مقالات وآراء

حكّموا ضمائركم وعواطفكم !!! (١ – ٢)

دُنْيَا دَبنْقَا

د. نور الدين بريمة

 

قبْل إبتدار زاويتي الدبنقاويّة هذه، والكتابة في موضوع العنوان أعلاه والإسترسال فيه، أود التأكيد على ما هو مؤكد، بأن السودان زاخر بالتنوع والتباين الإثني، الثقافي، الإقتصادي والإجتماعي … الخ، فأهل دارفور ظلوا منذ غابر الزمان، يمارسون سلطتهم الثقافيّة في الحُكم والإدراة، ولهم في ذلك قيم وحِكم وأمثال شعبيّة، يمتثلون إليها ويحتكمون لها في فضّ المنازعات والخلافات، قالوا في إحداها: (دُنيا دَبنْقا دَرْدُقُو بِشِيشْ)، فأخذت من جزئها الأول، عمودًا ثابتًا، أكتب من خلاله ما أراه معلومة أو رأيًا أو تحليلاً لمجريات الأمور.

بالتالي نقول للذين لا يدركون معنى الكلمة الثانية من جملة (دُنْيَا دَبنْقا) : إن الدبنقا عبارة عن حافظة فخاريّة إدّخاريّة، يقمن بصناعتها الأمّهات والحبوبات من طين لازب، في داخل مساكنهن (القطيّة) قبل تشييد الأخيرة، يحفظن فيها محاصيلهن من الحشرات والتلف، مثلها مثل صوامع الغلال، إحدى المعالم التاريخيّة لمدينة القضارف المضيافة، أو مثلها والمطامير التي يتم حفرها في باطن الأرض، لذات الغرض، فالدبنقا بالطبع يصعب (دردقتها)- أي- سحبها أو تحريكها إلى أي مكان، دون إعمال قوّة العقل لا قوّة الجسد فقط، لذلك شبّهها أهلها بحال الدنيا التي لابد من إدارة شؤونها : بحكمة، تأنّي، رويّة وتُؤدة، حتى لا يفقد مستخلفيها ما عندهم من خير ونعيم، يحيلونه إلى رماد تذروه رياح التنازع.

بعد تلك المثاقفة التراثيّة، دعونا نرتحل معًا إلى واد ذي زرع وخضرة، له إرتباط وثيق بالشعب السوداني، وهو من أكثر الشعوب غنىً وثراءًا بالأمثال والحِكم الشعبيّة- الإيجابيّة منها والسلبيّة- بيْد أنه من أكثرها إفتقارًا، وأقلها إدراكًا ومعرفة لمعانيها، أو ممارسة وتسلكًا بها، وإعمالاً لمعانيها، لذا غالبُا ما يقعون في فخ المشكلات، علمًا بأنها- أي الحِكم والأمثال الشعبيّة، خاصة الإيجابيّة منها- تحث الناس على: التحابب والتوادد والتآخي، تجعلهم يعيشون في سلام ووئام، وتعمل على تنمية عقولهم وتوسيع مداركهم بشكل أفضل.

بذات القدر ينبغي لنا أن نضع في الإعتبار وجود أمثال وحِكم شعبيّة، تتطلب الحيطة والحذر من التعاطي معها، لأنها سالبة وهادمة للقيم، بل حاضّة على التنابذ والتباغض والتناحر، علاوة على إعلاء السخريّة والنرجسيّة- أي- تقليلاً من الآخر المختلف، لأنها بمثابة خِنجر مسموم، تعمل على نحر النسيج الإجتماعي، إن لم نتعاطى معها بوعي وإدراك، فهي عبارة عن مدوّّنة أو دستور إعتقادي لمن لا يدرك مآلاتها ونتائجها، والمستقرئ لواقع ااسودانيين، يلحظ أن كثيرًا منهم يستهزؤون من بعض الثقافات، ولا يعيرونها إهتمامًا، غير آبهين بها أو متمعّنين لمعانيها، أو جاعلين إيّاها سبيلاً وهاديًا وبلسمًا شافيًا لجراحاتهم، سيّما وأنها تعتبر من أساسيات المعاملات بين الناس ومسلكيّاتهم، وفق منظور تفسيري وتدبيري للواقع.

مثلما ذكرت في المقدمة، أعود ثانية إلى دعوة تذكيريّة، بأن أهل دارفور معروفين بهذه الحِكم والأمثال الشعبيّة، مولعين بها كذلك، مدركين أن لكل قضيّة أو مشكلة نفّاجًا للحل، أو كما أبانوا في إحدى أمثالهم، قائلين (كلّ شُوكايْ بسِلّو بدرْبو)، وهي أن الإنسان عندما يُشاك بشوكة، لا يمكن إخراجها إلا بالطريق التي شاكته، وفي ذلك دلالة واضحة بأن لكل مشكلة طريقتها في الحل، حيث إن أساسيّات المعاملات بين الناس ومسلكيّاتهم، تحدّدها تلك القيم، وفقًا لمنظور تفسيري وتدبيري للواقع.

إذًا للحروب والصراعات حكايات وقصص مرتبطة بها، قد ينوء عن حملها ذوي القوّة، دون إغفالنا لمسارات الحرب الدائرة الآن في وطننا- علّها تكون الأخيرة- لما لها- بالتأكيد- من تأثيرات على الجميع، أي على الذين ما زالوا في داخل الوطن، إما نازحين هائمين على وجوههم، أو ضاقت بهم الحياة وهم داخل بيوتهم، أو الذين تركوها غصبًا، فجاسوا خلال الديار، لاجئين مشرّدين في بلاد الدنيا- ونحن منهم- هنا بالطبع في يوغندا نسأل الناس إلحافًا، أعطونا أو منعونا.

نواصل ..

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..