
مقتل ادريس ديبي غداة فوزه للمرة السادسة في إنتخابات حوله كثير من شكوك التزوير و استخدام نفوذه السلطوية للتلاعب بالنتائج زاد من وتيرة الصراع في الراهن السياسي وسط أروقة التنظيمات السياسية و دفع حركات الكفاح المسلحة إلى التوغل بالقرب من العاصمة انجمينا و مقتل الرئيس ديبي سلط الاضواء على أكثر الملفات السياسية هشاشةً في افريقيا.
أمضى ديبي ثلاثة عقود في سدة الحكم خلال فترته فرض شرعية سياسية بالقوة في دعم سلطته بمساندة فرنسا وحاضنته الإجتماعية التي استفادت من آلية التمكين العسكري و السياسي و الاقتصادي مما ساهم في إنهيار تشاد و ضعف العدالة الاجتماعية ،و زاد من وتيرة الإحتقان السياسي المناوئ لادريس ديبي.
منذ أن تولى ادريس ديبي السلطة في تشاد 1990 عبر إنقلاب عسكري ظل يخدم هدفا استراتيجياً لحماية هياكل سلطته عبر مشروعية قمعية ،حيث لم يقدم حزب الخلاص الوطني الذي يقوده ديبي اي مشروع تنموي يعزز من إكسابه شرعية حقيقية في تشاد إلا أنه تمادى في السيطرة على الدولة بقبضة من حديد حتى أصبحت تشاد دولة تعاني من إختلال سياسي و تكسّل دستوري مثله كباقي أشقائه الدكتاتوريين في افريقيا الذين تمدروسو في السلطة مستبدين بقمع الحريات و ساهموا في تخلف بلدانهم ليثبتو نظرية ان الطغاة لا يقرأون تاريخ.
إلا أنني اجد نفسي متعاطفا مع القائد الشجاع إدريس ديبي كما وصفه قصر الإيليزي بالصديق الشجاع لأن ديبي يمثل حجر زاوية في محاربة الجماعات الإسلاموية المتطرفة التى هددت الأمن الإقليمي والدولي و يعتبر ديبي الحليف الأقوى لمشروع النيوكونونيليزم بقيادة فرنسا في افريقيا ، و هذا ما يضع ديبي في قائمة وحده دون قادة إفريقيا الذين تم إغتيالهم بسبب تمسكهم بمبادئ وحدة إفريقيا و محاربة الإستعمار بكافة أشكاله في القارة الأفريقية.
لقد قاد براغماتية ديبي الجامح سياسياً و اقتصادياً واجتماعياً إلى فرض صراع جيوسياسي في تشاد عزز إلى مستوى إنقسام عرقي عرابفون و فرانكفون و يمثل هذا الصراع تحدي و امتداد طبيعي للنزاعات في نيجر الذي قاد إلى تحويل ديمقراطي لم يتضح ملامح استقراره ، و افريقيا الوسطى السودان (دارفور ) و أن هذا الصراع محاوره مرتبطة باجندة دول خارج القارة السمراء تعمل على أحداث ازمة سياسية و إجتماعية لاختراق عمق الدول الافريقية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في افريقيا و واسطها الغنية بالموارد الطبيعية. إلا أن إدريس ديبي لم يعي الدرس تماما و ظل يمارس سلطته العسكرية و الاقصاء السياسي لمشاركة باقي القوى في السلطة مما أدى إلى تحريك دينامو القوى المناوئة له في السلطة، وكانت السودان في فترة النظام المُباد تمثل حاضنة للمعارضة التشادية، من ثم أصبحت ليبيا الآن تمثل مصدر خطر امني حقيقي ضد لتشاد و السودان معًا.
