فجوات النقد الأجنبي المتوقعة حال غياب بترول الجنوب

الخرطوم- نازك شمام
استقبل المشتركون في خدمة الرسائل القصيرة التابعة لوكالة السودان للأنباء رسالة على الهاتف المحمول مساء الخميس في حوالي الساعة العاشرة، وجاء في نص الرسالة: (رئيس الجمهورية يوافق على تخفيض رسوم عبور بترول الجنوب) فسارع عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي إلى موقع وكالة سونا للأنباء غير أن الخبر لم يكن قد نشر في الموقع.. بعد فترة نزل ذات الخبر وبعد قليل تم سحبه، ثم نشر خبر بنص مغاير: (أصدر المشير عمر البشير أمس الخميس قرارا قضى بمراجعة الإجراءات المالية والانتقالية مع دولة جنوب السودان وتخفيضها على أن يتولى الفنيون بحث تنفيذ القرار).
يبدو الخبران قريبين في المعنى وإن اختلفت الصياغة، ولكنهما من الأهمية بمكان، فالتداعيات المتسارعة التي تشهدها أسعار النفط جعلت من أخباره مادة دسمة يتغذى عليها الإعلاميون صباح مساء، ولا غرو أن معظم وسائل التواصل الاجتماعي قد قتلت الخبر بحثا وتنقيبا من قبل المهتمين بالشأن السياسي قبل الاقتصادي، إلا أن للخبر مغزاه ومعناه الكبير؛ ففي الأسبوع الماضي وفي معرض حوار لصحيفة (الراية) القطرية التي دفعت بسؤال لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود عن الاتفاق بين السودان وجنوب السودان بتعديل رسم نقل بترول الجنوب عبر الأراضي السودانية أجاب بأن هناك اتفاقية تحكم الرسم ولم يتم تعديلها أو التفاوض حولها بعد أن وقعت في سبتمبر 2013 وبالرغم من أن محمود يقر بمواجهة جنوب السودان لمشكلة إنتاج النفط مع انخفاض أسعاره إلا أنه يؤكد أن السودان ملتزم بهذه الاتفاقية ويتمنى أن تتوفر الإرادة لتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية..
بالطبع فإن الوزير لم يرد أن يعطي ضوءا أخضر لمطالبة جوبا والتي حملها وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين إبان زيارته الأخيرة للخرطوم بضرورة تخفيض رسوم عبور نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية بعد انهيار أسعار النفط وتدنيها لتصل في بعض الأحيان إلى ما دون 30 دولارا، علما بأن جوبا ووفقا للاتفاق المبرم بينها والخرطوم عليها أن تدفع مبلغ 9.5 دولار رسوم عبور و15 دولارا للترتيبات المالية الانتقالية، وهذا لإنتاجها البالغ 160 ألف برميل يوميا وهو كل ما تنتجه جوبا بعد اضطراباتها الأمنية الأخيرة وتوقف إنتاج حقول الوحدة.
ما صرح به وزير المالية في الدوحة جاء رد فعله قويا من جوبا بعد أن حذرت وزارة النفط والتعدين بجنوب السودان من الاتجاه نحو إيقاف ضخ النفط في خطوط الأنابيب وإغلاق حقول الإنتاج حال رفضت الخرطوم تخفيض رسوم العبور تبعا لانهيار أسعار النفط عالميا.
وبحسب ما نشر في عدد من الوكالات العالمية فإن وزارة النفط والتعدين بالجنوب بعثت برسالة إلكترونية مفصلة إلى وزارة النفط السودانية تدعوها للنظر في رسوم العبور بعد تدني أسعار النفط العالمية، الأمر الذي يشي باندلاع حرب النفط بين الخرطوم وجوبا وهي حرب ليست غريبة على البلدين، فقبل الانفصال وبعده كان النفط مثار الجدل الكبير بينهما إلا أن الدبلوماسية بدأت هذه المرة في لعب دورها فلم تمض أيام قلائل حتى جاء القرار الرئاسي بإعادة النظر في الإجراءات المالية الانتقالية والذي هو بمثابة تهدئة للجو الذي غام بين الخرطوم وجوبا.
وللاستمرار في هذه التهدئة فإن ثمة مفاوضات تجري يبدو ربما كان وزير المالية لا علم له بها، ففي العاصمة الهندية نيودلهي وعلى هامش مؤتمر النفط والغاز اتفق د. محمد زايد عوض ونظيره في دولة جنوب السودان على استمرار التعاون النفطي بينهما بعد أن كشف الأخير مساعي بلاده لإعادة حقول الوحدة إلى الإنتاج مرة أخرى وأمن الطرفان على التعاون الفني والاقتصادي كما جاء في التصريح الذي عممته وزارة النفط مساء أمس (الجمعة) ولعل الخبر وإن كان قليل التفاصيل فبين كلماته تأكيد على رضوخ الخرطوم لطلب جوبا إذعانا للقرار الرئاسي حتى لا يدخل الطرفان مرة أخرى في حرب النفط التي تعتري الدولتين كلما باعدت بينهما السياسة والمصالحة الاقتصادية.
مراقبون للشأن النفطي يؤكدون على أن إيقاف ضخ نفط جنوب السودان لا يصب في صالح البلدين على حد سواء فالاقتصاد الجنوبي المعتمد على النفط بشكل أساسي قد يتعرض لهزة كبيرة في خضم التداعيات السياسية القائمة في البلاد واحتياجها لكل الأموال التي تأتي من تصدير النفط مهما قلت.. وعلى ضفة النهر الأخرى تبدو الخرطوم أكثر حاجة للإيرادات الآتية من رسوم عبور نفط الجنوب عبر أراضيها لحاجتها الماسة لسد عجزها الكبير وفجوة النقد الأجنبي التي قد يخلفها إيقاف ضخ جوبا للنفط علاوة على تخوفها من أن تؤثر الخطوة تأثيرا بالغا على أسعار الصرف في أسواقها غير الرسمية.
ويوضح عدد من المراقبين أن النفط ورغم نزاعاته المتكررة فإن بعض الأصوات تأمل في أن يكون على المدى البعيد عنصرا لوحدة البلدين مرة أخرى
اليوم التالي
المبارة 0-1 الشوط الأول.
حكام الخرطوم دائماً يتعاملون مع القضايا المطروحة باستخفاف وعدم مسئولية واذلك جاء رد وزير المالية السوداني خالياً من أي لباقة أو حصافة وعقلانية في تناول الأمر. وهم يتعاملون مع الجنوب بنزعة كيدية حتى ولو ترتب على ذلك الاضرار بهم. ولكن الأمر على درجة عالية من الخطورة بالنسبة لهم هذه المرة على عكس ما كان عليه الوضع في عام 2011م حين سمحوا للجنوب بوقف انتاج النفط فلم تعد دولة قطر تعطيهم الأموال التي كانوا يحصلون عليها في عملية شحدة ذليلة لا تليق بدولة تحترم نفسها وكرامتها.