دولة 56 في ريف الجزيرة

خالد فضل
مشروع الجزيرة كما هو معلوم لكثير من السودانيين , تم تأسيسه على يدي دولة 1898م , وقد ورثته دولة 1956م من دولة المؤسسين العظام , ومع توالي السنوات , وتقلّب أنظمة الحكم في دولة 56 ظلت أوضاع المشروع تسير نحو الهاوية مع كل عهد غابر من عهود تلك الدولة الغاشمة فعلا. حتى جاء عهد إسلاميي الإستبداد والفساد المسمى بالإنقاذ , فاطلقوا على المشروع رصاصة الرحمة بعد أن أنهكوا جسده وعطلوا وظائف أعضائه كلها . ومن تجربتي الشخصية في الموسم الشتوي للعام 23_2024م تكلفة زراعة ( 2) فدان من محصول الكبكبي , 600ألف جنيه سوداني , الإنتاج 13جوال فقط , سعر الجوال 60 ألف جنيه , أي 780ألف ج , الأرباح من نوفمبر حتى مارس 180 ألف ج , بمعدل 45 ألف جنيه في الشهر , معظم المزارعين في قريتنا حصلوا على نفس النتيجة أقل أو أكثر قليلا , ومع ذلك عندما داهمتهم قوات الدعم السريع , وغالبية أفرادها من الشباب صغار السن معظمهم من بادية دارفور وكردفان _ حسب معرفتي المتواضعة بلهجات أهلنا هناك وقد تحدثت مع بعضهم _ عرفت لاحقا أن منهم من يتحدث عن دولة 56 التي منحت أهلنا في ريفي الجزيرة امتيازا عليهم , ولهذا عمدوا إلى المحاصيل الزراعية الشحيحة التي أنتجها المزارعون ونهبوها من مخازنهم تحت تهديد السلاح , واتجهوا إلى زرائب مواشيهم التي ورثوها في الغالب أبا عن جد , فنحروا منها ما شاءوا ونهبوا البقية , ثم نهبوا الأثاثات المنزلية والأواني من المطابخ , والملابس من الدواليب , وكل ما وجدوه في البيوت المستباحة أمام أعين أصحابها . بالنسبة لي أتفهم دوافع هولاء الشباب , وتفهمي لا يعني أبدا موافقتي على هذا السلوك الوحشي والبربري , كنت وما زلت أرى أنّ هولاء الشباب الصغار هم ضحايا , يتماهون في شخصية الجلاّد , تنطبق على معظمهم على الأقل سايكولوجية الإنسان المقهور , وهي سايكولوجية معطوبة كما يقول علم النفس , وتكون أشد قسوة ضد من يقعون تحت قهرها لكن ما هي أسباب ما هم عليه الآن من وحشية ؟ أول هذه الأسباب في تقديري غياب خدمات التعليم والتدريب الحديث وفرص التأهيل والترقي المهني وفرص العمل وفق القدرات والإعداد الجيد , أتصور أنّ مئات الآلاف من هولاء الشباب لو وجدوا في ما يسمى الوطن , عقولا نيّرة , وأفئدة رحيمة , وفكرا صالحا ناضجا , وجهدا حقيقيا لتنمية البلاد الواسعة الشاسعة الغنية بالموارد كما يقال , لكان معظمهم الآن من أرباب المهن المدنية أو حتى العسكرية الراقية والمنضبطة والمحفزة , ولكان غالبيتهم وهم في هذه الأعمار الغضة طلابا في سوح الجامعات الفتية أو المعاهد التعليمية المميزة , ولما كانوا بحاجة إلى الثأر من دولة 56 ممثلة في أهلهم البسطاء من مزارعي مشروع الجزيرة . أتفهم هذا , دون أن أوافق على سلوكهم بالطبع , فالمعلّم الذي درس في كلية التربية , يعرف أن بعض طلابه من الكسالى أو المشاغبين , لا يحتاجون إلى الردع والسوط والعصا لمن عصا لأنهم (بليدين) أو قليلين أدب بل يحتاجون إلى تفهم أكثر , ورعاية خاصة , وكاد المعلم أن يكون رسولا عبارة مستحقة في حق المعلمين الحقيقيين , وسيدنا نوح عليه السلام لم ييأس من قومه لأكثر من 900سنة كما تقول قصص الأنبياء .
