صعود الاسلامويين وهبوطهم

لا يملك الاسلامويون ما يقدمونه للفقراء والجياع والاميين والمضطهدين والمشردين سوى وعود غير مؤكدة في أن تكون حياتهم في الآخرة الأبدية أحسن حالا من حياتهم في الدنيا الفانية.
بقلم: فاروق يوسف
كانت الصحوة الدينية هي العنوان. وهي صحوة غريبة من نوعها. إذ أن كل أعراضها كانت تشير إلى نوع مستديم من الغيبوبة التي أريد لها أن تصيب الجميع بجرثومتها. شيء من هذا القبيل كان قد تسلل في أوقات مختلفة إلى شرائح وفئات عديدة من المجتمعات العربية، غير أنه كان للفقراء والاميين والجهلة النصيب الأكبر منه. كانت هذه الشرائح هي الحطب الذي خطط الاسلامويون إلى القائه في نار فتنتهم، التي أسموها تحايلا وكذبا صحوة.
كان المطلوب من أجل انجاح تلك الصحوة أن تعود الشعوب العربية إلى العصور العثمانية والصفوية المظلمة. ومن أجل أن تتفاعل ايجابيا مع كل مفردات الظلام كان على تلك الشعوب أن تكف عن التفكير في الحرية، المساواة، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، بناء الدولة الحديثة وتطوير البنى الثقافية والفكرية.
لقد نجحت الحركات الدينية في السيطرة على تفكير ووعي فئات كبيرة من المجتمع لا بسبب متانة وصلابة وعمق مشروعها وقدرته على اقناع الآخرين بصلاحيته من جهة قدرته على حماية حق الإنسان في العيش الحر الكريم، بل لان الانظمة السياسية التي سادت في العالم العربي عقودا طويلة كانت قد خذلت الإنسان، بل وأذلته ومرغت كرامته في الوحول وصادرت حريته وجعلته أشبه بالرهينة اليائسة من خلاصها.
لقد استقوت تلك الانظمة على شعوبها بالثروات التي وهبها الله حقا مطلقا لتلك الشعوب، فكان غياب مبدأ العدالة الاجتماعية أول ملمح يراه المرء بالعين المجردة ما أن تقع قدماه على أرض أية مدينة عربية.
كان التمييز واضحا بين مافيات الحكم المدعومة بكل ما تملكه الدولة من أجهزة قمع وبطش وبين شعب صار الوطن بالنسبة إليه فكرة تجريدية، ما أن تستدعيها أفكاره حتى يضيع في متاهاتها.
كل هذا وسواه من مظاهر الظلم جعل ميزان الحكم مضطربا.
فالحاكم الذي لم تكن وظيفته واضحة، كذلك صلاحياته ومدة مكوثه على الكرسي وطبيعة علاقته بمؤسسات الحكم وبالشعب الذي يحكمه. كان أشبه بالاله الذي لا يمس، مهما ارتكب من أخطاء وجرائم، ومهما أدت تصرفاته الرعناء إلى الحاق الضرر الفادح بالعباد والبلاد على حد سواء.
يمكننا أن نجد في الرئيس السوداني البشير مثالا حيا لما انقرض من الحكام العرب.
فمن أجل أن يبقى البشير حاكما لا يرد له أمر، لقيت مئات الالوف من السودانيين مصرعها وتم تقسيم السودان إلى دولتين، في انتظار أن يتجزأ أكثر.
كانت نظرية الحكم تقوم على أساس واحد: الحاكم أولا. لذلك كان صدام حسين يخرج من حروبه منتصرا في حين تلحق الهزيمة بالعراق وبشعبه. لا لشيء إلا لانه شخصيا كان قد نجا بنفسه.
في ظل تلك الاوضاع الشاذة والشائنة كان من الطبيعي أن تحل المشاريع الدينية، بكل وعودها الآخروية محل المشاريع السياسية التي فشلت في تقديم حلولا لمشكلات الناس الدنيوية. وكان الاسلامويون صادقين في تقديم ما تحتويه خزائنهم من أفكار ومخططات.
وما وقع في مصر خلال سنة من حكم الاخوان وما يقع في تونس الان في ظل حكم حركة النهضة وما شهده العراق طوال حوالي ثمانية أعوام من حكم حزب الدعوة هو خير دليل على خلو جعبة الاسلامويين من من أية مشاريع، من شأن تطبيقها النهوض بسبل الحياة وتطوير وسائلها.
لا يملك الاسلامويون ما يقدمونه للفقراء والجياع والاميين والمضطهدين والمشردين سوى وعود غير مؤكدة في أن تكون حياتهم في الآخرة الأبدية أحسن حالا من حياتهم في الدنيا الفانية.
لقد اختبر العراقيون مشروع الصحوة الدينية فلم تعد عليهم إلا بالقتل الطائفي.
اما المصريون فقد سارعوا إلى انقاذ أنفسهم من مستقبل مظلم، كانت الصحوة بابه العريض الذي كان سيقودهم حتما إلى غيبوبة قد تمتد عقودا.
فشل الاسلامويين في مصر هو في حقيقته انعكاس طبيعي لفشل فكرة الاسلام السياسي.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين