في التصاهر وتقبل الآخر..الأجداد كانوا أكثر انفتاحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

يظل التزاوج بين المجموعات المتباينة ..أو على الأقل بين من هم خارج العائلة ..إحدى أهم صور معرفة مدى تقبلنا للآخر..وكثيراً ما تقف أمامها دعاوى النقاء العرقي.. التي يعايش كل منا آثاره السالبة على النسيج الاجتماعي والوطني..وإذا تتبعنا التاريخ القريب لهذه الظاهرة ..نجدها تخفي وراءها عوامل أخرى تستتر بها..ونجد العذر للأجيال الجديدة في حالة الالتباس التي وجدوا أنفسهم فيها..
وبقدر ما نثمن عالياً مساهمة جيل الأجداد في كسر الحواجز ..نأسى لانتكاسة أجيال آبائنا وأجيالنا وأثرها علي جيل الأبناء..فإذا تتبع أي شخص تاريخ أسرته..سيجد أن جيل الأجداد قد انفتح على الآخر بصورة واسعة ..فجدي لأبي مثلاً تزوج من ثلاث..ولا واحدة منهن من قريته..وكذلك مجايليه ..لكن أبي رحمهم الله جميعاً وجيله..لم يجدوا إلا بنات الأعمام والخؤولة..والعمات والخالات..في انغلاق يبدوا معاكساً لمنطق التطور..وحُرس هذا السلوك بأمثال شعبية .. مثل تغطية القدح ..وإن كانت الفتاة أو الفتى معيباً ..فالأولى بتقبل ذلك هو القريب..رغم أن الأجداد تزوجوا حتى من المسترقات لديهم وصار من أنجبوا أبناء شرعيين لهم ..لكنهم للغرابة الشديدة..يصبحون مرفوضين عندما يرغبون في الزواج من قريباتهم أسوة ببقية الإخوة..وقد عايشت تجربة طريفة في الأسرة في طفولتي..فجدتي رحمها الله قد رحبت جداً بابن أخيها الذي زارها بعد أن أصبح رجلاً..وأكرمت وفادته جداً..وفرحت بشبه ملامحه وسحنته بأخيها..وكانت قد عرفت أنه ابن بقايا رقيق تزوج بها شرعاً..وما أن تقدم للزواج بشقيقتي..إلا وزوغته بكل دبلوماسية !!!..؟ مثل هذا السلوك جعل الأجيال الجديدة في مواجهة مشكلات جمة ..ومعتقدات خاطئة..وإحساس بالظلم والتمييز الاجتماعي والعرقي..لكن المتتبع الحصيف للظاهرة ..يجد أنها كانت تخفي وراءها عوامل اقتصادية وسياسية في المقام الأول..ذلك لأن دعاوى النقاء العرقي خاصة في المستعلين عرقياً..وهم تكذبه السحنات والملامح ..ولا تنهض إلا اللغات واللهجات جامعاً ..وكان للتحالف الذي كون الدولة السنارية دور بارز في ذلك في اعتقادي.
وتختلف دواعي هذا الانغلاق..من جهة لأخرى ومن عهد لعهد..فانحصار الأرض في مساحة ضيقة جوار النيل في المنطقة النيلية في الشمال.مثلاً . وقوانين الإرث الشرعية ..قد هددت حيازات الأسر بالتفتيت بالتزاوج بالغرباء..لذا كان زواج الأقارب حصناً منيعاً يحفظ أملاك الأسرة ..ثم كان انتشار التعليم ..وبريق الوظيفة العامة ودورها كمظلة تأمين اجتماعي ..عاملاً آخر يجعل الأسرة مصرة على انكفاء ابنها ليزوج من يختارونها له من الأسرة..وكم كانت الأسرة تسعد عندما تكون المبادرة منه..فيكون زيتهم في بيتهم..
كذا فإن العامل الاقتصادي ظل عاملاً حاسما في كل السودان ..حتى بين القبائل الرعوية..فمن ذا الذي يرضى بتشتيت قطعان الأسرة في بيئة مفاخرة بقطعانها؟ وهي وريثة الثقافة المفاخرة بقوتها الراعية لها..فكم يعجب العرب بيت الشعر القائل
ونشرب إن وردنا الماء صفواً*** ويشرب غيرنا كدراً وطينا
ولئن شاع في فهم البيت فخر بالقوة..فإن فرز قطعانهم من الآخرين بين كذلك في بيئة الإغارة على القبائل وقطعانها وسبي النساء .
وامتد هذا حتى في مناطق الحيازات الكبيرة بمعرفة حدود القبيلة..لكنه تفاقم بعد بروز الزراعة الآلية وقوانينها ودخول وافدين جدد بفعل السياسات الزراعية ..ولعبت السياسة والمحاباة دورها..
وحديثاً فإن كل الصراع في دارفور مهما تم تفسيره..فهو صراع موارد فاقمه النظام بسياساته.
إذاً فإن وفرة الموارد والتجارة كانتا سبب الانفتاح..ثم كانت الطرق الصوفية والبيتان الطائفيان عوامل تمكنت من جمع الشتات..وأصبح شحها والتنافس عليها عاملاً تحرس صراعها الخفي بالتآزروالانغلاق الأسري والقبلي..وكذلك كانت الأحزاب العقائدية يميناً ويساراً عوامل كسر لها ..وحتى الحركة الاسلاموية كانت عامل تداخل قبل استيلائها على السلطة بليل..فقد كان فشل برنامجها المسمى بالتوجه الحضاري ..خاصة في جانبه الاقتصادي الرأسمالي الطفيلي ..عامل تنافس حاد وجذب شراء ولاءات زعماء القبائل وتزكية القبلية والجهوية لحرص كل طرف على السلطة والجاه..التي تحولت بها البلاد إلى بؤر صراع لن تبقي ولن تذر ما لم تتغير المعادلات.فمن يستطيع أن ينكر أن صراع الرزيقات والمعاليا الذي يروح ضحيته المئات تحت نظر الدولة غير صراع مصالح رغم صلة القربى بين القبيلتين ينحاز النظام لطرف دون الآخر؟
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بالله عليكم لو أن البشير كان تزوج ربيكا بعد وفاة قرنق وجمعها مع وداد ما كان حل مشكلة السودان وضمن لنا الوحدة وكان بهذا يكون قد جمع بين العسل والكيول

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..