السودان… من معقل مقاومة إلى يد تصافح إسرائيل

قبل سنتين، بعد أن نشرت في “إسرائيل اليوم” مقالاتي عن رحلة مشوقة إلى السودان، غُمرت من توجهات السودانيين الذين اتصلوا بي على “فيسبوك” وأرادوا الإعراب عن أملهم في أن يسود السلام بين السودان وإسرائيل قريباً. وأول أمس، بعد اللقاء التاريخي بين رئيس الوزراء نتنياهو والزعيم الحالي للسودان، عبد الرحمن البرهان، تجدد الاتصال مرة أخرى مع بعض منهم، بمبادرتهم. “للشعبين الكثير مما يكسبانه من التعاون في مجالات عديدة”، كتب لي أحدهم ودعاني لأن أزور بلاده مرة أخرى.
كانت الرحلة إلى السودان أمراً يؤبه له، فالدولة العربية – الإفريقية اعتبرت لزمن طويل جداً معقل المقاومة لإسرائيل ومركز الإرهاب الإسلامي الدولي. وعندما وصلتُ إلى الخرطوم كان الحكم فيها بيد الرئيس عمر البشير، الدكتاتور المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي على جرائم ضد الإنسانية: قتل شعب وجرائم حرب. ومع ذلك، ومنذ ذلك الوقت، كان باستطاعة المرء أن يشعر برياح معينة من التغيير وجدت تعبيرها بقوة أكبر عند الثورة الشعبية ضد البشير، الذي يقدم اليوم إلى المحكمة، وكذا في الجرأة التي أبداها البرهان حين وافق على اللقاء مع نتنياهو ونشر ذلك على الملأ.
منذ عهد زيارتي إلى السودان، كانت مسألة التطبيع مع إسرائيل تبحث بشكل منفتح للغاية في وسائل الإعلام المحلية وفي تصريحات بعض من كبار مسؤولي النظام. وثمة فهم بأن يد إسرائيل الممدودة قد تساعد الدولة المفعمة بالنزاعات الداخلية وذات الاقتصاد المنهار، بعد عشرات السنين من العقوبات الدولية، الذي تسلل إلى العقول منذ ذلك الحين، وجرى البدء بإعداد الرأي العام لهذه الإمكانية.
إن فك الارتباط عن إيران والتقارب مع محور الدول العربية المعتدلة: مصر والسعودية واتحاد الإمارات، والذي يجد تعبيره أيضاً في المشاركة بالحرب الأهلية في اليمن، حث فك الارتباط عن سياسة “اللاءات الثلاثة” الشهيرة التي تبنتها الجامعة العربية في الخرطوم بعد حرب الأيام الستة. الرفض والتطرف الإسلامي دهورا السودان إلى أزمة وجودية عميقة. وبخلاف الفلسطينيين، ففي الخرطوم من استخلص الدروس وأعاد احتساب المسار.
للسودان كثير مما يكسبه من التعاون مع إسرائيل. فقد قدمت إسرائيل مساهمتها في حينه لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان. وقدرات إسرائيلية في مجالات مختلفة كفيلة بأن تساعد في إعادة بناء الاقتصاد المتعثر للدولة ذات الـ 43 مليون نسمة، من أكبر الدول في إفريقيا والعالم العربي. وستشكل العلاقات مع السودان تغييراً ذا مغزى جغرافي استراتيجي في الشرق الأوسط وإفريقيا، ستساعد في حل مشكلة المتسللين وتفتح أمام السياح الإسرائيليين باباً لذخائر السودان التاريخية – في كوش ونوبا العتيقتين، على الأهرامات الفرعونية الرائعة التي فيها. إن الطريق إلى هناك، على ما يبدو، ستستغرق زمناً ما، ولكن هناك ما يمكن انتظاره.
بقلم: الداد باك
إسرائيل اليوم