من الدوحة وجولة مفاوضات دارفور الثانية

رأي

من الدوحة وجولة مفاوضات دارفور الثانية

محمد عيسى عليو

٭ لقد بدأت الجولة الثانية بين وفد حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة في الأسبوع الماضي 7/6/0102م، بداية طيبة وبمرونة كافية من رئيس وفد حكومة السودان، إذ استجاب لكل مطالب حركة العدالة والتحرير التي قدمتها للوسيط، لزيادة عدد اللجان بإضافة لجنة جديدة تُسمى لجنة العدالة والمصالحة، وزيادة عضوية اللجان وضرورة مشاركة النازحين واللاجئين بوصفهم مراقبين في المفاوضات ودعم قوات الحركة في الميدان.
هذه المرونة تشير إلى رغبة الحكومة في التوصل إلى اتفاق سلام مع هذه الحركة، هذه المرونة يجب أن يقابلها ما يماثلها من حركة التحرير والعدالة من حيث السرعة في تفعيل عمل اللجان، فقد لاحظت من خلال حديث رئيس الحركة د. تيجاني سيس أنهم يحبذون ان تبدأ المناقشات بلجنة واحدة، ثم تعبر المفاوضات الى جسور اللجان الاخرى، هذه الخطوة لا تشبه جدية الحكومة، لأن الوقت ليس لصالح الجميع وليس لصالح المواطن الدارفوري الذي لم يزل يقف على رجليه منذ بدية المشكلة عام 3002م، وحتى إذا نام وهو واقف على تلكما الرجلين ينوم نوم الديك في الحبل، أقل هزة ريح (تطير) من عيونه النوم، فالهلع والجزع والخوف والجوع والنقص في الانفس والثمرات يحيط به من كل مكان، إذن لا ارى داعيا لسياسة العمل لجنة لجنة، وإنما يجب ان تبدأ اللجان كلها في وقت واحد، فالتي سهل الله لها النجاح يوقع لها بروتكولاً ثم يزحف الجميع الى اللجان الاخرى التي تعوقها عقبات لتسهيل مهمتها، حتى نطوي هذا الملف قبل استفتاء الجنوب، واذا حصل العكس فإن الأمر سيكون خطيراً، ونكون بذلك نفذنا الاجندة الاجنبية الداعية لتقسيم السودان على طريقتها، فاذا قُسم السودان يجب أن يكون على هوانا وليس على هوى الخواجات.
المهم في الامر يُحمد للتحرير والعدالة استعدادها للتفاوض، أما تلك العقد الداخلية يسهل حلها بالنية الصادقة والعمل الجاد، إلا أني ارى عقبات أُخر لا بد من النظر اليها بعين العقل وتضافر الجهود لتذليلها، حتى يمضي التفاوض في طريقه المرسوم له حتى يخرج الجميع من جحر الضب الذي دخلناه.
اولى تلك العقبات هى مجموعة الحركات التي ظلت ترفض الدخول في بوتقة خليل وبوتقة تيجاني، فهذه المجموعات حضرت للدوحة لقناعتها بهذا المنبر، ولكن الخلافات الداخلية بين الحركات نفرت هذه الاجسام من جسمي خليل وتيجاني، وظلت هذه المجموعات النافرة حتى كتابة هذا المقال، ووجدتهم امامي بعد حضوري للدوحة يوم الأحد الفائت وناقشتهم، وكان حديثهم لا زال يراوح نفس المحطة التي تركتهم فيها في أبريل الماضي، وهنا استطيع ان اقول إن الوساطة التزمت سياسة توحيد الحركات في حركتي العدل والمساواة والتحرير والعدالة، دون مناقشة مباشرة ومستمرة مع هؤلاء الرافضين، وهذا خطأ كبير، فلا بد من تحريك البركة الساكنة بإلقاء حجر فيها، ولا بد من الاجتماع مع هؤلاء وفتح محاور من النقاش معهم، النقاش وحده يولد القناعات المشتركة، وبالحوار نستطيع أن نخترق حاجز الصوت، ويجب ألا نستصغر شأن هؤلاء وشأن أي شخص يحمل بندقية في دارفور.
