لا نستطيع الرجوع إلى الله ، وإنما أسرع الطرق للرجوع لله يكون عن طريق الفكر ، النابت في البيئة الروحية. والفكر ، كما يرى طه ، أسرع من النور ، وبالطبع أسرع من الآلة التي ينجزها العلم التجريبي. ولهذا فإن قواعد الأخلاق البشرية إذا لم ترتفع إلى هذا المستوى فترد جميعها إلى أصل واحد ، الأصل الروحي ، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد ، فإن التـواؤم بين البيئـة ، وبيـن الحيـاة البشرية ، سيظـل ناقصاً ، وسيبـقى الاضطراب الذي يعيشه عالم اليوم مهدداً الحياة الإنسانية على هـذا الكوكب بالعجـز ، والقصـور في أولأول الأمر ، ثم بالفناء والدثور ، في آخر الأمر.
نواصل في الحلقة القادمة.
يا بدر أنا نسيت في أي سنة نزل الوحي على محمود محمد طه بالرسالة الثانية. محمد بن عبدالله خاتم النبين والرسل ، ولكن من يصل إلى مقام محمود محمد طه قدس الله سره؟