طبقة الموظفين في السياسية السودانية والتصور الفكري لإدارة الدولة والصراع مع الجند

زهير عثمان حمد
طبقة الموظفين في السياسية والتصور الفكري لإدارة الدولة أو قادة الخدمة المدنية وما اثر المستعمر في صناعة طبقة الافندية والصراع مع الجند أو العسكر
في سياحة عبر ناقش مع مجموعة من الأبناء في شرق وجنوب أسيا قلت لهم طرحي هذا
طبقة “الأفندية” أو الموظفين الإداريين في السياسة السودانية ، والمعروفة أيضًا بـ”الخدمة المدنية”، كانت جزءًا أساسيًا من التركيبة التي ساعدت على تشكيل الدولة السودانية الحديثة. تأسست هذه الطبقة خلال الفترة الاستعمارية البريطانية والمصرية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر ، واستمرت حتى استقلال السودان عام 1956م. وكان لهذه الطبقة أثر كبير في تشكيل الفكر السياسي وإدارة الدولة السودانية بالإضافة إلى دور المستعمر في صناعتها وصياغة توجهاتها.
تأثير المستعمر في صناعة طبقة الأفندية
التعليم والإدارة الحديثة
البريطانيون ، الذين حكموا السودان بالتشارك مع المصريين في ما يعرف بـ”الحكم الثنائي”، أدركوا أهمية التعليم لبناء جهاز إداري محلي يساعدهم في إدارة البلاد. ولهذا السبب ، أنشأوا عددًا من المدارس والمعاهد التي تهدف إلى تعليم السودانيين وتدريبهم على الإدارة. كان خريجو هذه المدارس هم الطبقة التي عرفت لاحقًا بـ”الأفندية”، وهم الموظفون المتعلمون الذين عملوا في دواوين الحكومة والمؤسسات الإدارية والخدمية.
كان المستعمر البريطاني يهدف إلى بناء جهاز إداري يعتمد على الطبقة المحلية لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة في إدارة المستعمرات. هذه السياسة ساعدت في إنتاج جيل من السودانيين المتعلمين الذين تمكنوا من الوصول إلى وظائف في الإدارة والخدمة المدنية. رغم أن البريطانيين كانوا يسيطرون على المناصب العليا ، إلا أن الأفندية السودانيين كانوا يشغلون معظم الوظائف الإدارية الوسطى والدنيا.
التوجهات الفكرية والسياسية نتيجة لتعليمهم في مدارس المستعمر واطلاعهم على الفكر السياسي الغربي ، اكتسب الأفندية رؤية سياسية متقدمة نسبياً مقارنة بالطبقات الشعبية الريفية. كان هؤلاء الأفندية غالبًا من النخب الحضرية والمثقفين الذين تأثروا بالأفكار القومية العربية والأفريقية ، بالإضافة إلى مبادئ الديمقراطية والليبرالية الغربية التي تعلموها من التعليم البريطاني.
هذه الطبقة من الموظفين سرعان ما أصبحت جزءًا من النخبة المثقفة والسياسية ، حيث شاركوا في النشاطات السياسية التي أدت إلى الاستقلال. وكانوا من رواد الحركات الوطنية التي طالبت بالاستقلال وإنهاء الحكم الاستعماري.
التأثير على الثقافة السياسية
كانت لطبقة الأفندية تأثير مباشر على تشكيل الفكر السياسي السوداني وإدارة الدولة بعد الاستقلال. هذه الطبقة أصبحت الفئة التي تدير معظم مؤسسات الدولة ، وقد ساعدت في ترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة في السودان مثل السيادة الوطنية ، وحكم القانون ، والمركزية في الإدارة. لكن هذا التوجه نحو المركزية كان له أيضًا تأثيرات سلبية ، حيث أدى إلى تهميش المناطق الريفية والمجموعات السكانية التي لم تحظَ بنفس الفرص التعليمية أو السياسية.
