أحداث ساعة مقتل الرئيس!

دخلت الشابة الصغيرة سارة أحمد مكاوي إلى المحامي وفي خلدها شيئان، الأول أنها تملك: معلومات جديدة حول مقتل الرئيس، والثاني: ورثة الرئيس!.
قبل عدة سنوات خلت قدم أحمد مكاوي من إحدى قرى الجزيرة إلى إحدى الأمبدات الطرفية من مدينة أم درمان السودانية بالعاصمة المثلثة “الخرطوم” على أثر الإنهيارات المتتالية لمشروع الجزيرة وبرفقة أسرته الصغيرة المكونة من زوجته (رابعة) وإبنتيه (سارة و عزة). لم يتلقى أحمد أي نوع من التعليم، كان أمياً بالمعنى الأكاديمي الكامل للكلمة. كان يعول أسرته الصغيرة من أعمال خاصة مبتكرة أهما “قدرة فول” يعرضه كل صباح لزبائنه من البيوت المجاورة وكان عند الظهريات وحتى البدايات الأولى من الأماسي يحمل صندوقاً خشبياً على كتفه حيناً وعلى رأسه حيناً آخر يعرض الخفيف من مستلزمات الزينة والتجميل و”الهتش” للمارة من النساء في شوارع أم درمان الرئيسة.
كان يجني من أعماله تلك القليل من المال الذي يكفي بالكاد عون أسرته من الأساسيات الحتمية: الطعام والكساء ودراسة إبنتيه وإيجار المنزل الصغير المتواضع الذي درج أحمد على طلائه باللون الأبيض مما دعى الجيران تسميته من باب الدعابة ب “البيت الأبيض”. سارة طالبة متميزة بقسم اللغويات جامعة الخرطوم وعزة بالصف الثامن من مدرسة الأساس. وأما الأم رابعة كانت عون أحمد في كل شي وهي ربة منزل ممتازة ومدبرة.
البنتان مجتهدتان، الحياة التي تعيشانها لا تتيح أي هامش للخطأ!. قبل عدة أسابيع حصلت سارة على العلامات الكاملة في إمتحان النقل للسنة الجديدة، فقررت إدارة القسم في مرة نادرة من المرات تكريم الطلاب المتفوقين بالقسم وكانت سارة أولهم، في اليوم السابق للإحتفالية طلبت من والدها أن يرافقها لحضور لحظة الإحتفاء بإنجازها كإنسان متميز، فلبى طلبها في منتهى الحبور والفخر والفضول. “هل سيعطونك جائزة مالية”؟، “لا أعرف، لا أعتقد”!.
تلك كانت أول مرة طوال حياة أحمد يدخل صرح تعليمي من أي نوع ولا مدرسة أساس. أحمد كان أمياً بالكامل لا يقرأ ولا يكتب ولا يذكر أي فضل للمؤسسات التعليمية، لا يعلم ولم يخبر أي ثمرة للتعليم عند جميع أفراد أسرته الممتدة. كانت عنده فكرة سيئة عن الرجال المتعلمين، فلاسفة فارغين ويعمم المثل الشعبي الذي يذم بعض المتعلمين على الجميع بلا إستثناء: “القلم لا يزيل البلم”.
الأم رابعة كانت وفق حكمة غامضة ترعى البنات طوال الوقت وتهتم وحدها بشئونهم الدراسية وهو عليه في الأساس أن يسعى من أجل الحصول على المال اللازم لتسيير شئون البيت وهو أمر ليس بالسهل غير أن أحمد كان يفعل أكثر مما يتصوره الخيال حيال ضمان معاش أسرته الصغيرة وبقائها متماسكة. لبس أحمد مكاوي تلك المرة أفضل ما عنده من الثياب، ليست كثيرة: جلباب سوداني تقليدي ومن تحته قميص قصير “عراقي” وسروال “أب تكة” ووضع على رأسه عمامة أكبر مما كان يفعل في العادة وركب البص بجانب إبنته سارة في طريق الإحتفالية، حاشراً في الجيب العلوي مقدار إضافي صغير من المال ووضع في الجيب الجانبي الأيسر “كيس السعوط” بعد أن لفه بإحكام فوق العادة.
كانت اللوحة الخلفية للمسرح مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية، وكان هناك أستاذة أمريكية زائرة شرفت بدورها الإحتفالية، عندما جاء دور سارة قلدها رئيس القسم بكل الفخر وشاح تقف بجانبه المرأة الأمريكية الزائرة والتي ألقت بدورها كلمة قصيرة باللغة الإنجليزية شكرت في المقطع الأخير منها أسرة سارة وذكرت من باب المجاملة الحميدة إسم والدها “أحمد مكاوي”، عندها، لدى تلك اللحظة حدثت مفاجأة أدهشت الجميع وأصابت سارة بالجنون لعدة دقائق، الجنون حرفياً، فقدان العقل!.
