الاهتمام بالتراث.. لماذا؟

الاهتمام بالتراث.. لماذا؟
طرح علي الأخ أحمد حاج موسى، من قرية أم سيالة بشمال كردفان، سؤالاً يتعلق بأهمية دراسة التراث وما مدى تأثيره على واقعنا وطريقة حياتنا الراهنة. في واقع الأمر، فكرت ملياً في الإجابة وطرحت هذا السؤال عبر وسائط التواصل الاجتماعي على عدد من المهتمين والمختصين في هذا المجال، كما اجتهدت رأيي واستدعيت معرفتي المتواضعة في محاولة لإعطاء فكرة ولو مختصرة عن هذا الموضوع الجوهري. ثم لجأت لمحرك البحث (قوقل) من أجل تأصيل كلمة تراث نفسها، فخرجت بالآتي: (التراث كلمة واسعة الدلالة، وهى من حيث اللغة عربية فصيحة؛ لأن أصل الكلمة، من مادة وَرَثَ، والإرث والتراث كلها بمعنى واحد، وبناءً على ما سبق، فللتراث دلالته الواسعة؛ فهو يعني كافة ما تركه لنا السابقون من علوم ومعارف وفنون وغير ذلك. إلا أن الكلمة صارت تستخدم اليوم للإشارة إلى الموروث الفكري الذي تراكم بفعل جهود الأجيال السابقة عبر القرون من شعر وغناء وفولكلور شعبي ورقصات وأحاجي وما شابه ذلك من قصص وحكم وأمثال شعبية). ومن جانب آخر، فإن التراث الشعبي يعد ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية والمنتجات والآلات والأدوات الشعبية وأنواع الأطعمة التقليدية والملبوسات وما يتصل بها. ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية والأساطير، ويشتمل أيضاً على الحرف وأنواع الرقص والألعاب والأغاني أو الحكايات الشعبية للأطفال والأمثال السائرة والألغاز والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية. ولذلك فهو الوعاء الذي يحمل موروثاتنا من جيل إلى آخر ويحافظ على ما درج عليه المجتمع من مفردات ولهجات وشعر ومهارات ومعارف وممارسات حرفية وثقافية لا يمكن الإلمام بها إلا عن طريق معرفة التراث ودراسته، وهذا هو السبب الذي يجعل الدول والمجتمعات تضع البرامج والخطط وتقيم المهرجانات من أجل الحفاظ على تراثها؛ حتى يصل إلى الأجيال القادمة؛ فيربط ماضيها بحاضرها ويمدها بحصيلة تجارب الماضي؛ لكي تستطيع أن تسهم في تشكيل واقعها وتثري مجتمعها بمزيد من الإنتاج الإبداعي المستمد من التراث والتاريخ والتجارب التراكمية للمجتمع مادياً ومعنوياً. وقد يكون التراث مرتبطاً بمنطقة معينة أو مجموعة من الناس، كما أن هنالك تراثاً قومياً وإنسانياً شاملاً، وهو في كل الأحوال يتمتع بدرجة من الشيوع والقبول تجعل من الممكن الاستفادة منه حيثما دعت الحاجة والحال. ويقول أحد الباحثين في هذا المجال: (من الجدير بالذكر أن التراث ليس هو فقط الطابع أو الخصائص القومية، بل هو أعمق من ذلك، فهو يعبر عن مجموع موروثات التاريخ المادي والمعنوي الشفوية والمكتوبة، منذ أقدم العصور، فكثيرة هي الحضارات التي سادت ثم بادت، إلا أن التراث جعلها تبقى في الأذهان والواقع المعاصر وتأثر فيه). لهذا نستطيع القول إن التراث يتميز بخاصية وقابلية الانتقال من الماضي إلى الحاضر، إما لاعتبارات مرتبطة بالحاضر وحاجاته ومقتضياته، وإما لاعتبارات مرتبطة بالتراث نفسه من جهة طبيعته وقيمته المادية والفكرية ومدى قدرته على التأثير والارتباط بواقعنا المعاصر؛ مما جعل البعض يقول: (من ليس له ماضٍ ولا تراث فلا حاضر له). وهذه العبارة ذات دلالة كبرى؛ إذ لا بد للإنسان من تجارب ومفاهيم يعتمد عليها من أجل التخطيط لحاضره ومستقبله على حدٍ سواء! وبناءً على ما تقدم، نخلص إلى أن التراث هو أحد أهم المكونات الضرورية لتكوين شخصية الفرد والمجتمع وربما الأمة بأكملها. وبهذا الفهم يكون التراث مصدر إلهام وترويح ومعرفة ومعلومات ولغة وتاريخ وتربية ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، ولا يجوز تجاهله أو إهماله أبداً. أما تراثنا السوداني، على وجه الخصوص، فهو ينطوي على قدر عال من لطيف القول والفعل والمفاهيم التي يحض عليها صحيح المعتقد ومكارم الأخلاق، سيما أنه قائم على تنوع ثر من حيث المحتوى والمصادر والأنواع والموضوعات واللهجات، فهو يعبر عن المكنون الجمعي للشعب السوداني مختلف الأصول، التي تتراوح بين عربي وإفريقي وغير ذلك من الإثنيات التي أسهمت جميعها في إبداع التراث السوداني الذي يمثل وعاءً جامعاً لذاكرة الأمة أو يمكن القول إنه حصيلة تجاربها على مر الدهور. هذا التراث لم يلق حظه من العناية الإعلامية؛ فحتى الآن ليس لدينا مهرجان قومي يعنى بالتراث مثلما هو الحال في الدول الأخرى! وقد بذلت بعض المؤسسات الأكاديمية مثل معهد الدراسات الإفريقية التابع لجامعة الخرطوم جهداً مقدراً في هذا الصدد، بيد أن هذا الجهد غير كافٍ ولا يمكن أن يغطي كل أنحاء البلاد. ومن جانبها حاولت وحدة الثقافة السودانية في سبعينيات القرن الماضي جمع التراث السوداني بقيادة الدكتور إبراهيم الصلحي، ولكن لم يتواصل المسعى ومات في مهده وظل ما جمع حبيس الأدراج. وهنالك ثمة حاجة ملحة تستدعي الاهتمام بتراثنا لما له من ضرورة في توحيد الشعور القومي بأدواته المختلفة من موسيقى وإيقاعات وأشعار وأغانٍ ومدائح نبوية وحكم وأقوال وأهازيج تحث على الحماس والعمل الجاد مثل الحصاد وما يرتبط بوجدان الناس ومعاشهم.
محمد التجاني عمر قش
[email][email protected][/email]