دور الأفندية في بناء الدولة الحديثة
إدارة الدولة بعد الاستقلال
عند استقلال السودان عام 1956م ، كانت طبقة الأفندية قد وصلت إلى مستويات قيادية في الجهاز الإداري. معظم السياسيين والوزراء الذين تولوا السلطة بعد الاستقلال كانوا من خريجي هذه الطبقة. أسس هؤلاء الدولة السودانية الحديثة ، حيث قاموا بتنظيم مؤسساتها الحكومية ووضع أسس الإدارة المدنية. كانوا ينظرون إلى الدولة كمؤسسة يجب أن تخدم مصالح الشعب ، لكنهم تأثروا أيضًا بالبيروقراطية والنظم الإدارية التي ورثوها عن الاستعمار.
الفكر السياسي ودور الأحزاب .
لعبت طبقة الأفندية دورًا كبيرًا في تشكيل الأحزاب السياسية في السودان. العديد من القادة الحزبيين في فترات ما بعد الاستقلال جاءوا من خلفيات تعليمية متقدمة ، وكانوا قد تدربوا على الإدارة والسياسة في ظل الاستعمار. أحزاب مثل “الأمة” و”الاتحادي الديمقراطي” جذبت إليها أفرادًا من طبقة الأفندية ، الذين ساعدوا في صياغة برامجها السياسية والاجتماعية.
كان للأفندية دور في نشر الفكر القومي العربي والإسلامي والاشتراكي في السودان ، خصوصًا مع ظهور الحركات الناصرية والبعثية والشيوعية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ومع ذلك ، كان هنالك انقسام بين الأفندية أنفسهم حول الهوية السودانية : هل السودان جزء من العالم العربي أم الأفريقي؟ هذه الخلافات الفكرية والسياسية أثرت على الاستقرار السياسي في البلاد.
أثر المستعمر على طبقة الأفندية
استمرار الهيمنة الاستعمارية في البيروقراطية
رغم الاستقلال ، ظلت الطبقة البيروقراطية السودانية متأثرة بنمط الإدارة الاستعماري البريطاني. اعتمدت الدولة على البيروقراطية المركزية والسلطوية ، مما أدى إلى تكوين دولة قوية في المركز لكنها ضعيفة في الهامش. هذا التوجه أثر بشكل كبير على العلاقات بين المركز والمناطق الريفية ، خصوصًا في الجنوب ودارفور وجبال النوبة ، حيث شعرت تلك المناطق بالتهميش.
الاستعمار العقلي
يمكن القول إن المستعمر نجح في فرض نوع من الاستعمار العقلي على طبقة الأفندية ، حيث أنهم رغم نضالهم ضد الاستعمار ورثوا مفاهيم الإدارة والسلطة من المستعمر البريطاني. ترك المستعمر إرثًا من التقسيمات الإدارية والسياسية التي عززت الهيمنة المركزية على حساب الأقاليم ، ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد لاحقًا.
التحولات أسهمت في تفشي الفساد الإداري وضعف الدولة. كما أن الخدمة المدنية فقدت الكثير من قدرتها على الأداء بسبب التدخلات السياسية وعدم الاستقلالية.
طبقة الأفندية في السودان كانت نتاجًا للاستعمار البريطاني ، ولعبت دورًا مهمًا في بناء الدولة السودانية الحديثة وإدارتها بعد الاستقلال. رغم الإسهامات الإيجابية في تنظيم الدولة وتأسيس نظام بيروقراطي فعال ، إلا أن هذه الطبقة ورثت نماذج استبدادية ومركزية من الاستعمار ، مما ساهم في تعميق الانقسامات الإقليمية والعرقية في السودان. ومع ذلك ، لا يزال تأثير هذه الطبقة قائمًا في الحياة السياسية السودانية ، مما يستدعي مراجعة وتقييم دورها بشكل نقدي في المستقبل.