جمهورية تشاد تعد من دول غير ساحلية تعاني من اختلال سكاني حيث بلغ تعدادها سكانها حولي 10مليون نسمة مع تفشى نسبة كبيرة للأمية بحوالي 54%. تعد تشاد واحدة من أفقر وأكثر البلدان فسادًا في العالم، معظم السكان يعيشون في فقر كرعاة الكفاف والمزارعي ، لا سيما الدول المجاورة لها لم تشهد استقرارً سياسياٍ تأثرت بتحديات داخلية معقدة ،و اضطرابات تنامي ظاهرة الإرهاب و العنف الاثني والسياسي هذه ظروف ساهمت في خلق اهتزازات سياسية و أمنية، و إنعكست مهدداتها على الامن القومي و الإقليمي و بالطبع هذه التوترات ازعجت الدول التي لها مصالح اقتصادية و عسكرية في المنطقة. و لكن مع كل هذه التحديات ظل ديبي مقنعاً لحلفائه الغربيين و إسرائيل مؤخرا حيث إستطاع عن يحافظ على استقرار أمني نسبي مقارنة مع إفريقيا الوسطى.
التغيير السياسي في تشاد سيكون له مالآت محتملة ، و سيترك تأثيرً كبيرً على دول الجوار مع تشاد بخاصة السودان طالما ليبيا أصبحت بيئة تحتضن جماعات مسلحة ضد دولة تشاد أو بصورة اخص ضد امبراطورية ال ديبي اتنو.
يرتبط الإستقرار السياسي والأمني و الاجتماعي والاقتصادي في تشاد بعدة ضروريات
اولا خلق بيئة صالحة للحوار يجمع كل القوى السياسية و العرقية و الاثنية الرافضة لسياسات إدريس ديبي ، وفي هذه الخطوة تتطلب اولا تقديم تنازلات من ضمنها أن يتنازل نجل ديبي من قيادة الفترة الانتقالية إضافة إلي ضغط إفريقي و أممي ، و أن تفرض الإتحاد الأفريقي رؤيته بعدم قبول سلطة عسكرية تتحكم في إدارة شؤون تشاد ، و أن يستند الضغط الاممي على فرض حوار سياسي سلمي يفضي إلى خلق بيئة سياسية توافقية مع أصدار عفو عام ضد جميع المحكومين عليهم غياباً و تعسفياً و اتاحة الفرصة لهم للانخراط في العملية السياسية بوضع رؤية تقدمية لإدارة حكومة الفترة الإنتقالية بدستور انتقالي تكون الحكومة قوامها من أحزاب سياسية و مجتمع مدني بما فيها حزب ديبي الخلاص الوطني و أن يعمل الجيش وفق مهام دستوري موكل إليها حماية النظام الدستوري و الأمن القومي و الإقليمي .
النقطة الثانية في حال فشل التشاديون في وضع أسس جديدة لقيادة دولتهم سيفضي إلى فوضى أمنية عامة نسخة ليبية مستحدثة في عمق قلب افريقيا و بالتأكيد سيكون السودان اول ضحايا التوترات الأمنية التي تنشب في تشاد نسبة للحدود المفتوحة والتداخل الاجتماعي و الاثني بالإضافة إلى الأزمة الأمنية في دارفور و مصير اللاجئين السودانيين في شرق تشاد وتحرك مليشيات عابرة للحدود باي حال حدوث إضطرابات أمنية في تشاد يستفيد منها دول المحاور الخارجي في فتح معسكرات لتنظيم صفوف كفاح مسلح للسيطرة على الحكم في تشاد و زعزعة إستقرار السودان. لذا كخطوة إستباقية ينبغي أن تقوم الحكومة السودانية بطرح وساطة تعمل في مساعدة تشاد إلى استقرار سياسي.
ثالثا قد تضطر الامم المتحدة العودة إلي خطة نشر قوات أممية في تشاد تؤكل عليها مهام المحافظة على أمن تشاد و استقرارها وضبط الحدود الإقليمية حتى لا تكون تشاد مسرح للجماعات الإسلامية الارهاربية التي باتت المهدد الاول لمصالح فرنسا في الدول الفورنفكونية.
رحمه الله إدريس ديبي اتنو