أسئلة التغيير في السودان بين ضمانات المعارضة وتعاون النظام

منذ إنقلاب الإنقاذ وطوال الأربعة وعشرين سنة الماضية ظلت الأحوال في السودان تتدهور وتتعقد بصورة يصعب تصورها. أظهرت الإحتجاجت الأخيرة في البلاد بوضوح بضرورة تغيير نظام الحكم . ذهاب الإنقاذ وتسلم القوى السياسية لدفة الحكم في البلاد. فترة إنتقالية لتصحيح الأوضاع الخاطئة. هذا كفيل بحل إشكالات السودان الحالية الحادة.

الكثيرون يتهيبون التغيير لمجرد أنهم إعتادوا على أحوال معينة. رغم ان هذه الأحوال قد تكون مزرية إلا إن االناس يتمسكون بها فقط لأنهم يخافون القادم. يتمنى الناس تغييرا ناعما هادئا. ويريدون ضمانات تؤكد لهم ذلك .بدونها سيتمسك اغلب الناس بالنظام الموجود على علاته.
السودانيون يودون أن يحدث تغيير حقيقي في السلطة .لكنهم لا يريدون تغيير يذهب بأمنهم واستقرارهم وسلامتهم. للأسف فإن التغيرات التي عصفت بالمنطقة ورمت بالديكتاتورين إلى مصائرهم البائسة . ذهبت أيضا بالإستقرار الذي تفرضه سطوة الديكتاتور – على سوئه- في الدولة . الإنقاذ ليست كلها سوء وإن تكاثرت سيئاتها وتعاظمت.
لكن القادم الذي يتهيبه الناس يمكن توقعه وصياغته . ويمكن تطويعه ليتلائم مع الرؤية الجديدة للمستقبل.
التغيير السلمي ليس مستحيل.إنه أمر صعب ومؤلم لكن قابل للتحقق. يمكن حدوثه بتنازلات من النظام وضمانات من المعارضة.
لنحصل على شيئ لابد أن نقدم شيئ مقابله. لكي يحدث التغيير السلمي لابد من أن تقدم كل الأطراف مقابلا.التمسك بالسقوف العليا وإنتظار تنازلات الآخرين دون مقابل يقود الجميع إلى طريق مسدود.
على العقلاء في السودان توخي الحكمة.فإن حماسة المعارضة وتشدد النظام قد تمزقان السودان.
هنالك مسألة مهمة جدا وهي أن قادة الإنقاذ يملكون كلمة سر التفكيك السلمي للنظام . يمكنهم تسهيل عملية التغيير وتقليل خسائرها للحد الأدنى. يمكنهم بالتعاون المخلص مع المعارضة الحفاظ على أرواح السودانيين وممتلكاتهم العامة والخاصة .هذا ما يجب أن يشغل عقول الجميع السلطة والمعارضة وكل الحادبين على سلامة المواطن و الوطن.
النظام يمسك بملفات حساسة وخطيرة. تتعلق بمصالح العليا للسودان. أسرار الدولة الداخلية ومعاهداتها وحتى تفاهماتها الخارجية وغير ذلك.
إذن جلوس المعارضة والحكومة بنوايا مخلصة وعقول مفتوحة أمر حيوي و ضروري .إنه السبيل الوحيد للوصول إلى إتفاق و تفاهمات.صياغة برنامح إنتقالي يضمن تحول سلمي للسلطة. ينجح في إيجاد توليفة عادلة تضمن مشاركة الجميع في إدارة السودان. الإتفاق على نقاط أساسية تنتج أوعية تستوعب الطاقات وتحولها لصالح تقدم السودان. بغير ذلك تتنافر القوى وتنتج صراعات تؤدي إلى المزيد من التخلف . الصراعات والنزاعات المتواصلة أقعدت السودان طويلا.
فترة إنتقالية من ثلاث سنوات تبدو معقولة.يتم فيها تغيير سلمي.يجنب السودان العنف الذي لا يضمن أحد مآلاته.تتيح التعامل بحكمة مع الملفات الحساسة – الداخلية والخارجية.

