مقالات وآراء سياسية

استراحة الجمعة: كرسي نص

د. ناهد قرناص

صديق الحرف والكلمة ..اجتهد ما استطعت الا تجلس في (كرسي نص) ..هذه نصيحة غالية من خبير المواصلات الاستراتيجي (الكمسنجي) ..الا تلاحظ ان كراسي النص عادة ما تكون مهترئة ؟ولم تنل حظها من الاصلاح والتنجيد مثل بقية الكراسي ؟؟ الا ترى ان أغلبها مكسور وربما تم اسناده (بحجر) او (بلوك)؟ ..الم يلفت نظرك ان معظمها لا (ظهر) له ..و ان جلست عليه فتلك هي (الماسورة) التي يحكون عنها.!
أنا مثلك ..كل ذلك لم يكن يهمني ..و(ايه يعني كرسي مكسور وألا ما عنده ضهر )؟ متى كنا نتعامل بالمظاهر ؟؟..الكلام على (الاخلاق) او بالأحرى (التوصيلة) التي ستنقلك الى حيثما تريد بغض النظر عن ما تقاسيه اثناء الرحلة..لكن ما حدث اثناء رحلتي تلك جعلني اتأمل في كرسي النص عامة ..فعرفت السبب الذي جعل الكثيرين لا يشاركونني ذات النظرة لكرسي النص ..
كانت الحافلة على وشك الامتلاء ..والكمسنجي يصيح بأعلى صوته ( نفر ..نفر صحافة شرق نفر) ..أسرعت الخطى ..يوم السعد ان تجد مقعداً خالياً في هذا الوقت من النهار في مواصلات الصحافة شرق ..دلفت الى الحافلة فاذا بكرسي النص فاتحاً فمه مبتسما عن آخره.. نصف متكئ فظهره استعصت عليه الاستقامة ..مهترئ الوسط مثل (بنبر جدتي) ..والغريب ان المقعد الذي يجاوره مشدود الجلد لامعة ..وكأنهما لاينتميان لذات الحافلة (حتى الحافلات بها كراسي المركز والهامش).
وجدتني اجلس على قطعة بلوك مغطاة ببعض الجلد المزيف ..ما علينا .. (اصبري يا بت) ..(كلو بصبح ذكريات) ..وبكرة تروق وتحلى ..ما ان تحركت الحافلة ..حتى احتدم نقاش بين راكبين من ركاب الدرجة الأولى بجانب كابينة القيادة ..بدأت الأصوات ترتفع.. وكل من بالحافلة يشارك برأيه..لا ادري من أين اتيت بالشجاعة لكنني قررت الادلاء بدلوي في النقاش خاصة انه كان يدور على نسبة النساء في صف العيش وهل يصح ان يكون بالتناوب (يعني يشتري رجل والتالي امراة ..بغض النظر عن عدد النساء والرجال ..ام يحق لصاحب الفرن ان ينظم الصفوف حسب رؤيته ؟) ..رفعت صوتي بالمشاركة ..ولم ينتبه احد لما أقول ..كررت قولي ..ولا احد ..حتى همست لي جارتي قائلة (ما تتعبي نفسك ناس كرسي النص ديل ما في زول بشتغل بيهم)…عاد دا كلام يا بنات أمي ..متى صدر هذا القانون ..ان كراسي النص لا يحق لهم التصويت ؟ اقصد الادلاء برأيهم ؟
تذكرت قول جارة لي بأن بيوت الايجار مثل كراسي النص في الحافلة ..هو منازل مؤقتة سرعان ما يهجرها أصحابها فتصبح أثرا من بعد عين ..لا احد يتحدث مع صاحب كرسي النص ..يمضي رحلته صامتاً محدقاً في المجهول ..ذلك ان الحديث عرضة للانقطاع في أي وقت ..عند اي محطة ينهض صاحب كرسي النص على قدميه ..يفسح الطريق لمن يريد الخروج .. ومن ثم يغير مقعده تلقائياً متراجعاً الى المقعد الخالي ويهجر صديق الرحلة ..والنتيجة كثير من القصص غير المكتملة ..و عدد لا يستهان به من النهايات المبتورة ..لذلك الناس (اخدوها من قصيرها ) ..صار لا احد يتجاذب أطراف الحديث مع صاحب كرسي النص ..كذلك الحال في بيوت الايجار ..ما ان تنتقل الى دار جديدة …ويأتيك أهل الحي مرحبين ..بعد جملة (ان شاء الله الدار ترحب بيكم ) يأتي السؤال الحتمي (ملك ولا ايجار ؟) ..والذي يرتكز عليه حجم التمثيل الدبلوماسي بين الجيران ..هل تكون (سفارة ) كاملة الأعضاء في حالة (بيت الملك ) ؟ وألا سفير غير مقيم في حالة الايجار الطويل؟ ..و ربما الاكتفاء بالمكتب التجاري في حالة (الشقة المفروشة).
شاغلو كراسي النص عادة ما يكونون من الأغلبية الصامتة ..أولئك الذين يرضيهم القليل ..يتغاضون عن ابسط حقوقهم ..ويتنازلون عن تفاصيل كثيرة في سبيل الوصول الى مبتغاهم ..لكن أهم الاشياء تفوت عليهم ذلك ان (الزبدة) في الرحلة في حد ذاتها ..فالعبرة ليست دائماً بالخواتيم …اظرف ما في الموضوع انني عندما ترجلت من الحافلة مرت من أمامي (ركشة) مكتوب عليها (ما تبقى حمدوك لي زول خاتيك ابن عوف)…

 

د. ناهد قرناص

صباحكم خير
الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..