ليست بالرصاص وحده تسقط الأنظمة

كان قدرنا نحن جيل السبعينات ان نكون اول دافعى ضريبة وصول الجبهة الاسلامية للسلطة ، فجر الثلاثين من يونيو حيث دفعنا ونحن طلابا ضريبة تهور ( امريكا روسيا قد دنا عذابها ) ( وناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) و سب يونس محمود للمملكة العربية السعودية ومصر وكل دول الجوار.
لنكون اول ضحايا الداخل بثورة التعليم العالى وتصفية السكن والاعاشة ودخول غول صندوق دعم الطلاب لدخول الحرم الجامعى تسنده آلة عسكرية ، لتشريد الطلاب من داخلياتهم العريقة التى يحكي تاريخها عن سقوط القرشي وشرارة اكتوبر وغيرها من القضايا الوطنية التى شكلت السودان الحديث.
وما بين التنقاري ومامون حميدة سقط شهداء الحركة الطلابية دفاعا عن مكتسباتهم ، التى حاولت السلطة حينها حرمانهم منها عبر زراعها فى ادارة الجامعة التى انحازت للسلطة ووافقت على ( تشريع وجوع طلابها ) ارضاءا للسلطان ، فسقط ( سليم وبشير وطارق والتاية تباعا ) وارتوت ارض الجميلة بدمائهم الطاهرة.
شكلت سنوات الانقاذ الاولى وعى جميع طلاب ذلك الزمن ، فاختار ( طيشة الفصول) وضعيفي الارادة الانضمام لطلاب السلطة خوفا او حاجة فمعظم الطلاب المنضمين ل(حاو) فى ذلك الحين كانوا من ضعاف القلوب اهل الحاجة الذين لا تستطيع اسرهم توفير مصروفات الدراسة والسكن فتولى الحزب ذلك واخرون ضعاف اكاديميا وجدوا فى ( امتحانات المجاهدين ) مخرجا من فشلهم الاكاديمي.
هكذا تشكل وعى جيلنا بلامزايدات ووصمات ووصفات مجافية للحقيقة ، يميز بين ماهو منطقى ومقبول وماهو مجاف للواقع بما لا يقبله العقل البشري.
والحديث عن فشل العصيان والاحتفال بذلك وهو قراءة لمن لايرى ابعد من ارنبة انفه وقد سبق ان ذكرت ان الجيل الحالى من الشباب فى مرحلة تخلق وتكون بمفاهيم مخالفة تماما لما عاشته الاجيال التى سبقته ، بعد ان فشلت السياسات الاقتصادية فى اقناعه بأن الوطن بخير يرجى منه فى المستقبل ، والعطالة تملأ البيوت وحتى الاعمال الهامشية لم تعد مقنعة لتأسيس حياة مستقبلية ينظر اليها جيل اليوم وتسارع خطى العالم من حولنا تنمية وانفجار معرفى فما عادت الوعود ( تصبر – بضم التاء وكسر الباء )، كما لم ينجح اسقاط فشل الدولة فى كل من يخالفها الراى ، فوصف المعارضين بالملاحدة واصحاب الاجندة الخارجية والعمالة والخيانة لم تعد مقنعة وذات تأثير فى اذن وعقل اى مواطن يعرف مواطن الخلل والفشل من خلال مايعانيه فى حياته اليومية من ضيق عيش وشظف حياة بينما يتمردغ دعاة التقشف فى نعم الوطن وخيراته بلا استحياء.
ففشل الحزب الحاكم فى اقناع المواطن البسيط بان مستوى المعيشة واحد بالنسبة ( للكوز و غيره ) هو مربط الفرس الذي يبنى عليه ( امحمد احمد الغلبان ) تقييمه ، فلماذا يعطل ( الملاحدة والشيوعيين و الحركات المسلحة و معارضى الفنادق ) حياة المواطن البسيط فى علاجه ومأكله ومشربه بينما حياة من يعتلى المنابر فى احسن حالاتها ، يسكن ارقى الاحياء ويمتطى فارهه السيارات ويتسوق فى دبي وماليزيا ويتناول طعامه فى ارقى المطاعم ويتعالج هو واسرته خارج السودان ام لم يكن فى رويال كير واخواتها من الزيتونة وشقيقاتها.
فنجاح العصيان عندى ليس فى عدم ذهاب الناس لعملهم والطلاب لمدارسهم ، بل فى ابتكار مفردة جديدة ومفاهيم غير تقليدية بكل تأكيد وصلت الباب وعقول الاجيال القادمة التى لكى تؤسس لوطن بلا دماء ، فتاريخ 27/ نوفمبر و19 ديسمبر ماكان لها ان تجد هذا الرواج لولا انها ارتبطت بالعصيان المدنى ، وخصوصا هذا الاخير الذي احيا سنة ظلت غائبة طوال الستة وعشرين عاما الماضية ، فجأة تذكر الحزب الحاكم ان يوم 19/ ديسمبر هو ذكرى استقلال السودان من داخل البرلمان وروج لاحتفالية بالمدارس والطرقات وغيرها.
والغبطة الكبيرة التى سادت الوسائط صباح اليوم من ابناء الحزب الحاكم بذهاب الناس لعلمهم ، هى دليل خوف ووجل ورعب بالا يذهب الناس لعملهم ، ولو سألت اى ( طبال منهم ) عما هى سلبيات عدم ذهاب الناس لعملهم لتجحظت عيناه وبانت بلاهة سنوات مراحل دراسته الاولية لانه لايعرف القيمة الفعلية للعصيان ، فقط يتعامل مع السياسة بعقلية هلال مريخ ووارغو الهلال حارقو .
فحساب نتيجة اى مباراة لايتم لمجرد ابطال هجمة واحدة هزت دفاعات الفريق واربكت حسابات الجهاز الفنى ،وارقت جمهور المتفرجين فى نهاية المدرجات ، بل بنهاية المباراة.
 [email][email protected][/email]