إذ نهض أحمد بغتة ناحية المسرح وأمسك بالمايكرفون وأدلى بكلمة رصينة باللغة الإنجليزية “الأمريكية” بلا تعتعة أو تردد أو توقف وفي ذكاء ينم عن خبرة واسعة وعلم وافر. ولو أنه تحدث في أمور خارجة عن نطاق المناسبة أو غير مباشرة. وأكثر مقطع مثير للدهشة من حديثه، أنه قال بحماس شديد: “أنا سأسعى للمساعدة بكل قوة وعزم، إن التعليم هو عصب الحياة، هذه الأمة نهضت بوعي الرجال والنساء العظام الذين أرسوا قواعد متينة للتعليم والبحث العلمي، أبائنا وجدودنا الأوائل، إنني أعدكم أن التاريخ يسير نحو الأفضل”.
ثم وضع “المايك” وترجل ناحية سارة متخذاً مكانه بجانبها، في تلك اللحظة وحدها سقطت سارة على الأرض مغيشاً عليها، وعندما أفاقت من غيبوبتها بالمستشفى القريب وجدت أبيها يمسك بيدها، فأخذت تتفرس وجهه من الأركان الأربعة وهي تبكي بصوت خفيض وجسدها يرتعش من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
سألته عن الأمر الغريب العجيب، فأجاب بكل برود وهو يضع السعوط تحت شفته السفلى: “لا أعرف، لا أذكر، بسببك لم أتعاطى السعوط طوال ظهيرة هذا اليوم”، ثم ضحك بشهية وشرعا من بعدها في طريق بيتهما الصغير المتواضع، الذي يسميه الجيران: البيت الأبيض.
عندما وصلت سارة البيت الأبيض أختلت مباشرة بأمها وروت لها الحكاية المدهشة بينما لا يزال جسمها كله يرتعد، فضحكت أمها بشهية مستهينة بالأمر الجلل: “هو كذلك منذ ألتقيته أول يوم، يهدرب أحياناً بلغة أعجمية لا أفهمها، ليس كثيراً، نادراً، لكنه يحدث، لم أهتم، لا تهتمي”!. فأطمأنت سارة قليلاً دون أن تنقشع عن خيالها ضبابات الدهشة بشكل كلي ونهائي فهي تعلم يقيناً أن والدها أمي بالكامل كما أنه لا يعرف أي لغة أخرى غير الدارجة السودانية. إنه لأمر محير!.
في صباح اليوم التالي مباشرة شعر أحمد بوعكة لم يستطع التعبير عنها بالكلمات، كان شيئاً غريباً، كان لا يرى الأشياء من أمامه في صورة جيدة وتشويش في الذاكرة وحرقان رهيف في فم المعدة والمزيد، غير انه لم يكن هناك ألم واضح محدد يستطيع التعبير عنه!. طلب من رابعة أن ترعى “قدرة الفول” بالخارج ذاك الصباح ودخل الغرفة في شبه غيبوبة، كانت سارة ذاك الأثناء تساعد عزة في مادة الرياضيات. جلس بجانبهما على كرسي بلاستيكي عتيق وأخذ يحدق ناحية الحائط الأمامي.
وفجأة وبلا مقدمات تحدث أحمد صائحاً بصوت جهور في لغة إنجليزية أمريكية صارمة وبدا وكأنه يخاطب حشد من أمامه: “سأفعل كلما بوسعي لسعادة الشعب الأمريكي وسلام العالم، سأسعى بكلما أملك من قوة لرفاهية الإنسان وتجريد الأشرار من إمتلاك الأسلحة النووية التي تهدد بقاء الإنسان فوق كوكب الأرض، فليبارك الرب أميركا”.
ثم شرع فيما يبدو إتصال تلفوني مع الحاكم المحلي في دالاس (جون كونالي) ودخلا في جدال غريب حول خيانة رئيس المخابرات المركزية آلان دولاس: “إنه متعاون مع المجرم ليندون جونسون سيدي الرئيس”. (في المستقبل آلان دولاس سيسرق الطلقة الثالثة من مسرح الجريمة وسينجح مسعاه في تضليل العدالة حتى تاريخ اليوم).