الصراع ما بين الافندية والجند أو العسكر في الراهن السياسي وجذره التاريخية
الصراع بين الأفندية (النخبة المدنية أو الموظفين الإداريين) والجند أو العسكر في السياسة السودانية هو أحد التوترات المركزية التي شكلت تطور السودان السياسي منذ الاستقلال وحتى اليوم. هذا الصراع يعكس التنافس على السلطة بين النخبة المدنية المتعلمة التي تعتمد على البيروقراطية والإدارة ، وبين المؤسسة العسكرية التي تستند إلى القوة والسلاح ، وتلعب دورًا محوريًا في السياسة السودانية. لفهم جذور هذا الصراع وتطوره في السياق السوداني ، ينبغي النظر إلى العوامل التاريخية ، الاجتماعية ، والسياسية التي أسهمت في بلورة هذا التنافس. الجذور التاريخية للصراع
الفترة الاستعمارية وتشكيل النخبة
خلال الحكم الاستعماري البريطاني المصري (1899م – 1956م) ، تأسست طبقة الأفندية عبر النظام التعليمي الذي أنشأه المستعمر لتدريب السودانيين على الإدارة والخدمة المدنية. تم تدريب هذه النخبة لتشغل الوظائف الإدارية في الحكومة ، وكانوا يمثلون الطبقة المثقفة التي سعت إلى قيادة البلاد بعد الاستقلال. هذه الطبقة كان لديها ارتباط قوي بالمؤسسات المدنية والبيروقراطية ، وقد تبنت أفكارًا سياسية متأثرة بالقومية العربية ، القومية الأفريقية ، والليبرالية الغربية.
دور الجيش في الاستعمار وما بعد الاستقلال
في المقابل ، كان الجيش السوداني منذ نشأته في فترة الاستعمار يُستخدم كأداة لحفظ النظام ومساندة الإدارة الاستعمارية. الجيش لم يكن يلعب دورًا سياسيًا في تلك الفترة بقدر ما كان قوة تنفيذية لحماية مصالح الدولة الاستعمارية. بعد الاستقلال ، ومع ضعف المؤسسات الديمقراطية السودانية وانقسامات الأحزاب السياسية ، أصبح الجيش يرى نفسه مؤهلاً لحماية الدولة وتوجيه مسارها.
مرحلة ما بعد الاستقلال: ظهور التوترات بين الأفندية والعسكر
الحكومات المدنية القصيرة الأجل والانقلابات العسكرية
بعد الاستقلال في 1956م شكلت النخبة المدنية التي خرجت من طبقة الأفندية حكومات ديمقراطية متعاقبة. ولكن عدم الاستقرار السياسي ، والصراع بين الأحزاب السياسية ، والمشكلات الاقتصادية ، جعل تلك الحكومات ضعيفة وغير قادرة على تلبية تطلعات الشعب.
في هذا السياق ، رأى الجيش أنه يمتلك القدرة على تصحيح المسار السياسي ، فقامت المؤسسة العسكرية بانقلابين رئيسيين في السودان : الأول بقيادة الفريق إبراهيم عبود عام 1958م ، والثاني بقيادة جعفر نميري عام 1969م. هذه الانقلابات كانت تعبيرًا عن تحول في ميزان القوى بين النخبة المدنية والعسكرية ، حيث استولت المؤسسة العسكرية على السلطة بحجة حماية البلاد من الانقسامات والفوضى السياسية.
تضارب الرؤى حول إدارة الدولة
النخبة المدنية (الأفندية) كانت تسعى لبناء دولة مؤسسات ديمقراطية تعتمد على نظام برلماني يقوم على التعددية الحزبية. بينما كانت المؤسسة العسكرية (العسكر) ترى أن البلاد تحتاج إلى قيادة مركزية قوية تحفظ النظام وتضمن الاستقرار ، حتى ولو على حساب الديمقراطية.
هذا الصراع بين الرؤيتين كان أحد أسباب الانقلابات العسكرية المتكررة التي شهدها السودان. في كل مرة كانت النخبة المدنية تحاول العودة إلى الحكم عبر الانتخابات ، كان الجيش يتدخل متذرعًا بضرورة حفظ الأمن القومي والاستقرار.
أهم محطات الصراع بين الأفندية والعسكر
انقلاب إبراهيم عبود (1958م – 1964م)
كان انقلاب إبراهيم عبود عام 1958م هو أول انقلاب عسكري في السودان بعد الاستقلال. عبود مثل مرحلة مهمة في انتقال السلطة من المدنيين إلى العسكر ، حيث ألغى الحكومة المدنية وأقام حكمًا عسكريًا مباشرًا. حكم عبود استمر حتى 1964م حين أُسقط إثر ثورة أكتوبر الشعبية التي قادتها الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، وتحديداً الطبقة الأفندية والمثقفين.
