السر قدور …. يالخلتينا رحت مشرق

د. عبدالفتاح سليمان
سئل نجيب محفوظ ذات مرة لماذا تكتب عن الحارة ولاتكتب عن القرية ؟
أجاب كيف أكتب عن القرية ولدينا خيري شلبي.
ولد خيري شلبي (1931-2011) بقرية شباسي بمحافظة كفر الشيخ وبدأ الكتابة في سن السادسة وانضم لعمال التراحيل ، ولأنه كان مولعا بالمواوييل والحكايات والمسرح ، فقد كان يدخر أجرة يومه للصرف على دراسته وهواياته ، فكان الوحيد من بين العمال ممن تحوي أمتعته كتبا وأقلاما وقراطيس . وقد ارجع سبب تميزه في الحكى والسرد إلى طبيعته التي ترتبط بالفلاح الذي يتميز بروح البوح وعفوية الريف .
والحكواتي في الذاكرة الشعبية هو شخص امتهن سرد القصص في المحال والمقاهي والطرقات فيحتشد حوله الناس وهو لايكتفي بسرد القصص بل يتفاعل مع جمهوره فيدفعه الحماس احيانا لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت والضحك.
والسر قدور في ذلك ك خيري شلبي ، فقد نقل تجاربه في الحكى من المسرح ومن دار الإذاعة ومقهى جورج مشرقي إلى استديوهات قناة النيل الأزرق عبر برنامج (أغاني واغاني) فيحكي الحكاية ثم يتبعها بضحكته المجلجلة الرنانة التي تحاكي ضحكة الفنان المسرحي الاسباني خوان جويا بورخا المتداولة في الميديا .
والحكى عند السر قدور هو تشارك للمعرفة بنقله لتجارب السابقين عبر الترفيه والتسلية والتعلم وتقديم النماذج الفنية بغرض تعليم ناشئة الفنانين أصول الغناء وتعريفهم بالموروث الغنائي السوداني للوقوف على تجارب من سبقوهم .
وحكاوي الأغاني عند السر قدور دائما ما ترتبط بأغنيات خلدها الزمان وبمواقف وذكريات يلتقى فيها بشخصيات من صنعوا هذه الأعمال أو أدوها في لغة سهلة وبسيطة كبساطته . فقد كان يزواج بين جماليات الفصحى وعامية السودان الفصيحة من واقع الحياة اليومية السودانية البسيطة محليا إياها بضحكته المعهودة التي صارت معلما من معالم البرنامج ووقفة من وقفاته المعتادة وهى تعد ضمن ملامح السر قدور بوصفه مسرحي وكاتب وشاعر وفنان وكومديان صاحب حس فكاهي آسر .
من طرائفه التي حكاها بنفسه أنه حدث وأن قدم قصيدته (ياحبيبي انحنا اتلاقينا مرة) للفنانة عائشة الفلاتية فأهملتها فعاد وقدمها للفنان والموسيقار العاقب محمد حسن فغناها فلقيت رواجا بين الناس مما أثار غيظ الفلاتية فالتقته صدفة في دار الاذاعة وبادرته بقولها (دا كلو منك داهية تاخدك ومعاك عوض جبريل) فمازحها قائلا :- أنا بسببي مالو عوض جبريل فردت عليه عشان شين زيك .
بغياب السر قدور تغيب الضحكة التي بادله إياها الناس محبة أو استهزاء وفي الحالين كانت شخصيته محل تقدير واحترام لدى السامعة والمشاهدين .
رحم الله السر قدور ، فقد كان واحدا من الذين حفظوا ذاكرة الأمة في مجال الشعر والمسرح والتراث أهدى معها الناس أوقاتا من الفرح والابتسامة والتثقيف المجاني ستغيب ضحكته عن الشاشة لكنها تظل ناصعة في قلوب الناس وافئدتهم وخالدة في ذاكرة محبيه وجمهوره .
قلت ابتسم واطرب
فلو قارنتها لقضيت عمرك
كله متألما
أتراك تغنم بالترنم درهما
أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
ياصاح لا خطرا على شفتيك
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى
قلت ابتسم مادام بينك والردى شبرا
فإنك بعد لن تبتسما
كان عصاميا علم نفسه بنفسه مالم يتعلمه في بطون الكتب والمراجع وغادر الدنيا تاركا رصيدا وافرا من محبة الناس .
الريد يجمع ويفرق
بحر يروي ويغرق
يالخليتنا رحت مشرق
ياحليلك حليلي معاك
فليذهبو إلى الجحيم كل من وقف بجانب قتلة شباب السودان.