يجب أن نجيب على الأسئلة الكبرى بدلا من ننشغل بجدل غير مثمر حول مافعله النظام . الإنغماس فيما فعله النظام سيهدر الوقت والجهد ويشتت الأفكار . وقد ضاع منا وقت طويل وإهدرت جهود طائلة فيما لا فائدة منه
كلا المعارضة والنظام يجب أن يسألا نفسيهما هذه الأسئلة المصيرية الكبرى ففي إجاباتها بقاء السودان كدولة.
ماهي الضمانات التي يمكن أن تقدمها المعارضة للقابضون بقوة الآن على السلطة إذا وافقوا على التنحي؟
هل تضمن لهم المعارضة مخارجة آمنة تحفظ لهم حقوقهم وماء وجوههم مقابل التنحي وأموالهم ؟ أم تلاحقهم بالمحكامات والمصادرات ؟هل يمكن الإستئناس يتجربة الفريق عبود السودان رحمه الله وزين تونس وصالح اليمن ؟
ماهي ضمانات تنفيذ الإتفاقيات الموقعة بين حكام السودان الحاليين وغيرهم. نيفاشا والدوحة والإستثمارات الأجنبية والكثير غير ذلك .
كيف نتجنب أفعال ما تسميه المعارضة مندسين ويسميهم النظام مخربين ؟
ماهي ضمانات المعارضة في أن يظل السودان دولة قانون واحدة قوية وليس دويلات متحاربة؟
ما هي ضمانات تقليص الدور السالب للكيانات القبلية والجهوية التي أيقظها النظام بسياساته الخرقاء قصيرة النظر؟
ماهو دور الحركات المسلحة في ذلك ومشاركتها في السلطة إقليميا ومركزيا ؟
كيف تستمر عجلة الحياة اليومية دون أن يعطلها التغيير؟
كيف نتجنب جدوث خسائر إقتصادية تؤدي لتدهور قيمة الجنيه وتقلل الثقة في الإقتصاد؟

ربما آن الأوان لمعارضي الإنقاذ التفكير بعقلانية بعيدا عن روح الإنتقام التي تسيطر على تفكير بعضهم.
وآن الأوان لأهل الإنقاذ أن يتوقفوا عن العناد و إجتراح المزيد من الأعمال الخاطئة.ربما يجب عليهم التفكير بروية ليروا أن كانت سيئاتهم تتزايد في مقابل حسناتهم.
ربما أمكنهم زيادة حسناتهم ومحو سئياتهم بالقليل من القرارات الرشيدة.من ذلك الزهد في السلطة وإستخدام مواردهم وخبراتهم في إحداث تغيير حقيقي وإحتمال مراراته.
إحتمال المرارات ربما يمحو الكثير من المرارات التي سببوها بقصد أو دون قصد لخصومهم. ربما يكون ذلك إجراء معالجة وسلوى.Healing Process.. بذل الخبرات والموارد -عامة وخاصة- من أجل تغيير سلمي يحفظ دماء السودانيين نحسبه من أجّل ما يمكن أن يقوموا به في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان.

الحفاظ على النسل والحرث والزرع هو من أولوليات المسلم وأهم واجباته. والتغيير لغير المستعد له قد يجلب مالا تحمد عقباه. وحده غير الحصيف هو الذي تأتيه الإشارات ويتجاهلها. وإشارات التغيير تتقافز حول الإنقاذيون.من هذه الأشارات والتنبيهات ثورات الربيع العربي التي إجتاحت المنطقة بقوة وفي فترة وجيزة.مثل إعصار عنيف. ومن التنبيهات هبة سبتمر القوية.ومنها إحتجاجات العضوية ووتصريحاتها و إنشقاقاتها. ومنها تدهور الأوضاع الإفقتصادية.وغير ذلك.
الأهم هو التوقيت الأنسب لإتخاذ القرار المهم.وهذا القرار يصبح لا جدوى منه إذ إتخذ بعد أوانه. وهذا أوان القرارات الخطيرة لصالح السودان.ومن لم يتخذ القرار الصحيح في وقته قد يتخذه البعض نيابة عنه.
إذا لم تتحسب المعرضة في حماسها وغضبها لتغيير النظام لذلك فيجب أن تلقى نظرة على حكومات الربيع العربي.
وإذا لم يقتنع النظام بضرورة التغيير السلمي الناعم فعليه أن يقرأ أسماء حكام المنطقة ومصائرهم قبل ثلاث سنوات والآن.

القادة الحكماء يستفيدون من إيجابيات حسنات النظام البائد لصالح الشعب .التغيير العنيف يبدأ بظلم .ييفقد البعض مراكزهم وينشئ مراكز جديدة. يدخل الناس في نفس الحلقة المفرغة.عمل حلقة الظلم والفساد والتخلف والنزاعات.إذن لنبدأ بإخلاص النوايا .التفكير بعقلانية.والعمل جميعا من أجل وطن عزيز وكريم وطليعي. بقراءة تاريخ السودان القديم نجد ان ذلك ممكن جدا.
فهل يتنادى أهل السودان لكلمة سواء؟

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..