هل توجد آفاق تسوية بين قائدي السلطة العسكرية الحاكمة في السودان؟

«وما التأجيل الذي صاحب توقيتات التوقيع على الاتفاق السياسي، إلا بقصد وضع الأطر المتينة التي تحافظ على زخم الثورة وعنفوانها. وتعمل الأطراف الآن بجد لإكمال النقاش حول الموضوعات المتبقية» يقول قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
ومع ذلك، لا تقول تصريحات البرهان التي جاءت في كلمة وجهها للسودانيين، يوم الخميس، بمناسبة ذكرى انتفاضة نيسان/ابريل 1985 والتي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، جعفر نميري إلا القليل فيما يتعلق بتفاقم الصراع العسكري – العسكري المتصاعد بين الجيش والدعم السريع والذي أصبح الشغل الشاغل للرأي العام السوداني.
فمنذ إطاحة الرئيس المخلوع عمر البشير في نيسان/ابريل 2019 ظل قائدا الجيش السوداني والدعم السريع في وفاق كامل، وخاضا معاركهما ضد الحكم المدني والمتظاهرين السلميين من خندق واحد، وصولاً إلى انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 ليبدآ فصلاً معلناً من الخلافات.
تمظهر الخلاف بشكل واضح بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» منذ تموز/يوليو الماضي حينما أعلن الأول خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية، واعتزام تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة فيما قال الثاني إنه لم تتم مشاورته في القرار.
لاحقاً، ألمح حميدتي في مقابلة تلفزيونية من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أقصى غربي البلاد، إلى فشل الانقلاب، قبل أن يؤكد بشكل قاطع في شباط/فبراير الماضي خطأ الانقلاب نفسه.
ومع ذلك، سبقت المرحلة الحالية من الصراع اصطفافات سياسية متباينة، وحالة فرز بين الحاكمين الفعليين للبلاد، وضعت كلا منهما في تحالف مختلف، رغم ذلك وقعا اتفاقاً إطارياً مع القوى المدنية بقيادة تحالف الحرية والتغيير في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ضمن عملية سياسية تتوسط فيها الآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الأفريقي، إيقاد والأمم المتحدة.
وبينما كان من المرجح في أعقاب الاتفاق الإطاري أن تحتدم الخلافات بين القوى المدنية، إذا بها تنفجر في أوساط المكون العسكري، والذي أصبحت قيادته على طرفي نقيض. فبدأ قادة الجيش السوداني تباعاً التشديد على ضرورة دمج الدعم السريع، معلنين تحفظات رئيسية على الاتفاق الإطاري، في وقت شدد قائد الدعم السريع على التزامه بالاتفاق وحمايته.
ومع استمرار العملية السياسية الناتجة عن الاتفاق الإطاري والذي أجل خمس قضايا للبت فيها، وتضمينها في الاتفاق النهائي، وصلت وتيرة الخلافات بين البرهان وحميدتي إلى الذروة في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، بعدما اختلفا حول تفاصيل قضايا عديدة بينها الجداول الزمنية لعملية دمج الدعم السريع في الجيش، وإصلاح بنية قيادة الجيش ومناهج الكلية الحربية، والخلافات ما تزال تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي، ينهي أكثر من عام ونصف العام من عمر الانقلاب العسكري.
وبالعودة إلى كلمته، أكد البرهان العزم على استكمال العملية السياسية التي تجري الآن بالسرعة المطلوبة بما يوصد الأبواب على كل محاولات الردة، على حد تعبيره.
في المقابل، أكد حميدتي لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي، مولي فيي، يوم الخميس قائلاً إن «العملية السياسية تمثل فرصة نادرة لاستعادة مسار الثورة، بل هي خطوة ضرورية، للمضي قدماً، وصولاً لانتقال ديمقراطي حقيقي» مؤكداً المضي في الاتفاق السياسي إلى نهاياته.
