مقالات وآراء سياسية

خطوات الحل السياسي الشامل : الدستور الشعبي والإنعطافة السياسية

د. مقبول التجاني
تحتاج السياسة السودانية الآن، إلى إنعطافة سياسية كبيرة، وتغيير جوهري عميق في مسار التفكير والأحداث الجارية، وهذا الأمر يتطلب طرح وتنفيذ أفكار جريئة وغير مألوفة.
إن أول خطوة للخروج من نفق الأزمة الوطنية السودانية المستفحلة، هو تأسيس مفوضية وطنية مستقلة لصناعة الدستور الإنتقالي، لتقوم بتجميع مبادرات المشاريع الدستورية المختلفة، في مسودة دستورية واحدة، ومن ثم عرض المواد الدستورية المتعارضة فيها لإستفتاء شعبي، من خلال عملية مشاركة شعبية واسعة، ودعم فني من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الإنتقال.
تلي هذه الخطوة أو تتزامن معها، عملية تشكيل حكومة كفاءات إنتقالية، تحت غطاء من حضر من الكيانات والمبادرات والقوي السياسية.
تقوم الحكومة الإنتقالية برعاية العمليات السياسية والدستورية المختلفة، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الإنتقال، وتتولى مهمة الإتصال والتفاوض مع القوي السياسية الممانعة والرافضة لعملية التسوية السياسية.
كما تتولى الحكومة الإنتقالية أيضاً مهمة إسترضاء الشارع الثوري والتواصل معه، حتى تتمكن من إكتساب الشرعية الثورية.
إن أي حكومة إنتقالية يتم تشكيلها، حتى لو شكلها السيد البرهان منفرداً، إذا لم تتعاطي مع الشارع الثوري وشعارات الثورة، وتنصاع لها، فسيكون مصيرها السقوط والفشل الزريع.
لذلك لا يوجد مانع عملي لتشكيل حكومة إنتقالية الآن، حتى لو كانت من كوادر المؤتمر الوطني المحلول.
إن الحديث عن إمكانية عودة فلول المؤتمر الوطني، قد تخطاه الزمن والتأريخ، والخلخلة السياسية التي حدثت للإسلاميين بعد إنقلاب ٢٥ أكتوبر أكثر من الضرر الذي لحق بهم من لجنة تفكيك التمكين، ولم يعد لدي الإسلاميين كوادر مؤهلة قادرة على إدارة محلية، ناهيك عن إدارة دولة كاملة بحجم السودان.
حتي أموالهم التي أفرج عنها إنقلاب ٢٥ أكتوبر، قاموا بتهريبها إلى الخارج، وفككوا أنفسهم أكثر مما كانت تفككهم لجنة تفكيك التمكين، في عرضها التهريجي الأسبوعي.
لذلك لا يوجد مانع عملي، ولا حتى مخاوف حقيقية ، من إقامة إنتخابات عامة سودانية في مدة لا تتخطى ستة أشهر، طالما توفر الدعم الفني واللوجستي لها.
إن الخطر الحقيقي الإستراتيجي الذي يهدد بقاء الدولة السودانية موحدة، هو سلام جوبا المزعوم، الذي كانت إحدى أخطر نتائجه هو تعيين وزير مالية محروس بقوة السلاح، ولا تستطيع أدوات السياسة السلمية التقليدية إقالته من منصبه.
المنطق السياسي يقول أن على الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، تشكيل حكومته الإنتقالية، بمن حضر ومن والاه، أو من خلال الحواضن السياسية والإجتماعية التي شكلها حوله.
بعد ذلك تقوم الحكومة الإنتقالية الموالية للإنقلاب بالتفاوض والتفاهم مع قوي الثورة المختلفة الرافضة للإنقلاب، لإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة، أو تنظيم إنتخابات عامة في أسرع وقت ممكن، وتسليم السلطة لمن تأتي به الفوضى الإنتخابية كيفما إتفق، حتى نتمكن من حل معضلة الشرعية والتفويض السياسي، كما حصل في النموذج الجزائري للثورة والتغير.
لجان المقاومة أيضاً يمكنها كتابة مقترحها الدستوري، والزج به في عملية الإستفتاء الدستوري الشعبي، حتى يكتسب مشروعية قانونية وسياسية.
أن الأزمة القائمة في السودان الآن، هي ليست أزمة سياسية بالمعنى الحرفي، ولكنها أزمة مشروعية وقانونية، ولا يمكن حلها إلا بالإنتخابات أو الإستفتاءات الشعبية.
أن الفترة التي يمر بها السودان الآن في تأريخه الحديث، تشبه إلى حد كبير الفترة التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإستقلال و قبل و أثناء عملية كتابة دستورها الدائم، ويمكن للباحثين والأكاديميين إستخلاص العبر والدروس من التجربتين.
كما مرت جمهورية ألمانيا الإتحادية بتجربة مماثلة، أثناء إنعطافتها السياسية وعملية مفاوضات توحيد الدولتين، بعد إنهيار جدار برلين.

تعليق واحد

  1. المشكلة الكل يدعي تمثيل الشعب والكل يخاف من الانتخابات كان الذي سيصوت في الانتخابات هو الشعب الصومالي وليس السوداني.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..