شطَّة و عم طه من رواكيب الخريف (مجموعة قصصية)

عادل سيد أحمد

مات الحصان، صعقه تيار كهربائي من الأُمية الرابضة أمَام دكانِ عثمان، تلك الأمية التي غَمرتها مياه الأمطارِ، كما هُو معتاد في كلِ خَريف… ومن فورِه خر صريعاً، بضعفٍ لا يتناسبُ مع فَتوته البَاديةِ للعيانِ، وشعرهِ اللامع البهيجِ، ووقع حَوافره الصَّلِفِ…
ولم يكن (شطة) حِصان سباقٍ… كان حِصان (كارُّو): عَاديا… وضعتهُ الصدف بين يدي العَم طَه العَتالي … وكان قد أكمل الفترة المقررةَ للتسمينِ بغرضِ البيعِ .
وكان هذا ديدنُ العمِ طه، أن يعلف ويرعَي أحصنتهُ، فوقَ ما تستحقُ كحصين للكارو، وذلك بغرضِ بيعِها كل فترة والثانية وإستبدالهَا بحصانٍ هزيلٍ، نحيلِ الجسمِضئيلِ السعرِ، حتى يستفيد من فرقِ السعر في تغطيةِ الديونِ، والإلتزامات، التي تراكَمت عليه في الفترة ما بين شِراء الأحصنةِ وبيعِها… ويُعيد تسمينهُ بغرض البيع أثناءَ عملهِفي جرِالكارو… فالحصان الذي جاء هزِيلا يسمن، فيباع كالحِصان الذي سبقه!
وبشكل عام، كاَن هذا كل ما يتقِنه العم طه مِن أعمالٍ، مُنذ أن فر مِن قريته في الشمال، وإستقر مُكافحا في العاصمةِ المُثلثة …
ولكن، ها قد مَات الحِصان (شطة)، وهو لا يملك حِصانا بديلا، كما أنهُ لم يكن مُستعدا لهكذا خَطب، ولم تخطر بباله تلك الإبتلاءة!
فما العمل ؟؟؟
كان العمل وفقَ المنطق وطبيعةِ الأشياء هو البحثُ عن حصانٍبديلٍ لـ (شطة)… ولكِن مِن أين!؟… ولمَن يمكن اللُجوء… والسُؤال – حسب يقين العم طه- لغَير الله مذلة!
فلجأ باديء الأمرِ إلى نفسهِ، فأحصَى ما يملكُ، فلَم يجد شيئا مذكورا… لأنه لم يرعَى مالا مَدخورا لعَوادي الدهر، ومَوت الحصين!
ومِن ثم تحدثَ إلى عَائشةَ، (أم العيال)، التي كانت فجِيعتُها في نفوق (شطة) تفوق فجيعتَه…
فقد كانت لهَا آمال عِراض، وخُططٌللإستفادةِ من فرقِ السِعرببيع (شطة)… وكانت أكبر الآمال هِي تزويجُ إحسان حسب الموعِد المضروب للنسابة الجُدد… وها قد أهارت كهرباء الأمية بالتضامُن مع مِياه الأمطار أحلامها في التمتع بأيام سلسة، يتِم فيها الزواج ولا يعكر صَفوها غياب حصان زوجها الذي سيقود الى عطالته وشلهتته بحثا عَن البَديل .ولكنَها لمتبتئِس فيما يتعلقُ بالزواجِ بوصفِه عَمل خيرٍ وكما كانت ترد
عَمل الخير رَبَنا بِتِمُو!
ولكنَها عجزت عند الإجابة عن السؤال:
(من أين لنا بِحصانِ كارُو، جديد؟)…
فكانت حِيلتُها وردُها العَملي، يتلخصُ ان في قطعة ذَهبيةمُتناهية الصِغر، وثلاثةُ عَنزات… فأقـبـلت على زوجِها وهي تـضعُ أمـامهُ الآن كـل ما تَمـلـك، بحقٍ وحَقـيقةٍ- يـشهـدُ الله عـلى ذلـك!- ولكنهُ قبل عَنزتين، ورفض عنزة والقطعة الذهبية… فالعَنزة الثالثةُ رفضَ بيعَها، لأنهُم كانوا بحاجةٍ إلى رطلَي اللبن، الذينِ تدرهُما في الصباح والعشية، لشايِ الكبارِ ولغذاءِ الصغار… أما القِطعةُ الذهبية فقد رفض بيعها لأنها كانت، رُغما عن كل شيء، تبثُ بوجودِها: الطُمأنينةَ في قلبِ عَائشة… فقال لها:
الدِهيبَايَة نَخَلِيها للشَدِيد القَوي !
والحقيقة، أن الظرفَ الذي فيه ألآن كَان هو الشَديدُ القَوي ذاتَ نَفسِه.
حيث تحول ريع الغِنيمايتَين، ومدخرات العم طه لتزويجِ إحسانوبعد مرور المناسبةِبسلامٍ، صَار-عمنا- (أباطُو والنَجم )، بالمعني الحرفي للمثل الشعبي… وتقلصَت آمالهُ في وجودِ مُساعداتٍ من أقاربٍ أو زملاءِ مهنةٍ، لأن تلك المساعدات قد إستنفدَها زواج إحسان.
وهَكذا تقلصَت خطةُ العم طه، من الحُصول على حِصانٍ لجرِ الكارو، إلى حِمار يجر برمِيل ماء … وكان من المُمكن الحصول على الصِهريج مُقابل عربة الكارو التي بَاتت تفتقدُ إلى الحِصان ولكن بقيت مشكلةُ إيجادِ الحِمار… على طريقة:
(رضِينَا بالهَم والهَم مَا رَاضِي بِينا!).
وهكذا، تَقهقرَ العَم طَه، إلى مَا كَان عليهِ، قَبل سِتة عشرَ عاما، وصار يعملُ في العِتالةِ والتَحميلِ بيديهِ المُجردتينِ … ويحسدُ أصحابَ الكاروعَلى نِعمائهم بإمتلاكِ حَصينٍ، ويُمنِي نفسه بالحُصولِ على المِثلِ كُلما مَر أمامهُ (حِمارٌ) يجرُ خلفهُ شحنةَ ماءٍ !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..