مقالات سياسية

قراءة في العصيان !!

* ليس من الحكمة أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونجادل في ضآلة المشاركة في العصيان المدني في جولته الثانية امس، فنسبة الذين شاركوا فيه مقارنة بالجولة الأولى في 27 نوفمبر الماضي، كانت ضئيلة، لظروف موضوعية كثيرة أعمانا التفاؤل الشديد بنجاح العصيان من رؤيتها، رغم أنها كانت ماثلة للعيان وواضحة وضوح الشمس!!
* الكل يعرف إن النجاح الذي تحقق في الجولة الأولى يعود بشكل كبير الى مشاركة طلاب الجامعات والمدارس، باعتبار إن حملة العصيان كانت بمبادرة وتخطيط من الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم أعلنت بعض التجمعات السياسية والمهنية تأييدها لها فيما بعد !!
* غاب على الجميع في هذه المرة أن الجامعات تشهد عادة في (ديسمبر) من كل عام امتحانات الفصل الأول، ويقع يوم 19 من الشهر في قلب هذه الامتحانات، وكان هذا هو الوضع القائم بالضبط يوم أمس، ولم يكن من الممكن أن يغيب الطلاب عن امتحاناتهم ويتعرضوا الى الرسوب، خاصة إن كل الجامعات وبلا إستثناء، سواء بقرار ذاتي أو بتعليمات فوقية، رفضت تأجيل الامتحانات وأعلنت الطلاب باستمرار الجدول كما كان مقرراً، وهو ما لم يتح مشاركة الطلاب الذين كانوا القوة الأساسية في نجاح العصيان في الجولة الأولى!!
* أما بالنسبة للمدارس، فالأمر مختلف نوعاً ما، رغم وجود امتحانات في بعض المدارس وبعض الفصول، غير أن السبب الأهم هو التحذيرات القوية التي وجهتها المدارس (بتعليمات عليا) الى الطلاب بعدم الغياب، وإلا تعرضوا الى العقاب، أو فاتتهم الدروس، وبما أن أولياء الأمور لعبوا دوراً كبيراً في الجولة الأولى (27 نوفمبر) في غياب أبنائهم من المدارس تخوفاً من (حدوث شيء)، حيث لم تكن الصورة واضحة تماماً آنذاك، كما أن الكثير من المدارس قامت بأرجاع العدد القليل من الطلاب والتلاميذ الذين حضروا وأغلقت أبوابها تحسباً لحدوث شيء، فإن العصيان كان واضحاً وناجحاً في الجولة الأولى في نوفمبر الماضي، أما هذه المرة وبسبب التحذيرات الصارمة من المدارس للطلاب بعدم الغياب مع إستبعاد أولياء الأمور الى حدوث ما يُخشى منه، حسب تجربتهم من العصيان الأول، فلقد سمحوا لأبنائهم بالذهاب الى المدارس خوفاً من ضياع الحصص عليهم أو تعرضهم الى العقوبة، وهو ما أدى الى ضعف مشاركة قطاع المدارس في العصيان هذه المرة، وأثر سلباً على المشاركة العامة!!
