مقالات وآراء

الاستقطابات الأدنى وإزهاق الأرواح

خالد فضل

ما هي صورة الوطن السودان في مخيلة معظم قاطنيه ؟ لأن وجود هذه الصورة الذهنية هو المعيار لتحديد سلوك كل فرد تجاه مفهوم الوطنية , هل توجد ذهنية مشتركة ؟ ما هي حدودها , ولا أعني الحدود الجغرافية فحسب بل أعني الحدود المعنوية وما يتصل بها من سرديات. وعندما نتغنى بمجده طربا , لأي شئ نتغنى ونطرب في الحقيقة؟ هل الوطن عند معظمنا هو مصفاة الجيلي مثلا أو الميرم أم هو شندي والضعين أم أحياء أم درمان القديمة أم الصالحة وشرق النيل ؟ وهل أهله الذين إليهم ننسب كل صفات العز والمجد والفخار والكرم والمرؤة والصدق والسماحة يتجاوزون حدود من نعرف من أهل وعشيرة وجيران وزملاء /ات وأصدقاء/ات , أم يشمل في اللاوعي _طبعا_ حتى الذين لا نعرفهم ؟ وما هي حدود معرفتنا بالتكوين البشري للسودانيين/ات وبالتالي حدود معرفتنا بالثقافات والعادات والموروثات الروحية , وهل هؤلاء الذين نعرفهم ومن لا نعرفهم يندرجون تلقائيا في قائمة تمجيد الوطن أم أنّ الصفات المرغوبة ولو توهما هي حكر خاص بمن نحب منهم . ثم هل الوطن هو السلطة القائمة أيا كانت طريقة سيطرتها على الحكم , أم هناك معيار عقلي ووجداني للفصل بين السلطة والوطن , وكيف يتم تقديم صورة الوطن مثلا لطفل ولدته أمه في مخيم لجوء في دولة مجاورة أو بعيدة , وعرف أن سبب اللجوء هو الحكومة القائمة في وطنه. هل المطلوب من هذا الطفل (التغني) معنا طربا !! بأي لسان يردد الألحان ؟ عربي مبين أم يلحد بأعجمي , وهل كلاهما في حسبان الوطنية الذهنية , أم السودانيون لا يقبلون بأن يحكمهم رطاني , والخبر أورده الأستاذ عبدالحفيظ مريود وهو يحكي عن قصة لقاء جمعه مع محمد حسن أحمد الشير شقيق الرئيس الوطني السابق عمر , وإلى محمد أسند مريود الحديث . السودانيون لايقبلون أن يحكمهم رطاني !! عبارة مفعمة بروح الوطنية ؛ لأنّ الاستقطابات الأدنى هي المحددة للوطنية وليس العكس , فشخص مثل الراحل د. جون قرنق , وهو يتحدث عن مفهوم شامل للوطنية بالحد الأعلى ؛ غير مرحب به , وعدو للوطن , وخائن وعميل , من يقول بهذا ليس حلقة (ونسة) في رواكيب قرية بنواحي الصعيد ينقطعون لشهور عن العالم بسبب المطر وسوء الطريق , بل بيان رسمي من التلفزيون والإذاعة وتنشره الصحف الوطنية بفرح شديد .معيار الوطنية يحدده ولاء أدنى من الوطنية نفسها فيا لشقاء المصطلح .
والاستقطاب لما هو أدنى من الوطن يستهلك كل الطاقات العقلانية لدى كثير من الناس لأنهم يمارسون شيئين متضادين في نفس اللحظة , تتنازعهم معارفهم النظرية على الأقل بما يعنيه الوطن الذي تنتسب إاليه الوطنية فمعظم السودانيين تقريبا يسمعون على أدنى تقدير أن هناك في أرض السودان أناس آخرين يختلفون عنهم , بينما يحاولون من ناحية ثانية ممارسة الوطنية بمعزل عن هؤلاء الآخرين أو بعزلهم منها . وتلك ورطة كبرى على كل حال نجانا الله من وعثائها المزلزلة , وفي سبيل تمرير فكرة الوطنية على (المقاس) المراد لابد من إبتداع نظرية توفر راحة نفسية , كل المختلف أجنبي ؛ غالبا تشادي في حالات تمردات دارفور العديدة , أو يوغندي في حالة الجنوب سابقا , المدهش ألا إتهام أبدا بمصرية أو ليبية ذلك الأجنبي مع أنهما من دول الجوار الحبيب ! المهم أن يكون مناوي تشادي تارة , و وطني جدا مرّة أخرى . ألم أقل أن ترزيا بارعا هو من يفصّل تلك الجلاليب الوطنية ؟ .
يا قوم أو أقوام _تعسفا_ على أرض السودان أي أرض السود كما اسماها عرب الجزيرة العربية قبل قرون بعيدة , افحصوا الدرجات الدنيا مما أنتم فيه تعمهون , أرفعوا رؤوسكم قليلا لتروا أمامكم حقائق وجودكم مع غيركم المختلف , ابحثوا في كيف يتوقف إزهاق أرواحكم بموجب (فرية) و(وهم) اسمه الوطنية , يرتديها كل طرف ويكنكش فيها رافضا أن تشمل الآخرين . هذا سر البلاء المقيم .

 

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..