هولاند يواجه أوضاعا سياسية صعبة.. ودعوات تحثه لحل البرلمان

تتراكم الغيوم الداكنة فوق قصر الإليزيه، ويجد فرنسوا هولاند الذي لم يمض على وجوده في كرسي الرئاسة الفرنسية سوى 18 شهرا (من أصل خمس سنوات) نفسه محاصرا من كل الجهات في الداخل والخارج. بيد أن صعوباته الداخلية تمثل «المقتل» الذي يهدد عهده، وهي تنعكس على شعبيته التي تراجعت إلى الحضيض.

ويجد هولاند نفسه في وضع فريد من نوعه من بين كل رؤساء الجمهورية الخامسة لجهة انهيار شعبيته بشكل دراماتيكي ولعجزه عن الإمساك مجددا بزمام الأمور رغم الصلاحيات الواسعة جدا التي يخوله إياها الدستور. وأفاد آخر استطلاع للرأي بأن شعبية هولاند هبطت إلى 16 في المائة بحيث خسر ست نقاط في شهر واحد، وفق ما جاء في استطلاع أجرته مؤسسة «يوغوف» ونشرت نتائجه الخميس الماضي. وتتساءل الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية عن «الترياق» الذي من شأنه أن يمكن هولاند وحكومته من استعادة ثقة الفرنسيين المفقودة وإقناع المواطنين بصواب السياسة الاقتصادية والضرائبية التي يتبعانها، خصوصا أنه لا أحد بإمكانه أن يؤكد اليوم أن «الجفاء» بين الاشتراكيين والفرنسيين سيتوقف عند هذا الحد. ويذهب آخرون للتساؤل عما إذا كان هولاند سيستطيع استكمال عهده وعن «الحلول العجائبية» التي قد يلجأ إلى استخدامها.

ليس سرا أن الاشتراكيين واليسار بشكل عام حاربوا الجنرال ديغول مؤسس الجمهورية الخامسة نهاية الخمسينات والدستور الذي وهبه لفرنسا لوضع حد لما كانت تعيشه من قبل من اهتزازات سياسية شبه دائمة ومن تغير الأكثريات ومناورات الأحزاب السياسية. والحال أن هذا الدستور هو الذي يحمي هولاند ويضمن له شرعيته وشرعية حكومته حتى الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة أي في عام 2017. وبكلام آخر، لو خسر هولاند كل الانتخابات وقامت بوجهه كل الاحتجاجات والمظاهرات، فإن شرعيته لن تمس باعتبارها مستمدة من صندوق الانتخابات. كذلك لو قرر حل مجلس الجمعية الوطنية وأجرى انتخابات جديدة لم تكن نتائجها في صالحه، فإنه يستطيع البقاء في الإليزيه حتى آخر يوم من ولايته.

لكن القراءة الدستورية لا تكفي، إذ يتعين النظر في حالة فرنسا اليوم وما تعاني منه، وفي الأسباب التي جعلته يخسر تأييد مواطنيه الذين فضلوه على منافسه اليميني نيكولا ساركوزي ربيع العام الماضي. فرنسا اليوم تعاني من تردي وضعها الاقتصادي الذي انتقل من الانكماش إلى الكساد ومن ارتفاع معدلات البطالة (أكثر من 10 في المائة) ومن انهيار المقدرة الشرائية ولكن خصوصا من ارتفاع الضرائب التي تطال كل الشرائح وبشكل أخص الطبقة الوسطى ومن تواتر خطط التسريح في الشركات من كل الأنواع وازدياد النقمة على الحكومة ومشاريعها الإصلاحية. فالفرنسيون يرفضون خطط وزير التربية إصلاح التعليم. ودافعو الضرائب ناقمون من استهدافهم والأغنياء يرفضون ضريبة الـ75 في المائة للذين يزيد دخلهم على مليون يورو في العام وفي مقدمتهم لاعبو كرة القدم. المعلمون محبطون وكذلك المزارعون وصيادو الأسماك والعاملون في القطاع الصحي والشرطة والجيش «بسبب خفض ميزانية الدفاع» والطلاب ورجال الإطفاء والموظفون. وباختصار فإن حالة من القلق العام انتابت الفرنسيين الذين يعانون أيضا من تفشي العنصرية بشكل لم تعرفه البلاد في السنوات الثلاثين الماضية، ومن تفكك اللسان العنصري من عقاله، ومن ارتفاع شعبية زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبن.

ولا تكتمل الصورة إلا مع الإشارة إلى أن سياسة هولاند المتبعة ليست وحدها مصدر الارتباك، بل طريقته في الحكم، وبعضهم يقول تركيبة شخصيته التي لا تميل إلى الحسم مقارنة مع شخصية سلفه نيكولا ساركوزي، ولكن كذلك التمايزات داخل الصف الحكومي وعجز جان مارك أيرولت عن الإمساك بوزرائه. ووصل الوضع بالفرنسيين إلى طلب حل المجلس النيابي والذهاب إلى انتخابات جديدة بينما بعضهم الآخر ينصح هولاند بتعديل حكومته أو حتى تغييرها والإتيان برئيس حكومة جديد ووجوه جديدة.

بيد أن أيا من الحلين لا يبدو متلائما مع تحديات المرحلة، إذ إن المشكلة ليست في الحكومة وأعضائها بمقدار ما هي في السياسة المطبقة. والحال أن هولاند يقول ويردد أن السياسة الاقتصادية التي يتبعها هي الوحيدة الملائمة لوضع فرنسا اليوم. ولذا فإن أي تغيير للحكومة من غير إحداث انعطافة في السياسة الاقتصادية والضريبية سيكون كمن يحصد الهواء. أما حل المجلس النيابي فإن دونه مخاطر كبرى إذ يبدو شبه مؤكد أن اليسار سيخسرها وبالتالي سيخسر الحكومة والسلطة وسيعود إلى مقاعد المعارضة.

المعادلة صعبة وهي تشبه إلى حد كبير تربيع الدائرة. ولذا فإن هولاند «يراهن» على الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها وعلى عودة النمو الاقتصادي وتراجع أرقام البطالة والتوقف عن «طحن» مواطنيه عن طريق زيادة الضرائب المباشرة ورسوم القيمة المضافة وربما إلهائهم بإصلاحات اجتماعية جديدة كالسماح بالزواج بين المثليين الذي أقر قانونه في الربيع الماضي بانتظار أن تنقشع الرؤية في محيط الإليزيه. لكن هذا الرهان، ككل الرهانات، ليس مؤكدا، والسيناريو الأفضل ليس دائما الأرجح.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..