لكن خلافات البرهان وحميدتي يبدو أنها لا تتمحور حول العملية السياسية بحد نفسها، وإنما تعبر عن مخاوف وقضايا أخرى أكثر إلحاحاً بالنسبة إليهما، وفق ما يرى خبراء.
يقول الخبير الاستراتيجي، أمين مجذوب، إن أسباب تعثر التوقيع النهائي يعود لعدة عوامل، منها العامل العسكري الخاص بدمج قوات الدعم السريع الذي تمت مناقشته في ورشة الإصلاح والهيكلة للقطاع الأمني والعسكري.
ويوضح أن هناك وجهات نظر مختلفة وعميقة وخلافا كبيرا جداً في هذه المسألة، وبالتالي لأن هذه الورشة مهمة جدا لم يتم خروج أي توصية منها وبالتالي لم تضمن في الاتفاق النهائي.
ويضيف لـ«القدس العربي»: أيضاً للمكون العسكري وجهة نظر كبيرة في أن الأمر لن يسير إلى نهاية الشوط إلى الفترة الانتقالية بوجود جيشين أو عدة جيوش، لأن عدم دمج الدعم السريع يعني عدم دمج الحركات المسلحة التي اشترطت دخول الدعم السريع معها في الدمج، وبذلك تعذر تصميم توصيات ورشة الإصلاح والهيكلة وتم إرجاء التوقيع أو إعطاء اللجان الفنية فرصة أولى حتى تاريخ 6 نيسان/أبريل، وفي يوم 6 تم التأجيل مرة أخرى إلى أجل غير مسمى.
ويتابع الخبير العسكري قائلاً: «في تقديري هذه نقطة جوهرية ترتبط بالأمن الوطني السوداني وترتبط بخلاف سياسي بين القيادات العسكرية نفسها، وبالتالي قد تطيح بالاتفاق النهائي والإطاري والتسوية نفسها إذا لم تتم معالجتها بحكمة وبتفكير خارج الصندوق لمصلحة الأمة السودانية وليس للمصلحة الشخصية الذاتية».
الاحتمالات الثلاثة
ويرسم مجذوب عدة احتمالات للوضع في البلاد، فالاحتمال الأول بالنسبة له هو إقناع الأطراف العسكرية بالوصول إلى حل وسط ومن ثم اللحاق بالاتفاق النهائي والتوقيع. أما الثاني، فهو أن يتم تجاوز الخلاف والتوقيع من قبل العسكريين على أن تتم معالجة دمج الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الفترة الانتقالية عبر المجلس التشريعي أو الآلية الخاصة التي يحددها رئيس الوزراء المقبل. والاحتمال الأخير، هو أن يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال من قبل القوات المسلحة تعمل على دمج الدعم السريع وإجراء الانتخابات في وقت محدد.
ولكن الاحتمالات الثلاثة، حسب مجذوب، تصطدم بعدم ثقة ورضا الشارع الممثل في لجان المقاومة، وبالتالي لا بد من استصحاب كل الآراء الخاصة بالقوى السياسية حتى يتم الوصول إلى سيناريو ينهي الأزمة ويجنب البلاد انهيار الدولة والصراع المسلح.
ويعتقد المحلل السياسي، أن تداعيات استمرار هذه الخلافات وعدم الانتقال الديمقراطي وعدم الوصول إلى حكومة مدنية، يمكن أن تؤدي إلى حدوث انهيار اقتصادي، وبالتالي تنهار الدولة وأيضاً ربما يصل الجميع إلى صراع مسلح، لأن الأمر أصبح بين قوات عسكرية وبين قوى سياسية والشعب السوداني إذا لم يصل حل ربما نصل إلى مرحلة الصراع المسلح.
وفيما يتعلق بوضع السودان الإقليمي، فما تزال عضويته معلقة من الاتحاد الأفريقي وربما يتم تعليقها من منظمات إقليمية أخرى، وبالتالي دوليا ستكون تداعياته الحصار الاقتصادي وإعادة الديون بعد أن وصل السودان إلى نقطة القرار مرة أخرى ستعيد المؤسسات الدولية السودان إلى الديون وفوائدها وربما يصل الأمر إلى التدخل الدولي تحت البند السابع.
