أخبار السودان

عندما تستمد عافية الدولة من صحة الرئيس

عادل إبراهيم حمد

يصاب الرئيس بوعكة فتحبس دوائر كثيرة أنفاسها، وإذا طال أمد الوعكة قليلاً تهامست دوائر كثيرة عن (حقيقة) مرض الرئيس. وقد يستشعر آخرون الخطر أو قد يشعر آخرون بقرب لحظةٍ انتظروها، ويتحدث الجميع عن مرحلة ما بعد الرئيس.

أصيب ياسر عرفات بذلك المرض الغامض فكادت تنتقل السلطة الفلسطينية إلى غرفة الإنعاش التي استقبلت عرفات في باريس. ولا غرابة فقد ارتبطت القضية بالرجل حتى أطلقت عليه بعض وسائط الإعلام العالمية Mr. Palestine.. ومرض الرئيس الفنزويلي شافيز، وسافر إلى كوبا مستشفياً. ولمّا بات في حكم المؤكد إصابته بالسرطان تبدلت الأحوال في فنزويلا؛ فبدأت المعارضة تعد العدة للإتيان برئيس جديد ينقل فنزويلا من الثورية التي كلفتها كثيراً بحسابات المعارضة. وتكتم أنصار شافيز على حقيقة قرب رحيله علهم يسبقون الزمن ويكملون الإعداد لملء فراغ الزعيم الكاريزمي.

يفيد غياب الرئيس أعداءه. وقد يحس البعض أن غيابه أصبح ضرورياً؛ لذا قد تحوم شبهات حول مرض الرئيس إذا صحبته تطورات أقرب للدرامية كما هو الحال لمرض الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. فقد رحل عرفات بعد مرض غامض وفي ظرف كانت إسرائيل ترى في عرفات عقبة كأداء أمام تحقيق تسوية نهائية؛ لذا كاد يصبح من الحقائق أن إسرائيل قد قتلت عرفات بالسم خاصة بعد تسرب تقارير صحية تؤكد أن الزعيم الفلسطيني قد مات مسموماً. وكادت وفاة عرفات تصبح نموذجاً يقدمه كل متشكك في حقيقة موت زعيمه. فقد قال وزير النفط الفنزويلي راميريز: إن شافيز قد مات مسموماً مثل عرفات. ومضى الرئيس البوليفي في ذات الاتجاه فقال: إن صديقه راح ضحية السم كما مات أبوعمار؛ وذلك بسبب مواقف شافيز القوية المناوئة لسياسات الولايات المتحدة.
تتعدد أمثلة العلاقة بين عافية الدولة وصحة الرئيس. ففي الجزائر تزج المعارضة بالوضع الصحي للرئيس بوتفليقة عند كل منعطف، خاصة بعد أن أمضى الرئيس فترة علاجية طويلة في فرنسا. تفعل المعارضة ذلك لأنها تدرك حجم الارتباك الذي يصيب دوائر الحكم عند غياب الرجل الأول ولو في إجازة مرضية. ويعرف أن بوتفليقة قد حقق للجزائر استقراراً نسبياً بعد الهزة التي تعرضت لها في أعقاب إلغاء نتائج الانتخابات النيابية التي أطاحت بجبهة التحرير وأتت بالإسلاميين. فقد تطورت الأحداث سريعاً. واغتيل الرئيس بوضياف، ولم يتحقق الاستقرار بمجيء الرئيس علي كافي ثم الأمين زروال.

بقي الرئيس العراقي جلال طالباني لأكثر من ثمانية أشهر في ألمانيا تاركاً وراءه بلداً مضطرباً تهزه الانفجارات ويهرب نائب رئيسه بعد ملاحقات قضائية. اختلفت الحالة العراقية فلم يتابع الناس حالة الرئيس بذات الاهتمام المعهود. وقد يعزى ذلك لأن علة العراق سابقة لاعتلال صحة الرئيس.

عايش السودان الحالة حين راجت تساؤلات عن حقيقة مرض الرئيس البشير الذي شكا من عارض صحي في حباله الصوتية. وأصبح حلق الرئيس موضع اهتمام كل السودانيين. تباينت ردود الأفعال بين المشفقين والطامحين والشامتين حتى عاد البشير معافى من رحلة علاجية إلى السعودية.

في بلاد الفرنجة لا يطول بقاء الرؤساء في الدول الديمقراطية، لكن في الإمبراطوريات الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والصين كان يكثر السؤال عن صحة الزعيم العجوز.. هكذا كان الحال مع ماو، باني الصين الجديدة، اهتم العالم بصحة الزعيم الصيني وتابعها بتفاصيلها فقد كان بقاء ماو أو ذهابه يعنيان الكثير.. ورغم أن الصين لم تتخل عن الشيوعية لكن خلفاء ماو تركوا بصماتهم الخاصة.. أما الاتحاد السوفيتي فقد كان مثالاً نادراً للعلاقة بين وضع الدولة وصحة الزعيم. فما أن شاخ بريجنيف حتى شاخ الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي العملاق. وبعد رحيل السكرتير العام للحزب الشيوعي خلفه أندربوف المعتل. فلم يعمر طويلاً ليضطر الحزب للإتيان بتشيرننكو الواقف على حافة القبر. وبالفعل لم يخالف تشيرننكو التوقعات فرحل سريعا. وبحث الحزب بعد انقطاع الأجيال وفجوة الأفكار عن زعيم جديد. فجاء جورباتشوف الذي تفككت على يديه إمبراطورية السوفيت.

[email][email protected][/email] العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..