سأقول لمن هم في عمر أبنائي في قوات الدعم السريع , إنّكم تسعون في حربكم على إزالة الغبن الإقتصادي والإجتماعي وخطل سياسات وبرامج وعقلية دولة 56 بكل مآخذها التي لا أختلف عليها معكم كثيرا , لكنكم تنتصرون ضدها في المكان الخطأ وضد الناس الخطأ من أهلكم . ولو علمتم كيف أسس هولاء القرويون قراهم لنقلتم تجربتهم إلى فرقانكم وقراكم عوضا عن تحطيم القليل الموجود . يشهد الله أن أهل قريتي ؛ وهذا علم اليقين بالنسبة لي , جددوا بناء مدارسهم الإبتدائية والنادي الرياضي الثقافي والشفخانة التي ورثوها من دولة 1898م في الحقيقة ؛ فقد تأسست في غضون الأعوام 46 _ 1948م وشادوا مسجدهم وجلبوا ألواح الطاقة الشمسية لآبار مياههم , ومركزهم الصحي , بالتبرعات , وإقتطاع الأموال من مواردهم الذاتية , تجار وموظفين وعمال ومزارعين ومغتربين نساء ورجال كبار وصغار وشباب في مثل أعماركم وأصغر , لم تمنحهم دولة 56 سوى الوعود الكاذبة , والإستهبال السياسي المغلف معظم الأحيان بثوب الإسلام , وأطول العهود هو عهد دولة الإسلام السياسي ذات الآثار السالبة حتى يومنا هذا . ومن أفدح آثامها تضييع أجيال كاملة من شباب /ات السودان , وما تكوين المليشيات نفسه إلا نذر من تلك الآثام الجسام , وتواصل عقلية دولة 56 ذات المنوال والسير على دروب التهلكة والضياع للشباب خاصة عبر الزج بهم في محرقة حروبهم البائسة , بمليشيات المجاهدين والمستنفرين والمقاومة الشعبية , ليقارعوا أندادا لهم صدف أنهم ضحايا مثلهم , أي حرب الضحايا ضد الضحايا ليقهقه سدنة الفساد وأرباب السوابق في الإجرام وهم يرون شباب البلاد ؛ الذي اقتلع أعتى ديكتاتورية فساد منذ الإستقلال يقاتلون ويقتلون في محرقتهم التي أشعلوها , ليعود قائد التيار الإسلامي العريض إلى سدة الحكم والتسلط , لم تكفه وشرذمته أكثر من أربعين عاما من الهيمنة والإستحواز . إنها عقلية دولة 56 فعلا التي تجعل الحكم امتيازا خاصا لأفراد أو شلليات على أسس جهوية وعرقية وثقافية وتنظيمية بل ومهنية ؛ كما نلحظ في احتكار العسكريين للسلطة لأكثر من 55سنة من أصل 68 سنة على الإستقلال , دون إكثراث أو معرفة وتأهيل بواجباته , وبدون وجود دستور دائم , ومبادئ هادية راسخة , فكانت النتيجة التي نعيشها الآن , حروب مستمرة , وتخريب فاق حد التصور , وتحول معظم سكان البلد إلى نازحين ولاجئين ومشردين ومسلحين يكرهون بعضهم بعضا ويذبحون ويبقرون البطون ويلوكون الكباد ويبيدون البشر على الهوية . القرويون في ريف الجزيرة ضحايا بامتياز للجبروت والتسلط والإستبداد الذي دمر حياتهم وبدد سبل عيشهم خلال سنوات حكم الإسلاميين بصورة خاصة , ليأتي مسلحو الدعم السريع الآن يأخذون الثأر من الباطش العام _ أي الدولة العسكرية الفاشلة _ من ضحاياها أنفسهم . المسألة تحتاج إلى تفكير أعمق من هتاف (بل بس) أو جغم !! .
جنجويد رباطة اولاد حرام وزنا تربية كيزان….
دولة ٥٦ المفترى عليها !
يعاني اغلب السودانيين من ما يسمى بالتهميش الاقتصادي و الخدمي و الأمني منذ نال هذا البلد استقلاله في العام ٥٦ و كانت لذلك اسباب قد يعرفها البعض و قد يجهلها كثير من الناس فالانقلابات العسكرية و ما صحبها من فساد إداري و الحروب الاهلية كانت السبب في تعطيل مسيرة التنمية و في تقديم الخدمات لكثير من مدن السودان ناهيك عن القرى او الفرقان . انتفض الشعب السوداني على الظلم و على الفساد و على تلك الدكتاتوريات و حققنا انجاز لم نحافظ عليه فكان يحاك للديمقراطية الكيد السياسي بالتظاهرات و الاعتصامات و كان ما يمكن ان نسميه ( الفوضى السياسية التي استغلت الحريات العامة التي وفرها النظام الديمقراطي استغلال سئ ) عضد للحرب الاهلية التي كانت في جنوب السودان و التي كانت تدير طواحينها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرن مما ادى الي ضعف الأداء في آخر ديمقراطية . شريكي نيفاشا لاحقا كانا هم السبب في إسقاط الديمقراطية و في تمزيق السودان لو اعدنا قراءة تاريخنا او عدنا للوراء قليلا . فالحركة الشعبية لم تعلن عن إيقاف وقف إطلاق النار بعد ثورة ٨٥ و لم تستجيب للمناشدات لإيقاف حمامات الدماء في تلك الحرب التي انهكت النظام الديمقراطي و استنزفته و كانت الجبهة الإسلامية و هي القوى الثالثة في البرلمان تدبر انقلابها على الشريعة الديمقراطية ساعدها في ذلك ايضا اليسار السوداني الذي ما فتئ و لم يتوانى في تنظيم التظاهرات و الاعتصامات حتى نجحوا جميعا في إسقاط الديمقراطية .