وقبل أن يبدأ إطلاق النار ناحية عربة الليموزين المكشوفة التي يستغلها الرئيس في شوارع دالاس بعدة ثواني فقط، طرق صاحب المنزل باب البيت الأبيض الخارجي قادماً لأخذ قيمة إيجار البيت الأبيض الذي تأخر لمدة ثلاثة أشهر هذه المرة. وفي اللحظة التي فتحت رابعة الباب بدأ إطلاق النار، ثلاثة طلقات أصابت الرئيس وحاكم دالاس في مقتل.
كانت هناك صيحات كثيرة مذعورة تأتي من الآفاق البعيدة ناحية السماء: “لقد قتل الرئيس، لقد قتل الرئيس، لقد قتل الرئيس ، يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي ، لا، لا، لا”.. كانت هناك فوضى عارمة. أمتلأ الأفق بالحزن الكثيف والدهشة والصدمة والحيرة و.. هناك في الخفاء إحتفالية صغيرة خبيثة مبتهجة!.
وعندما أكملت رابعة ولوجها إلى مكان الجريمة برفقة الرجل “صاحب المنزل” ألفت مشهداً مفزعاً، أحمد ملقي على الأرض منكباً على وجهه متعرق الأطراف جاحظ العينين وقلبه يخفق بشدة وسارة وعزة مذعورتان تلجمهما الدهشة وأخذت منهما الصدمة كل مأخذ، فلا تسطيعان الكلام ولا الحراك و.. جدار الدار متشقق ناحية اليسار!.
“كل العالم يحب الرئيس ما عدا أقلية صغيرة فاعله تكرهه بشدة وفي الختام قتله رجلان بائسان (أحدهما أعلى البناية والآخر على العشب) بترتيب الأقلية الكارهة بالتنسيق الخلفي مع المافيا المكسيكية وتجار السلاح دون أن يحميه العالم الشاسع الذي يحبه ودون أن يكشف كل ملابسات الجريمة. ليس قبل تاريخ اليوم… فأصبح ليندون جونسون رئيساً وفق ما خطط له خلفاً للدم الذي سفك”.
السؤال الذي وجهته سارة للمحامي حول أحقية الأسرة في ورثة الرئيس، أدهش المحامي ولم تكن عنده إجابة جاهزة تلك اللحظة. أما المعلومات الجديدة التي زعمت سارة بإمتلاكها حول جريمة مقتل الرئيس يكون مكانها المناسب السفارة الأمريكية بالخرطوم.. (حسب رؤية المحامي الروتينية).
محمد جمال الدين، لاهاي/هولندا…. 12 أبريل 2015…. قصة قصيرة….. [email][email protected][/email]
روعة روعة روعة
أصبحت مقتنعاً بأن الشيء الوحيد الذي برع فيه السودانيون هو حكاية الحكاوي ، الله يلعن أبو البنقو زاتو
محمد جمال بديع مبدع …ليس بالخبز وحده يحي الانسان…. البطون خاوية ولكن الحمد لله رب العالمين فبالأمس كانت تناول وجبة من العسل الدسم (لطيفة العسل) فكانت دواء وشفاء للروح العليلة الذي داء الفساد من الطغمة الحاكمة… واليوم كانت التحلية بأحداث مقتل الرئيس والمدهش احمد مكاوي الذي نزل اليه الوحي تواً فجعله يجيد الإنجليزية بطلاقه…شكراً لك محمد جمال علي تلك الوجبات الدسمه
تداخل الحدثين ود مكاوي و مقتل الرئيس كندي لم يكن انسيابيا بما يكفي لاذابة ومزج الحدث فالقاريء يلاحظ الحد الفاصل بوضوح بين المشهدين ربما واقعية تفاصيل المشهد الاول احدثت صدمة اللامعقول عند الانتقال إلى المشهد الاخر فحدث الشرخ الواضح في الحبكة.
نصيحتي لك هي إن كان العمل محاولة لترجمة قصة من وحي الواقع الغربي فإن الامر يحتاج لمجهود أكبر من التأليف الكامل و عليك بطريقة المنفلوطي .
مع فائق حبي واحترامي
تنزيل عملي محكم وفي غاية المتعة لرؤية تناسخ الأرواح
كلام دسم وخطيييير وجب الإنتباه للمتعة(((((((
السؤال الذي وجهته سارة للمحامي حول أحقية الأسرة في ورثة الرئيس، أدهش المحامي ولم تكن عنده إجابة جاهزة تلك اللحظة. أما المعلومات الجديدة التي زعمت سارة بإمتلاكها حول جريمة مقتل الرئيس يكون مكانها المناسب السفارة الأمريكية بالخرطوم.. (حسب رؤية المحامي الروتينية).))))))))
بعد الشر عليه