إلا عزرائيل !!

زهير السراج

* لا يمكن أن نقارن دولة شمولية سلطوية متخلفة تخصص ثلثى ميزانيتها لحماية حكامها، بدولة ديمقراطية عريقة تحترم شعبها وتخصص معظم ميزانيتها لتقدمه ورفاهيته، ولكننا نجد انفسنا مضطرين فى بعض الاحيان لعقد بعض المقارنات حتى يتضح لنا بشكل جلى الخداع الذى نمارسه على انفسنا عندما ندعى أننا نحترم الشورى والديمقراطية والحوار !!

* فى أية دولة ديمقراطية، فإن سقوط خطاب الحكومة أو الميزانية فى البرلمان يعنى سقوط الحكومة بشكل تلقائى، وسرعان ما تحمل الانباء تقديم رئيس الحكومة لاستقالته، وهنالك مئات الأمثلة التى يمكن أن تضرب فى هذا المقام، ويخجلنى والله أن أضرب مثلا باستقالة رئيس الوزراء البريطانى (كاميرون) عندما صوت الشعب البريطانى ضد رغبة حكومته فى بقاء بلاده فى الاتحاد الاوروبى، فكان ان تقدم (كاميرون) باستقالته على الفور رغم أن الدستور لا يلزمه بذلك، ولا يلزمه بالاستجابة لنتيجة الاستفتاء، ولكنه نوع من الاحترام للنفس قبل أن يكون إحتراما لرغبة الشعب، واحتراما للنظام الديمقراطى !!

* ولكن عندنا فالأمر مختلف جدا، فالحاكم يظل باقيا فى منصبه، معززا مكرما، حتى ولو سقط هو نفسه داخل البرلمان، وليس فقط خطاب أو ميزانية حكومته، بل إنه يجد المؤازرة والمساندة والدعم الصريح، فيمد لسانه ساخرا من الجميع !!

* قبل بضعة أيام سقط خطاب حكومة ولاية الجزيرة فى المجلس التشريعى للولاية، وكأن شيئا لم يحدث، فلا يزال والى الجزيرة وحكومته يجلسون على مقاعدهم لا يزحزحهم منها إلا الموت، فما فائدة هذا المجلس ولماذا تنفق عليه الأموال الباهظة من عرق الشعب المسكين، رغم شح السيولة والانهيار الاقتصادى والأزمة الطاحنة التى تشهدها البلاد، ولماذا وجد فى الأساس، إذا لم تكن قراراته قابلة للتنفيذ، وإذا لم يكن يملك الحق فى محاسبة وإسقاط الحكومة، خاصة فى امر جلل كانتهاك قانون الميزانية، وهو فى بعض البلاد لا يؤدى فقط لسقوط الحكومة بل محاكتمها ومعاقبتها بالسجن .. أما هنا فالذى ينتهك القانون، نصيبه الثناء والترقى والبقاء على ظهر الشعب لا يتزحزح عنه قيد أنملة إلا عندما يزحزحه عنه مَلك الموت !!

* فى مخاطبته لجماهير الجزيرة قبل سقوط خطاب حكومتها فى المجلس التشريعى، أثنى رئيس الجمهورية على والى الجزيرة، وقال إنه سيبقى فى منصبه ولن يغادره إلا إذا اراد الله أو اراد الشعب، ولقد أراد الشعب ممثلا فى المجلس التشريعى للولاية أن يغادر الوالى بسقوط خطاب حكومته، فلماذا بقى الوالى فى منصبه، وأين ذهبت إرادة الشعب ؟!

* لو كان لوالى الجزيرة ذرة من حياء لاستقال من المنصب، ولكنه لم يستقل، فلماذا لا يقال تحقيقا لارادة الشعب، إن كان هنالك بالفعل إحترام لإرادة الشعب، أم أن هذه الأرادة مجرد كلام فى الهواء الطلق لا يمكن ان يصبح حقيقة فى يوم من الأيام إلا فى أحلام العصافير، وخيال السذج والمخدوعين والموهومين !!

* ولو كان لاعضاء المجلس التشريعى لولاية الجزيرة ذرة من حياء، أو قليل من الاحترام للشعب الذى يمثلونه، أو للوظيفة التى يؤدونها، لاستقالوا من مناصبهم عندما ظل الوالى باقيا على مقعده، ولم يستقل ولم يُقل تحقيقا لارادة الشعب !!

* قارنوا ايها السادة، ولو أنه لا مجال للمقارنة، بين ما يحدث فى أية دولة تحترم الديمقراطية، وأخرى لا يسقط فيها الحاكم إلا بالموت، أو بالارادة الوهمية لشعب لا إرادة له فى نظر من يجثم على صدره، وربما لم يكن له وجود فى نظر هذا الجاثم، دعكم من إرادته!!

الجريدة
[email][email protected][/email]