و دخلت البلاد عهد جديد من الظلام و الهوس السياسي الإسلامي و التخبط الذي اشان و شوّه صورة الإسلام كدين و كدولة و كرسالة قبل ان يشوّه صورة السودان .
اندلعت الحرب في دارفور و بسبب تخبط النظام الثيوقراطي و الفاشي العسكري بسبب احتجاج قله من شباب دارفور لم يبلغوا من النضج السياسي الكافي و يعوا ان السلطة هي سلطة انقلابية و عسكرية و لا تعرف سبيل للحلول السياسية و كان ما كان من تدابير عسكرية و امنية و تخبط ادى إلى ما ادى الي قتل مئات الآلاف من النفوس البريئة و صحب ذلك ( سياسات النظام في اقليم دارفور ) من تقسيم الاقليم لثلاث ولايات مما نجم عن ذلك خلل واضح في الأداء الحكومي و تبديد كل الميزانيات لصالح الدستوريين بدلا من الخدمات . ضف على ذلك ايضا تسييس الإدارات الاهلية و خطابات سياسية و ( جوقات و حوبات ) أججت الصراع الاثني في هذا الاقليم و المضطرب أصلا بسبب الصراعات الاثنية ( عقدت ٢٧ مبادرة صلح في حواضر دارفور من الفاشر لنيالا قبل الديمقراطية في ٨٦ ! ) .
شريكي انقلاب ٢٥ اكتوبر ( الكيزان و الدعم السريع ) هما سبب الحرب الدائرة الآن و في الدمار الهائل بغض النظر عن اي رواية فيما يسمى ( الطلقة الأولى ) و هما السبب في اعادة السودان لمئات السنين و مسئولين عن ما نتج و ما تنتجه من تداعيات جسام على كل الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الامنية .
ان مقالتك التي انقلبت على كل المفاهيم و المصطلحات و التي كشفت لنا النتيجة الحتمية التي كنا نتوقعها بسبب الحرب في الجزيرة ! من انقلاب على الولاء الوطني بدلا من المناطقي و العنصري البغيض فلم نسمع عن دولة ٥٦ او ما شابه ذلك قبل هذه الحرب من كل الكتاب ( الجزيرابية ) من أكاديميين و صحفيين و أدباء و غيرهم .. كانت الجزيرة العاصمة الأولى و الثانية لكل السودانيين و سوف تظل ان شاءالله .
ياكاتب المقال
نعم هم ضحايا الجهل وعدم وجود الخدمات
ولكن اين الاخلاق التى لاتحتاج الى مدارس او جامعات
اين الاخلاق وهم يغتصبون ويهينون ويذلون النساء
اين الاخلاق وهم يجلدون كبار السن من الرجال بالسياط
اين الاخلاق وهم ينهبون الفقراء تحت تهديد السلاح.
اسال الله ان يهلكهم ففى هلاكهم خير للعباد والبلاد
واسال الله ان يجنبنا شرور الكيزان والقحاتة
التوقيع : مواطن سودانى لاينتمى لاى جهة سوى الوطن
نعم شعار دولة 56 لم يظهر إلا فى هذه الحرب، هو شعار دولة السودان الجديد الذى استخدمه قرنق ليبرر به حربه على شمال السودان. وقد أتى به رأس الحية ياسر عرمان ربيب قرنق لاعادة توظيفه كمبرر لانقلاب 15 ابريل. هذا الشعار وغيره من شعارات التهميش و المركز والهامش والمواطنة المتساوية وغيرها عبارة عن شعارات لخلق بيئة الكراهية والفتنة والعنصرية والجهوية من أجل التمرد والانقلاب إذ ليس لها اصل فى واقع السودان الذى يعيش أكثر من 97%من سكانه تحت خط الفقر حسب احصاءات البنك الدولى.