والعقبة الاخرى هى امتناع حركة العدل والمساواة عن الوصول للدوحة والدخول مع حركة التحرير والعدالة في تفاوض مع الوفد الحكومي. وطبعاً الاسباب معروفة للجميع، ولكن مهما كبرت وعظمت العقد والعقبات بالحوار يمكن أن تذلل الصعاب، فنحن رفضنا منطق العدل والمساواة في إقصاء الآخرين، وبالمثل نرفض إقصاء حركة العدل والمساواة من التفاوض، وأية عقلية تفكر في إقصاء هذه الحركة أو غيرها إما جاهلة بقضية دارفور ولذا يجب أن تدركها قبل إسداء الرأي والنصح، وإما تدفع باستراتيجية ممنهجة، وفي هذا يجب أن تتحمل هذا الوزر أمام الله والناس.
حركة العدل والمساواة جسم أساسي منوط به التفاوض مع الحكومة، ومهما حصل عسكرياً أخيراً لإضعافها، لابعادها عن الحدود التشادية حتى تفقد التمويل والارتكاز وتشتيتها في وهاد دارفور، كل هذا لا يقضي عليها، بل ربما يقويها على حساب مجتمع دارفور المترهل، من قتل وتجويع، والمسؤولية تقع على رقبة الحكومة التي من المفترض أن تحميه.
ونحن أبناء دارفور يجب ألا نضيع فرصة منبر الدوحة من حيث جدية القطريين لحل هذه الأزمة، بالأمس بشرنا الوزير آل محمود منسق التفاوض، بأن الخطوات الأولى لبنك تنمية دارفور قد بدأت، وتمت اجتماعات في الدوحة بين عدة جهات من بينها بنك التنمية الاسلامي بجدة، ومندوبون عن بنك السودان، وهذا يؤكد جدية الحكومة القطرية في حل المشكلة سياسياً من خلال التفاوض مع الحركات، واقتصادياً وتنموياً من خلال البنك الذي بدأت أعماله، واجتماعياً من خلال المنظمات القطرية التي زارت دارفور وتبرعت بمبلغ و«31» مليون دولار، هذا ما حدثني به هاتفياً د. عبد الكريم موسى نائب والي جنوب دارفور هاتفياً قبل يومين، فاذا كان الإخوة القطريون جادين الى هذا الحد، الا يكون ذلك دافعاً لنا نحن أبناء دارفور للتوحد حتى نساعد الآخرين في حل مشكلتنا، وكنا في السابق نلوم الحكومة ولكن للامانة فإن الحكومة الآن جاهزة للتفاوض منذ فترة ليست بالقصيرة، فلماذا لا نجرب جديتها ومصداقيتها عند طاولة التفاوض.
أهيب بالإخوة في العدل والمساواة أن يجبروا بخاطر الجميع رؤساء حكومات، وشعوبهم الذين طلبوا منهم الحضور للدوحة، إخوتي لا تنسوا الآيات القرآنية التي تتلونها ليل نهار، «الصلح خير واصلحوا بين اخويكم، واصفح عنهم وقل سلام، لا خير في كثير من نجواهم إلا من امر بصدقة او معروف أو إصلاح بين الناس».
وأهيب بإخوتي في الحركات الاربع التي لا تزال تراوح مكانها ان تنضم لأي من الحركتين الكبيرتين، وحقوقهم لن تضيع، لأن الذي يتم في الخارج ستأتون به الى الداخل. وهنا التقييم الحقيقي للاوضاع. وأهيب بالحكومة السودانية المساعدة فى إحضار العدل والمساواة الى منبر التفاوض، ولا تنظر الى الانتصارات المؤقتة التي احرزتها على الحركة في جبل مون، فهذه حرب ادغال لا ضمان لأية سيطرة فيها من أي جانب، والضمان الوحيد هو توقيع سلام شامل وليس كالذي حصل مع مني اركو مناوي، هذا السلام لا يقتل الغنم ولا يشبع المرفعين.
وختاماً شكري وتقديري لأهل قطر وأمير قطر.. ولو سُئلت لماذا القطريون تعبانين معنا كده ليه؟ لن استطيع الإجابة.. هل من مجيب؟!

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..