* غاب علينا أيضاً أن الحكومة أصدرت تحذيرات صارمة جداً الى العاملين في دواوين الحكومة هذه المرة بعدم الغياب، وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة ربما تصل الى الفصل، أو أكثر من ذلك، وبما أن نقابات العاملين داخل المصالح الحكومية ما هي الا تابع للحكومة، ولا يُعتمد عليها في حماية العاملين من العقوبات، بل إن إتحاد العمال نفسه أصدر تحذيراً شديد اللهجة للعاملين بعدم الغياب، بالاضافة الى العقوبات القاسية التي أوقعت على بعض الذين شاركوا في العصيان الأول أو تغيبوا عن العمل، فمن المنطقي جداً ألا يشارك العاملون في الدواوين الحكومية في هذه الجولة خشية العقوبة، ولهم كل العذر في ذلك، فكيف لموظف حكومي يعتمد في معيشته على الحكومة رغم ضآلة المرتب الذي يقبضه، أن يفقد وظيفته أو يقطع رزق أبنائه، أو يتعرض للاعتقال، خاصة مع عدم وجود جسم نقابي قوي يوفر له الحماية، وعدم وجود قيادات نقابية تقود العصيان وتتحمل مسؤوليته ونتيجته، وهو ما أدى لاستجابة ضعيفة هذه المرة مع صرامة التحذيرات والتهديدات التي أطلقتها الحكومة!!
* أضف إلى ذلك عدم وضوح الهدف من العصيان .. هل هو إسقاط الحكومة، أو الاحتجاج على شيء ما ..إلخ، مع عدم وجود قيادة ظاهرة له، واستمرار اعتقال قيادات سياسية وحزبية وشبابية مؤثرة في الساحة منذ أكثر من 40 يوماً، فضلاً عن الربكة التي حدثت بتغيير فترة العصيان الى يوم واحد بدلاً عن عصيان مفتوح والتساؤلات التي ارتفعت نتيجة ذلك في أذهان الكثيرين عن جدوى العصيان ليوم واحد فقط، مما جعل الكثيرين يفضلون مزاولة عملهم كالمعتاد وقضاء حوائجهم بدلاً عن إضاعة الزمن في المشاركة في عصيان محدود ليوم واحد فقط، لن يقود الى نتيجة، بينما كان الوضع مختلفاً في الجولة الأولى حيث كان الهدف واضحاً وقوياً وهو الاحتجاج على القرارات الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص رفع الدعم عن الدواء، كما كانت المدة الزمنية ثلاثة أيام، وهي تبدو منطقية في نظر الكثيرين لارغام الحكومة على التراجع عن رفع أسعار الدواء، فجاءت المشاركة في الجولة الأولى إيجابية!!
* لا بد إن نضيف بالطبع، الضعف الشديد الذي تعاني منه الأحزاب والقوى السياسية، وافتقارها الى الثقة وسط المواطنين، بالاضافة الى عدم وجود تنسيق بينها وبين منظمي العصيان، مما ساهم في فشل العصيان!!
* أخيراً أقول، إنه رغم ضعف المشاركة في الجولة الثانية، فمن الغباء أن تظن الحكومة أن ذلك يعود الى محبة الناس لها، كما إن العصيان من الناحية النظرية كان ناجحاً، فلقد أفلح في إدخال الرعب في نفس الحكومة وأصابها بحالة من الحمى والهذيان والهضربة واضطرها الى اتخاذ إجراءات وتدابير كثيرة، فضلاً عن لفت نظر العالم الى وجود تذمر وتململ شعبي حقيقي في السودان قد يقود الى ثورة وتغيير حقيقي في المستقبل القريب جداً، ويكفي في هذه المرحلة أن يحقق العصيان هذين الهدفين، إستعداداً لمراحل وجولات أخرى قادمة!!
الجريدة

