قُم للمعلّم (على حيلك).. أيها الانقلاب الكسيح..!

مسألة
د. مرنضى الغالي
تحية للمعلمين في عيدهم.. والله إنهم يستحقون أعلى رواتب الدولة.. فأين ذلك من رواتب ومخصصات جنرالات ومستشاري الانقلاب ووزراء التكليف الانقاذي والسادة في “مجلس السيادة” وزعماء الحركات و(الخبراء الوطنيين والاستراتيجيين) ومواكب استقبالات إيلا.. ومناديب (مسيرات الموز).!!
لن تفوتني تحية المعلمين والمعلمات في عيد المعلم من كل عام..! فقد (انحفرت) في راسي صورة المعلم (وكذلك المعلمات فلي بينهن شقيقتان) ذلك الشخص الوقور الحادب المتفاني المُخلص الرصين المتقشّف الذي ينهمك في نقل المعرفة ومعالجة استقامة الحياة وإصلاح كل اعوجاج و(تجبير كل مكسور) ونشر كل فضيلة وقيمة بغير انتظار للثواب..!

تغدو المعلمة ويغدو ويروح المعلّم نقي السريرة محمود السيرة مهذب السلوك منتظم الهندام نظيف الملبس مهما كان حال ما يرتديه من الاهتراء والتقادم والوهن (بفعل تكرار الغسيل والمكوة).. فمحدودية الدخل وشظف العيش من السمات الملازمة للمعلمين في السودان وفي معظم أنحاء عوالمنا الإفريقية والعربية لأننا نركب السيارات ونبحث عن المخصصات لكل (زعيط ومعيط) من الفلول.. ونهمل المعلمين حُداة الأجيال وناشري المعرفة وحَفَظة الهوية وبُناة أجيال الحاضر والمستقبل وأدلاء الشارع والقرية والفريق وآباء وأمهات اليتامى ورُعاة الأيامى ورُسل التربية والتوجيه..!
هل رأيت ماذا فعلت الانقاذ وماذا فعل الانقلاب بالمعلمين رجالاً ونساءً (عن قصد وسوء نية) من ضروب الإهمال والإفقار والإذلال بل الاعتقال المهين بل الضرب والايذاء والتعذيب ثم القتل الصريح حتى تسود الجهالة والبلادة والفساد والجحود.. وتلك هي (القيم) التي يعض عليها الفلول بالتواجذ والأضراس..!
كنتُ أسميهم وأعني المعلمين والمعلمات (آخر الرجال المُحترمين) على عنوان احد المسرحيات المصرية القديمة.. ليس تفضيلاً بالمعنى الحرفي لكن من الفضل الذي نوّهت به لهم الرسالات السماوية والحكِمة الأرضية.. هكذا يسيرون بين الناس بين فضيلتي التواضع والعطاء.. يتصفون (بالأدب والدأب) ويعملون على مدار الساعة في الليل والنهار و(في الطيف أو في الصحيان) يميّزهم الامتلاء الغريزي بمشاعر الأبوة والأمومة.. فهم من يقومون برعاية وتقويم عثرات التكوين في الطفولة والصبا والشباب فيخرج من معاناتهم وتعب أيامهم الأطباء والعلماء والمهندسون والخبراء والرواد والعباقرة والعمّال والمبتكرون..الخ
ولا يفلت من بين أيديهم إلا (المساخيت) وكسالى الفطرة وسيئو الطباع الذين يستعصون على كل علاج ويتنكرون لكل غرس طيب (مثل جماعة الإنقاذ والانقلاب)…! فسبحان الله أن بعض الناس يبدون كالمصفحين من نور العلم.. يغلقون قلوبهم وآذانهم من الفهم والتنوير فلا تصل إليهم المعرفة وكأن لهم دروع السلاحف وظهور التماسيح..! يمسكون (دفة الطيش) في كل امتحان للفضيلة والخير.. مثل نادرة أحد الطلاب الذي كان ترتيبه (تاني الطيش) على مدار السنوات واعتاد على هذه الدرجة كما اعتاد أبوه عليها..ولكنه جاء يوماً مكسوفاً وقال لأبيه (المرة دي جيت الطيش عديل) فاستعجب الأب وقال له: ولماذا تراجعت درجتك هذه المرة من تاني الطيش..؟ فقال الإبن: (الطيش نقلوهو مدرسة تانية)..!!