انقلاب جعفر نميري (1969م – 1985م)
جعفر نميري قاد انقلابًا عسكريًا آخر عام 1969م بدعم من القوى اليسارية والقومية. خلال حكم نميري ، تأرجح السودان بين التوجهات الاشتراكية القومية والإسلامية ، ولكن نظامه تميز أيضًا بالصراع المستمر بين القوى المدنية والعسكرية. نميري حكم البلاد بقبضة عسكرية حتى أُسقط في انتفاضة شعبية عام 1985م ، بقيادة النقابات وطبقة الأفندية.
انقلاب عمر البشير (1989م – 2019م)
في عام 1989م ، قام عمر البشير بانقلاب عسكري مدعوم من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي ، وأسقط الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا بقيادة الصادق المهدي. حكم البشير استمر ثلاثين عامًا وكان مثالًا على التحالف بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين ، مما أدى إلى تعميق الصراع بين المدنيين والعسكر. حكم البشير انتهى بثورة شعبية في 2019م ، قادتها قوى الحرية والتغيير المكونة من تحالفات سياسية ومدنية أبرزها طبقة الأفندية والمثقفين.
الراهن السياسي : الصراع المستمر بعد ثورة 2019م
بعد سقوط نظام البشير في 2019م ، تم تشكيل حكومة انتقالية من المدنيين والعسكريين. هذا التحالف الهش بين المجلس السيادي الذي يسيطر عليه العسكريون وبين الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك يعبر عن استمرار التوترات بين الأفندية والعسكر. المدنيون يسعون لبناء نظام ديمقراطي يقوم على سيادة القانون ، بينما العسكريون يرون أنفسهم حماة السيادة الوطنية ويمتلكون القوة للتدخل
عند الحاجة.
اتفاقات تقاسم السلطة
اتفاقات تقاسم السلطة بعد ثورة 2019م حاولت خلق توازن بين الطرفين ، ولكن سرعان ما ظهرت التوترات حول مسائل حيوية مثل الإصلاحات الاقتصادية والعلاقات الخارجية وإعادة هيكلة الجيش. هذا أدى في نهاية المطاف إلى انقلاب عسكري جديد في أكتوبر 2021م بقيادة عبدالفتاح البرهان ، والذي أطاح بالحكومة المدنية.
المقاومة المدنية وعودة الأفندية بعد الانقلاب العسكري ، خرجت مظاهرات شعبية واسعة تقودها القوى المدنية ، لا سيما النقابات المهنية ، وطبقة الأفندية التي كانت في طليعة الاحتجاجات ضد الحكم العسكري. هذه القوى طالبت بعودة النظام المدني والديمقراطية ، مما يعكس استمرار هذا الصراع بين رؤية الأفندية للدولة الديمقراطية ورؤية العسكر لدورهم كحماة للأمن والاستقرار.
جذور الصراع وأبعاده الفكرية
الصراع بين الأفندية والجند ليس فقط صراعًا على السلطة ، بل هو أيضًا صراع فكري حول طبيعة الدولة وإدارة الحكم. الأفندية ، بصفتهم نخبة متعلمة تأثرت بالفكر الليبرالي والقومي ، يرون أن الدولة يجب أن تُدار عبر مؤسسات مدنية ديمقراطية تضمن المشاركة الشعبية والحريات العامة. بينما العسكر ، الذين يستندون إلى القوة والقدرة على فرض النظام ، يرون أنفسهم حماة الدولة من الفوضى والانقسامات.
الصراع بين الأفندية والعسكر في السودان يمتد عبر التاريخ منذ الاستقلال، ويعبر عن التوترات الهيكلية في الدولة السودانية بين النظام المدني والديمقراطي من جهة ، والنظام العسكري المستند إلى القوة من جهة أخرى. هذا الصراع أدى إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية ، وهو لا يزال حاضرًا حتى اليوم في الراهن السياسي ، حيث يتنافس الطرفان على تحديد مستقبل السودان في مرحلة ما بعد الثورة. الحل لهذا الصراع يتطلب بناء مؤسسات قوية تحترم دور كل طرف ، وتضمن التوازن بين المدنيين والعسكريين في إدارة الدولة.
( الحل لهذا الصراع يتطلب بناء مؤسسات قوية تحترم دور كل طرف ، وتضمن التوازن بين المدنيين والعسكريين في إدارة الدولة.)
و دا يتعمل كيف الآن؟
وجبة الفطور مهمة اطعم الفم تستحي العين