تعليق واحد

  1. الاع تصام القادم يجب ان يرافقه اضراب فى كل الجامعات قبل يوم من الاعتصام حينها سنجد الاضراب عم كل الطلبة و يكون الاعتصام كل فى بيته

  2. هذه جولة يا أستاذ زهير، في حرب طويلة لإسقاط نظام الانتكاس الخائن.
    ونحن نشارف نهاية العام يجب القيام بجرد سياسي وووضع استراتيجية لمدة عام لإسقاط النظام بمختلف الوسائل.

  3. كلام موضوعي جدا الاخ زهير لكن الاسلحة لابد ان تتطور وانا متأكد ان الحكومة مصدومة لانها حاولت تلافي العصيان وما بذلته من مجهود لافشاله هو نجاح له وبكرة بتقنع حتي ينهدم السقف علي رؤوسهم صدقني لو قاومت العصيان اليوم غدا لاتستطيع

  4. ؛من الملاحظات المهمة ان هناك جهات سياسية واعلامية محلية واجنبية وعدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى اعتمدوا فى الحكم على فشل او نجاح تجربة العصيان المدنى بمدى تاثر مستوى الحركة فى الشوارع فى ايام العصيان.واعتقد ان هذا المعيار غير صحيح بالمرة فالعصيان المدنى ليس هو حظر تجول.اضف الى ذلك ان جميع منسوبى الخدمة المدنية وقوات الشرطة والجيش والامن كلهم اما مؤتمر وطنى او مرضى عنهم من المؤتمر الوطنى هؤلاء طبعا لن يشاركوا مطلقا فى العصيان.وكذلك من المهم الاشارة الى ان الخدمة المدنية نفسها لم تعد بها مؤسسات فاعلة يعتد بها سواء من جهة الاثر الاقتصادى او اعداد العاملين.كذلك من المهم الوضع فى الاعتبار ان الدعوة للعصيان جاءت على وسايط جديدة غير معروفة لقطاعات واسعة من المواطنين. كذلك فان الداعين للعصيان كانوا دايما يصرون على تجنب الاحتكاكات والاستفزاز والترغيب والترهيب تاركين لكل مواطن ان يتخذ قراره بالعصيان او عدمه وفقا لتقديراته.لذلك فاننى ارى ان كل هذه العناصر يجب استصحابها فى الحكم على التجربة .ولكن الاهم من ذلك هو ان قيادة العصيان لم تكن هى المعارضة المعروفة بل هى قوى سياسية جديدة بدات تشعر باهمية الولوج الى عالم السياسة الذى اصبح هو المتحكم فى كل شىء. فلذلك وجب على الجميع بمافيهم الحكومة الاشادة بنهجهم الواعى المتحضر فى التعبير عن رايهم وفى الاحتجاج السلمى. والكف عن الاستعجال على الحكم على تجربتهم فيكفيهم نجاحا الارتباك والتوتر الذى طال الحكومة واجهزتها حتى الرءيس نفسه من دون ان يحملوا سلاحا ولو ابيض.لايزال المطلوب الكثير من الجهد لاقتلاع نظام فاشى وصولى نفعى لكن المهم ان خلخلة النظام قد بدات بالفعل وذهبت هيبته وبدا مرتجفا

  5. الاع تصام القادم يجب ان يرافقه اضراب فى كل الجامعات قبل يوم من الاعتصام حينها سنجد الاضراب عم كل الطلبة و يكون الاعتصام كل فى بيته

  6. هذه جولة يا أستاذ زهير، في حرب طويلة لإسقاط نظام الانتكاس الخائن.
    ونحن نشارف نهاية العام يجب القيام بجرد سياسي وووضع استراتيجية لمدة عام لإسقاط النظام بمختلف الوسائل.

  7. كلام موضوعي جدا الاخ زهير لكن الاسلحة لابد ان تتطور وانا متأكد ان الحكومة مصدومة لانها حاولت تلافي العصيان وما بذلته من مجهود لافشاله هو نجاح له وبكرة بتقنع حتي ينهدم السقف علي رؤوسهم صدقني لو قاومت العصيان اليوم غدا لاتستطيع

  8. ؛من الملاحظات المهمة ان هناك جهات سياسية واعلامية محلية واجنبية وعدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى اعتمدوا فى الحكم على فشل او نجاح تجربة العصيان المدنى بمدى تاثر مستوى الحركة فى الشوارع فى ايام العصيان.واعتقد ان هذا المعيار غير صحيح بالمرة فالعصيان المدنى ليس هو حظر تجول.اضف الى ذلك ان جميع منسوبى الخدمة المدنية وقوات الشرطة والجيش والامن كلهم اما مؤتمر وطنى او مرضى عنهم من المؤتمر الوطنى هؤلاء طبعا لن يشاركوا مطلقا فى العصيان.وكذلك من المهم الاشارة الى ان الخدمة المدنية نفسها لم تعد بها مؤسسات فاعلة يعتد بها سواء من جهة الاثر الاقتصادى او اعداد العاملين.كذلك من المهم الوضع فى الاعتبار ان الدعوة للعصيان جاءت على وسايط جديدة غير معروفة لقطاعات واسعة من المواطنين. كذلك فان الداعين للعصيان كانوا دايما يصرون على تجنب الاحتكاكات والاستفزاز والترغيب والترهيب تاركين لكل مواطن ان يتخذ قراره بالعصيان او عدمه وفقا لتقديراته.لذلك فاننى ارى ان كل هذه العناصر يجب استصحابها فى الحكم على التجربة .ولكن الاهم من ذلك هو ان قيادة العصيان لم تكن هى المعارضة المعروفة بل هى قوى سياسية جديدة بدات تشعر باهمية الولوج الى عالم السياسة الذى اصبح هو المتحكم فى كل شىء. فلذلك وجب على الجميع بمافيهم الحكومة الاشادة بنهجهم الواعى المتحضر فى التعبير عن رايهم وفى الاحتجاج السلمى. والكف عن الاستعجال على الحكم على تجربتهم فيكفيهم نجاحا الارتباك والتوتر الذى طال الحكومة واجهزتها حتى الرءيس نفسه من دون ان يحملوا سلاحا ولو ابيض.لايزال المطلوب الكثير من الجهد لاقتلاع نظام فاشى وصولى نفعى لكن المهم ان خلخلة النظام قد بدات بالفعل وذهبت هيبته وبدا مرتجفا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..