وحسب مجذوب، المجتمع الدولي يراقب طيلة الفترة الماضية، وملف الأزمة السودانية وصل إلى مجلس الأمن من خلال إحاطات بعثة يونيتامس التي تقدمها كل 3 أشهر.
ويضيف «الملف الآن عرض للتداول والانتقال من الفصل السادس إلى السابع، وفي الأيام الماضية غادر السفير الأمريكي والسفير البريطاني إلى دولهم للتشاور، ما يعني أي هناك أمرا كبيرا يتم التحضير له لحل الأزمة السودانية» مشيراً إلى أنه ربما يكون الطريق إلى التدخل الدولي هو السيناريو الأخير الذي يلجأ إليه المجتمع الدولي لإنقاذ شعب السودان من هذه الأزمة ومن هذه النخب التي لا تريد أن تصل إلى حل، وفق ما قال.
أما بالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، صلاح الدومة، فإن نقطتي الخلاف تتعلقان بتبعية الدعم السريع ورئاسته.
وقال الدومة لـ«القدس العربي» إن «الحديث عن تبعية الدعم السريع لرئيس مجلس السيادة صحيحة، لأن الدمج يتم من أسفل لأعلى، لكن الرئاسة لقائد الجيش مباشرة تعني عدم حدوث مفاوضات».
وفيما يتعلق بقضية المدة الزمنية للدمج، قال الدومة إن المسؤولين الأوروبين الذين زاروا الخرطوم في شباط/فبراير الماضي سألوا البرهان عن المدة التي يحتاجها للدمج وجاءت إجابته بـ6 أشهر بينما قال حميدتي إنه يحتاج 20 سنة للاندماج.
ورد المسؤولون الأوروبيون، والحديث للدومة، بأن المدة المناسبة 8 سنوات، وهو المعيار العالمي للدمج، لكن البرهان وحميدتي لم يردا على المقترح ما يعني موافقتهم، حسبما يقول.
«لكن ما إن سافرت الشخصيات، رجعت اللجنة الفنية العسكرية تطالب بالدمج قبل الاتفاق، وهو حديث بعيد عن المنطق والعقلانية وخارج المتفق عليه» يقول أستاذ العلوم السياسية.
ويضيف «البرهان يريد دمج الدعم السريع في الجيش وتفكيكه قبل انتهاء الفترة الانتقالية» ومع ذلك الجيش لم يقل بصريح العبارة إنه يريد الدمج قبل انتهاء الفترة الانتقالية، لكن كلامه مفهوم ويشير إلى ذلك.
ورأى الدومة، أن الخلافات لابد أن تصل لحل لأن الضغوط الإقليمية والدولية والمحلية واسعة، بعدما تعهد البرهان بالخروج من العملية السياسية. وقال «لن تكون هناك مواجهة بين الجيش والدعم السريع». أما على المستوى الدولي الجميع مع الثورة وصدفة التقت مصالح الثوار مع مصالح الدول الغربية، مؤكدا أنهم سيوقعون على الاتفاق لا فرار من ذلك. في المقابل، المجتمع الدولي لن ينتظر لأن مصالحه متضررة من الوضع الحالي.
فيما يقول المحلل السياسي، الحاج حمد محمد خير، لـ«القدس العربي» إن لعبة السلطة العسكرية الحاكمة كانت قائمة على افتراض التنازع بين المدنيين، ولكن بعد فشل هذا الأمر انتقلت إلى العسكريين.
ويضيف أنه في خضم الصراع الدائر، يتم استخدام عدد من الميليشيات، للعب أدوار، إما اثناء انفاذ الإطاري أو استخدامهم بعد أن ينتهي زخم الخلاف بين البرهان وحميدتي.
القدس العربي