وداعا المناضل الطيب الدابي

@ ودعت ولاية الجزيرة و مدينة طابت يوم أمس الاول الجمعة اليتيمة من العشر الأواخر لشهر رمضان بعد غروب يومها ، علما بارزا من أعلام الجزيرة وتاريخا ناصعا مشرفا لنضالات الوطنيين و الصندوق الاسود لحركة المزارعين الثورية و اتحادها العملاق و أحد الذين أسسوا الجبهة المعادية للاستعمار و من بعدها الحزب الشيوعي السوداني وانحاد الشباب و الاتحاد النسائي في منطقة الجزيرة ، ذلكم هو الشيخ الجليل و العالم النحرير الصامد القابض علي مبادئه حتي أسلم روحه لبارئها ،الطيب البشير الدابي الذي عاش مناضلا و مات مناضلا مختتما حياته بعد عمر طويل لقرابة 99 عاما قضاها مناضلا من رحاب الانسانية مشاركا و مدافعا عن العمل العام و مؤسسا لحركة المزارعين مع الرعيل الاول و هو بكل شجاعة فتح داره لتصبح مقرا لإنطلاقة و تكوين إتحاد المزارعين في عهد الاستعمار و اصبحت داره في ما بعد المركز العام للحزب الشيوعي السوداني بالجزيرة .
@ برحيل الشيخ الجليل الطيب الدابي تنطوي صفحة ناصعة من تاريخ حركة المزارعين و مرجعية هامة لتاريخ الحزب الشيوعي في منطقة الجزيرة . ساهم الطيب الدابي مساهمة كبري في تشكيل الوعي وسط المزارعين رغم أنه لم يتلق تعليما نظاميا معروفا ليكتفي بدراسة علوم القرآن و الفقه علي يد الشيخ الجيلي عبدالمحمود (الحفيان) بطابت كشأن من جاء من بعده من قيادات حركة المزارعين شيخ الامين محمد الامين و الشيخ يوسف أحمد المصطفي الذين تلقوا تعليما دينيا في مختلف الخلاوي وقاموا بتطوير قدراتهم بالقراءة و الاطلاع في مختلف المذاهب و المدارس الفلسفية الدينية حتى تبين لهم الطريق القويم في الانتماء الحقيقي لتحرير الانسانية من كافة اشكال العبودية الحاكمة ليختاروا الانتماء لحركة تغيير حياة الجماهير عبر تقبل الافكار الماركسية لقيادة التغيير وبالانتماء للحزب الشيوعي السوداني الذي ساهم مساهمة فعالة في بناء حركة المزارعين التي التف حولها مزارعو الجزيرة و المناقل في ما بعد .
@ يعتبر الشيخ الطيب الدابي آخر من تبقي من الرعيل الاول المؤسس لإتحاد المزارعين واستطاع أن يقدم للمكتبة السودانية سفرا هامة و مرجعا موثوقا و مدققا يعتبر الاحدث في المكتبة السودانية بعنوان ، لمحات من تاريخ مشروع الجزيرة و المناقل ، حياة و نضالات المزارعين تم نشره بواسطة تحالف مزارعي الجزيرة و المناقل يقع في 156 صفحة من القطع المتوسط تناول فيه ثلاثة عشر بابا بفصولها حول فكرة مشروع الجزيرة و الاسباب لقيامه ومشروع الزيداب ، بداية زراعة القطن في السودان و بابا عن الخزان و آخر حول بداية العمل في مشروع الجزيرة و تطرق في الباب الخامس لحركة المزارعين و هيئة المزارعين و تناول انتخابات المزارعين و نتائجها و علاقات الانتاج و المؤسسات الاقتصادية و تضمن الكتاب احصائيات بالاقسام و التفاتيش و المزارعين و القري و الكنابي و ملحق صور . يكفي الراحل الدابي فخرا أن عمله لم ينقطع عن الدنيا لأنه أضاف علما ينتفع به في سفره هذا الذي تحتاجه كل مكتبات الجامعات و مراكز البحوث و الدور الصحفية و الاعلامية لأن المادة الموجودة به لا يمكن العثور عليها لأنها تتضمن الذاكرة المعايشة الموثوقة .
@ مثل ما قدم الشيخ الجليل الطيب البشير الدابي كل عمره فداء لحركة المزارعين ساهم فيها بكل ما يملك ، ماله و وقته و صحته و ذاكرته مدافعا و منافحا في كل أزمنة الكبت و الارهاب من لدن الاستعمار مرورا بدكتاتوريات 17 نوفمبر و مايو وحتي الانقاذ . لم يتردد مطلقا في أن يقدم داره مقرا لحركة المزارعين ، يتوافدون عليها من كل أصقاع و نواحي الجزيرة لمناقشة قضاياهم لم ترهبه تحذيرات السلطة و تهديداتها بمصادرة داره التي و كأنها بدار الارقم كل مزارع دخلها كان آمن و كل شيوعي مختفي أو مطارد أو متفرغ او من القيادات لا يشعروا بالتأمين و الأمان إلا في داره التي كانت نزل دائم للأستاذ كامل محجوب المتفرق الحزبي لبناء حركة المزارعين و كانت داره اول مركز و دار للحزب الشيوعي بالجزيرة ، استقبلت مرارا و تكرارا قيادات في طلعيتهم ، حسن الطاهر زروق و عبدالخالق محجوب و الوسيلة و محمد ابراهيم نقد ، برير الانصاري و جيوش المتفرغين . نسأل الله في هذا الشهر الكريم أن يتغمد الشيخ الطيب البشير الدابي بواسع رحمته ويغفر له ما تقدم من ذنب و ما تأخر و أن يلحقه بالصديقين و الاخيار لأنه أدي الأمانة كاملة غير منقوصة ناضل من اجل الانسان و الانسانية ، خرج طاهرا مطهرا لملاقات ربه الذي قدر لقاءه في هذه الجمعة اليتيمة في العشر الاواخر علها تكون عتق من نار و نسأله سبحانه و تعالي أن يكرم نزله و يحسن وفادته . العزاء لكل مزارعي الجزيرة و شيوعيي السودان و لأهل الراحل ولأبنائه و لأصدقائه و لجميع أهل طابت الاوفياء ، إنا لله و إنا اليه راجعون .
الجريدة