أخبار السودان

خطاب استفزازي.. الاسد بقي الاسد

‘لا يمكننا أن نطبق ديمقراطية الاخرين على أنفسنا. فالديمقراطية الغربية مثلا هي نتاج تاريخ طويل انتج قيادة وتقاليد تتميز بها ثقافة المجتمعات في الغرب. كي نطبق ما لديهم علينا ان نعيش تاريخهم بكل تميزه. ولما كان هذا غير ممكن فان علينا أن نتبنى الديمقراطية التي تلائمنا، النابعة من تاريخنا والمستجيبة لمتطلبات واقعنا’. هكذا رأى الرئيس بشار الاسد اساسات ‘الديمقراطية’ في خطاب تتويجه في تموز (يوليو) 2000. يبدو ان مذهبه الفكري لم يتغير بشكل جوهري منذ ذلك الحين، اذا ما حاكمنا الامور حسب خطابه يوم أمس.
الاسد، لا يعتزم تغيير بنية النظام، استبدال تفوق حزب البعث بنظام متعدد الاحزاب أو الفتح على مصراعيه الرحاب العام. فقد تحدث الاسد أمس عن ‘اصلاحات’ موجهة لتغيير قانون الانتخابات وبنية الاقتصاد بل والغاء نظام الطوارىء المتبع في سورية منذ 1963.
بعض من هذه الوعود سبق أن اطلقها في خطاب للامة في العام 2005، او في مقابلات صحفية منحها من حين الى آخر. ولكن مثلما في حينه هذه المرة ايضا لا يقترح الاسد جدولا زمنيا، ولا يفصل جوهر الاصلاحات ويمتنع عن شجب الفساد في الدولة او الاعلان عن ‘حملة تطهير الفساد’ مثلما فعل قبل أن يعين رئيسا.
في العام 2000 تحدث عن ‘بيروقراطية غير ناجعة تقف في طريقنا امام التقدم’. هكذا تصرف أمس ايضا: البيروقراطية مذنبة وليس اقل منها ‘الجهات الاجنبية’ التي تتطلع الى احداث حرب أهلية.
اذا أراد المتظاهرون أن يجدوا شيئا ما ايجابيا في اقواله، فانه يوجد في أنه لم يصفهم بالخونة بل ومنح بعضهم ‘شهادة حسن سلوك’ في أنهم عملوا انطلاقا من رغبة صادقة في التغيير ولم يعملوا باسم ‘الجهات الاجنبية’.
مفهوم الاسد الفكري هو ذات المفهوم ‘الابوي’ الذي ميز أباه، ووفقا له على الجمهور أن يصدق بان الزعيم يريد مصلحة الشعب وان عليه أن يعتمد على الزعيم بان يفعل الامور الصحيحة في الزمن المناسب لـ ‘الامة’. ولكن، لخطاب أمس كانت عناوين اخرى غير الشعب السوري.
فقد مورس على الاسد مؤخرا ضغط كبير وعلني من جانب تركيا. فقد تحدث رئيس الوزراء التركي اردوغان مع الاسد عدة مرات في نهاية الاسبوع وأوصاه بتبني سلسلة من الاصلاحات. كما أراد الاسد ‘منح’ شيء ما للادارة الامريكية، رغم أنه لمح بان الادارة تقف خلف الاضطرابات.
كان هدفه ان يحصل بالمقابل على قول امريكي يقضي بانه لن يحصل تدخل عسكري في سورية و’الاكتفاء’ بمطلب تنفيذ اصلاحات بدلا من الدعوة الى اسقاطه من منصبه مثلما تصرفت ادارة اوباما تجاه مبارك والقذافي.
ولكن السؤال الاهم من ناحيته هو اذا كان الجمهور في سورية مستعدا لان يقبل وعود الاسد، رغم أن معظمه على علم بان ليس فيها ما هو حقيقي. اذا ما حاكمنا الامور حسب المقابلات الكثيرة التي أجرتها وسائل الاعلام العربية بعد الخطاب مع المواطنين، المحللين والسياسيين السوريين يبدو أن الثقة هي آخر شيء يحس به معظمهم، تجاه الرئيس، باستثناء الناطقين بلسان الحكومة.
ولكن المعضلة هي كيفية المواصلة من هنا، في الوقت الذي واضح أن الاسد لا يعتزم اعطاء أكثر مما قال. اخطر من ذلك، حسب احد المحللين، لم يكن خطاب الاسد فقط مليئا بالوعود، بل يجب قراءته كخطاب تهديد. بموجبه، هو كرئيس اعطى كل ما يحتاجه الجمهور كي يهدأ. من الان فصاعدا سيكون بيد الاسد ليس فقط القوة بل وأيضا المبرر لقمع المظاهرات بمزيد من القوة.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..