حكومة التنازلات الطوعية

الوضع المثالي هو أن تأتي تشكيلة الحكومة الجديدة وفاقية بأعلى نسبة ممكنة.. وأن يقدم المؤتمر الوطني أعلى نسبة من التنازل.. ونسميه التنازل لأن الوفاق على مخرجات الحوار تم على أساس وجود وضعية خاصة للمؤتمر الوطني على طاولة الحوار بوصفه الحزب الحاكم كأمر واقع بالنسبة للمشاركين في الحوار.. وبالتالي هم يدركون تماماً أن هذا الحزب الحاكم لم يتحدث يوماً عن تنازله الكامل عن الحكم بعد الحوار إذ يعتبر نفسه موجودا في السلطة بشرعية انتخابية وفق آخر انتخابات قاطعتها قوى المعارضة وحقق فيها الحزب الحاكم فوزاً على كل المستويات التي جرت فيها الانتخابات رغم أنه فقد فيها عدداً كبيراً من أصوات ناخبين صوتوا لمرشحيه في انتخابات 2010.
لذلك الواقع يقول إن ما يقدمه المؤتمر الوطني من فرص لمشاركة الآخرين هو باعتقاده نوع من التنازل متروك له فيه التقدير بحسب مصلحته وهو السبب الذي جعله يتمسك بمنصب رئيس الوزراء رغم أنه لو تنازل عن هذا المنصب لوفر فرصاً كبيرة جداً لتحقيق التوافق الوطني.
المهم، طالما أن منطق إشراك القوى السياسية في الحكومة الجديدة مبني على تقديرات الحزب الحاكم لحجم التنازلات التي سيقدمها فإن ذلك يفرض على الآخرين المشاركين في الحوار الوطني عدم جعل نسب المشاركة قضية أكبر من قضية تنفيذ المخرجات الأخرى الأهم التي تتعلق بكيفية حكم السودان.
لأنه إذا كانت قضية تمثيل أحزاب الحوار في الحكومة الجديدة هي غاية ما ينتظرونه أو يسعون إليه فإن ذلك يعني أن يكون الحوار الوطني قد انتهى بالأساس إلى محاصصات لا تقدم بل تؤخر البلد أكثر وتطيل من أمد الأزمة السياسية.
تمثيل الأحزاب مهما بلغت نسبته فإنه بالتأكيد لن يعني أن يتوقع متفائل بينهم بأن يقدم الحزب الحاكم تنازلات تفقده صفة كونه هو الحزب الحاكم.. وبالتالي لا أهمية لتمثيل الأحزاب والقوى السياسية في الحكومة الجديدة إلا على مستوى قياس الشخصيات والكوادر الممثلة لتلك الأحزاب والمكونة للحكومة الجديدة.
المواطن لا يهمه من هو الوزير أو من أين أتى بل يهمه ماذا يفعل هذا الوزير وما الذي يستطيع بقدراته أن ينجزه.. هذا هو المهم..
لا تجعلوا عنوان مرحلة ما بعد الحوار الوطني هي (المحاصصة)..
نعم تمثيل الأحزاب مطلوب لكنه ليس محكاً فاصلاً.. بل مؤشر للجدية فقط فالتنازل الجاد هو الذي يؤكد به حزب المؤتمر الوطني حرصه على سمعة الحوار وقيمة مصداقية وعوده لكن في نفس الوقت نجد هذا التنازل عن نسبة من المناصب زادت أو نقصت لا يعني تقديم معالجة لأزمة الوفاق الوطني في السودان فهناك ممانعون كثر.. هم خارج فضاء الحوار الذي تم، لكنهم يرصدون تطوراته بدقة وينتظرون انعكاسات مخرجاته على الساحة والبلد والمواطن ليؤكدوا لأنفسهم أن موقف الممانعة كان هو الموقف الأصح.. فلو تحول الحوار الى محاصصات فذلك يؤكد أنه كان حواراً متواضع الأهداف دنيء المرامي.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي