أنشودة الهندوس الالهية والمعارضة الاسلامية

دكتور الفاتح شاع الدين
للانشودة الالهية ?البهاغفاديا غيتا- أهمية خاصة عند الهندوس كمصدر ارشادي قيم0 تردد الانشودة حوار بين الإله كريشنا- الذي يجسم الإله الأكبر فيشنو- وبين الامير آرغونا من طبقة المحاربين الإنكشتاريا. حدث ذلك عندما كان الإله كريشنا يقود مركبة حربية تحمل الأمير المتجه لمحاربة جيش يصطف فيه بعض من أقربائه وعشيرته، و كان الأخير متجهم الوجه، مثقل القلب، لم يرق له ان يقتتل مع عشيرته وأحبائه0 وقد قال آرغونا للإله كريشنا: “عندما أرى انني سأحارب أقربائي، تخونني اوصالي، وينزلق السهم من يدي، ويصبح عقلي في دوامة0 فلو اننا قتلنا هؤلاء المستهترين ستحل بنا الخطيئة0إذ بالرغم من أن هؤلاء الأذكياء يتملكهم الطمع، و لايرون إثما في تحطيم الأسرة، ولاجريمة في عداء الاصدقاء، يجب علينا تجنب خطيئة منازلتهم”.
لم يرضي ذلك القول الإله كريشنا فأنبرى ناصحا وواعظا بعد أن كشف عن ذاته الالهية، فحث الأمير آرغونا على أن يتحلي بروح الثبات ورباطه الجأش، ويقوي من عزيمته التي وهنت، ويبدد من مخاوفه، ولا يركن الي الجبن. ذلك لأنه كعضو من طائفة المحاربين من واجبه أن يمضي قدما للقتال إمتثالا للإرادة الألهية حسب ما تمليه عليه أصول النظام الهندوسي وحذره من أن يخلط بين الواجب من جانب، والعواطف والإثرة والمنفعه والحسابات الشخصية من جانب آخر، لان ما يجب عمله يجب عمله0و عليه أن يتذكر انه حتى المحاولات الفاشله لا تضيع سدى، والندم على المحتوم في غير موضعه. ثم ذكره ان الموت لا يعني فناء الروح، والنفس البشريه تتجدد، وسيعود الفرد مرة اخرى في صورأخرى بحسب مبدا التناسخ المنصوص في الكتب المقدسه. وعلى اي حال فان الذات (الاتمان) هي في المحصله النهائيه ترتبط مع القوة العظمى (البرهمان) . ولايجب ان ننخدع بالواقع المتجلي لان للواقع مستويات مختلفه.
هكذا سعى الاله كريشنا بتلك الكلمات الي تحويل الامير من حاله الارتباك التي تمكنت منه الي حاله رؤية وقناعه تدفعه للحركه.
بتلك المنظومة من الوعظ الارشاد وجدت انشودة البهاغفاديا غيتا رواجا شديدا خاصه في الفترة التي مالت فيها الهندوسية لحياة التنسك والزهد واللافعل. ويروى أنها الهمت المهاتما غاندي بالرغم من أنه ليس من مبادئها المقاومة السلمية السلبية. وقد أفتتن بها بعض قادة الفكر الأوروبي مثل الدوس هكسلي الذي طالما هلل لفكرة “الحكمة او الفلسفة الخالدة” التي شكلت الفكر الانساني عبرالتاريخ. أما روبرت اوبنهايمر الذي يعتبر أب القنبلة الذرية في الولايات المتحدة فإن فكرة أداء الواجب بمعزل عن العاطفة هي ما بررت له إستمراره في مشروع القنبلة الي تردد كثيرا حوله.
يبدو المازق الذي وقع فيه الامير الهندي مشابها لحالة التنازع التي لابد أن عاشها الاسلاميون المتبرمون والمستاءون من الحكومة التي تحكم باسمهم: هل يرضخون لنظام يرونه فاشلا؟ ام هل يصطفون دعما للركب الجماهيري الذي ينشد التغير و يتوق لديمقراطية حقيقية؟ لا شك ان هناك مخاطر في وقوفهم في خندق واحد مع العلمانيين والليبراليين واعدائهم التاريخيين الشيوعيين. ولكنهم ان لم لم يفعلوا ذلك ستلفظهم الجماهير المغلوب على أمرها وسينتهي حلم مشروعهم الذي شكل محور حياتهم الطلابيه والعمليه.
لعل حالة اللا يقين هذه قد انتابت غازي صلاح الدين تماما كما انتابت ود ابراهيم وشباب السائحين، وكذلك الطيب مصطفى الذي قد قفز الخط الفاصل في رفضه لقرارات الحكومه الاخيرة. فاجمالا اذا استثنينا الانتهازيين والمكابريين والذين قد إستهوتهم مباهج الحياة فانه لابد ان كل الاسلاميين الحادبيين علي شعاراتهم والذين تم إقصائهم من غنائم السلطه قد أصيبوا بخيبة أمل من التجربة الانقاذية في السودان. والسؤال الذي ننتظر الايام لتجيب عليه هو: هل يصمد الأسلاميون المناهضون للنظام أم يرغمون على التسليم واللحاق بركب الذين أرغموا على ذلك من قبل وأصبحوا ملكيين أكثر من الملك؟ وستكون الإجابه على هذا السؤال جزء من الإجابه على السؤال الذي أثار فضول المراقبين الأجانب: لماذا تأخر الربيع العربي في السودان ؟
Excellent comparison, thank you sir
لا اله إلا الله
لا اله إلا الله