بماذا تذكرك هذه الطُرفة الشعبية البريئة.. وأنت ترى مسرحيات عودة الفلول و(فقيه اسطنبول) وقرارات وزارة مالية الانقلاب وتنقلات محلس السيادة الانقلابي واستقبالات رميم الانقاذ في شرق السودان..!
لقد حاولت ثورة ديسمبر العظيمة انصاف المعلمين (بقدر ما) ورد اعتبارهم وتحسين مرتباتهم بين (عموم الأفندية) قبل أن يأتي هذا الانقلاب الفلولي الهمجي ليطمس كل معاني التقدير والانصاف.. والذي جعل الجهل يتربع على كل المواقع التي تخصصها الدول للنهوض بالتعليم والتربية والإعلام والتثقيف والتنوير والتنمية البشرية..! وحتى الدول الكبرى مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا واليابان تقرع بين حين وآخر أجراس الإنذار خشية على حال التعليم وتلح تقارير خبرائها على الإسراع بإصلاح المناهج لمواكبة الدنيا ومتغيراتها..!
نقلت منابر الإعلام عن ممثلة اليونسيف في السودان السيدة (مانديب أوبراين) خشيتها من مغبة حرمان قطاع كبير من الأطفال والناشئين في السودان من معرفة مبادئ القراءة والكتابة والحساب والمهارات الرقمية.. وقولها إن التعليم ليس مجرد حق بل هو (شريان حياة) وإذا لم يتم اتخاذ اجراءات عاجلة فإن أزمة التعليم في السودان ستصبح (كارثة جيلية)…!
هل يفهم انقلاب البرهان وحميدتي معنى هذا الكلام…. الله لا كسّبكم..!!
ألم ترى وتسمع المعلمين يذهبون ويقفون بكل أدب أمام شخص جاهل وغير متعلم وهو حميدتى !
قم للجاهل وَ وَفِّهِ التبجيلا
أُبْتُلِيَ السودان بإثنين وكلتاهما يعانى من حساسية مفرطة ضد شيئين:
أحدهما يعانى من حساسية ضد الصدق و ثانيهما من حساسية ضد العلم.
هذا مفهوم و شئ عادي وطبيعي ،و لَعَمْري، فإن شر الأمور ليس مُحْدَثاتها فقط
بل إن شرها هو تطبيع الأوضاع الشاذة كأن يكون أحد (قادة) البلاد كَذّابا
يقول الكذبة نهاراً ثم يأتي بعكسها ليلاً وأما منظره وهو يكذب فذاك الذي تَغْشَي منه المدامع
والثاني أكبر درجات تحصيله العلمي هي بالكاد فك الخط و أما حديثه فذاك الذي
تَسْتَكُّ منه المسامع .
كل هذا ،و بكل أسف، طبيعي و (مفهوم ) لكن من غير المفهوم أن يقف المعلم بين يَدَيْ ذلك الأمي
ليتلقوا منه التبريكات و التعليمات في بلدٍ جل أهله مفتون بالعلم و المعلم لدرجة الجنون فكأنما عبارة
education frenzy سُكَّت فقط في حق السودانيين.
أم هل انقلبت الآية فأصبحت:
قم للجاهل وَ وَفِّهِ التبجيلا …….
تصحيح من الكاتب:
الصحيح هو أُبْتُلِيَ السودان بإثنين وكليهما……..
وليس
أُبْتُلِيَ السودان بإثنين وكلتاهما………
وطرفة اخرى بمناسبة المعلم والعلم والتعليم
يحكى ان احد الأشخاص كان له ابن سمين وبليد رسب في امتحان الشهادة الثانوية مرتين
ثم قدم للكلية الحربية ورسب في الامتحان والمعاينة فرجع المنزل مكسوفا محسورا واخبر والده بانه لم يجتاز المعاينة فما كان من الوالد الا وان اصطحبة مباشرة لمقابلة لجنة المعاينة لمعرفة سبب الرفض
وقال لرئيس اللجنة
لماذا لم يقبل ابني وهو مؤهل تماما
في ألمانيا، وعلي عهد المستشارة أنقلا ميركل، نظم الخريجون من مهندسين وأطباء وإقتصاديين، وغيرهم، مظاهرة عاتية، للمطالبة بمساواة رواتبهم مع المعلمين، فردت عليهم المستشارة قائلة “إن ذلك (مساواة الأجور) لن يَحدث أبداً، فلولا المعلمين، لما فقهتم شيئاً، لا في الهندسة، ولا في الطب، أنتم تطالبون بالمستحيل” !!!!!!!