ولاة الولايات ..و مرحلة الكُتّاب .. أو الخلوة !

هيبة الحاكم أياً كانت درجته في سلم الوظائف الدستورية هي من هيبة المواطن حينما تكون للشعب حاكمية الإنتخاب الحقيقي لحكامه أو أن ذلك الحاكم قد جاء الى وظيفته على سرج الكفاءة وليس مرفوعا الى راحلة التكليف بذراعٍ جهةٍ يستقوي بها على من هم أكفاء وأكثر أحقية منه تفويضا ولو بإرادة ذلك المواطن ..!
فكان المحافظ في زمان السودان الذي ورث عن المستعمر نظاما في الحكم المحلي اللامركزي ..يحكم إقليما في حجم دارفور الكبرى أو النيل الأزرق بحدودها القديمة التي تمتد من تخوم الخرطوم وحتى أطراف أعالي النيل جنوبا أو كسلا التي كانت تبتلع في جوفها الإداري القضارف والبحر الأحمر وقس على ذلك من ضخامة بقية المحافظات التسع أو لا حقا الأقاليم الستة !
وكان ضباط المجالس لهم سطوتهم الإدارية التي لا تجعلهم يحتاجون لمراجعة رئاسة الولاية في توفير معينات الخدمات كالتعليم والصحة وخلافه ..فهي التي تأتيهم على طبق التوزيع المنظم من حيث الحصص و طريقة التوصيل اللوجستي !
صحيح لم يكن هنالك إنتخابات تأتي بهؤلاء المحافظين أو ضباطهم الإداريين .. لكن الكفاءة التي يجتازون بها إمتحانات الإختيار لتلك الوظائف الرفيعة المسئؤلية هي التي تخلق لهم مكانتهم في نفوس المواطنين الذين يقيسون أهلية الحاكم بما يليهم منه من تلبية حاجاتهم وهم في أماكنهم حيثما كانوا !
كنا في خلاوي القرآن الكريم أو الكتّاب .. وعندما يريد منا الفكي أن نسّمع ما حفظناه من السور ..فيقوم بتكليف كبار الطلاب بجمع الألواح و المصاحف ..حتى يتأكد أننا حفظنا في ذاكرتنا ما تعلمناه ولا نضطر الى استراق النظر في أية آداة مساعدة !
بالأمس في إجتماع رئيس الجمهورية مع الولاة ونواب رؤساء المؤتمر الوطني بالولايات والذي إنعقد بقاعة الزبير خلف ستار كثيف من السرية .. قامت أجهزة الأمن بجمع هواتف ( التلاميذ ) المحمولة في الحقائب و الجيوب مثلما كان يفعل شيخنا الفكي وتم طرد سائقي المسئؤلين وحراسهم بعيدا عن محيط القاعة ..ولكن تلك السرية التي خشيّ عليها منظمو الإجتماع لم تلبث أن تسربت قبل أن يبتل حلق المعلم بجرعة ماء وهوالذي القى فيهم درسا عن آداب العلاقة التي ينبغي عليهم أن يتقيدوا بها في تعاطيهم مع المجالس التشريعية المنتخبة !
والولاة بالطبع هم كالألفة في الصف الذين يعينهم الناظر أو راعي الصف الدراسي وجلهم من ضباط الأمن وبرتب عالية تعطيهم الشعور بأنهم فوق نواب المجالس التشريعة ولا هيبة في نظرهم لمن إنتخبهم من المواطنين ..وهو أمر يجاهر به بعض الولاة أمام الحشود و يتهمون خصومهم من منطلق قوتهم المكتسبة من ذلك التعين الرئاسي بأنهم خفافيش أو يقول أحدهم لمن ينتقده .. فلتضرب رأسك بالحائط إن لم يعجبك تصرفي ..فأنا سلطتي وقوتي من لدن الرئيس .. ولا أحد ولا نائب ولا ناخب له فضل أو إرادة تحكمني !
فالوالي الذي لا يثق فيه جهاز الدولة بأنه لن يسرب اسرار الإجتماعات همسا الى خارج القاعة أو قد لا يكون تلميذا منتبها للدرس المُلقى عليه فيهيم في استعراض الصور و الرسائل النصية الهاتفية أو لا يكون أمينا يكتب إجابات إمتحانه من ذاكرة استيعابه لما ينبغي أن يقوله بصدق وجدانه و وما يحتمه عليه موقع مسئؤليته من أمانة الرد على ما يسمعه وبجرأة المسئؤل الذي يُعطي في الكلام بمثلما يأخذ ولا يضطر الى تصفح ما جاء به في ذاكرة هاتفه من إملاءات قد لاتعجب المعلم الذي يملي على الآخرين ليستمعوا وليس من حقهم الإعتراض .. فقط هو والِ جاء للسمع والطاعة..وساعتها سيقفل راجعا ليفش غله مستأسداً على مرؤسيه أو نواب ولايته المنتخبون بلا فائدة .. فساعتها هو لايختلف كثيرا عن تلميذ الكُتّاب على أيامنا حينما كنا نصفي حساباتنا بالخناقات خارج الخلوة بعيدا عن رهبة سوط الفكي وننتقم ممن أوشى بنا أو تعدى علينا أو حتى سخر منا بالنظرة المريبة أو بسمة الإستهزاء ونحن نتلعثم في التسميع ..!
وإن إختلفت أدوات الزمان وفوارق المكان الذي كان يضمنا في الهواء الطلق غير الخانق و شيخنا يجلس على فروته فوق التراب تواضعا وهو يلقننا بخشوع ونستمع بأدبً جم الى كلام الله في غير تزييف أو تحوير .. وكنا وعلى سذاجة وعينا ندرك انه الحق المبين .
[email][email protected][/email]