باب النجار !ا

تراســـيم..
باب النجار !!
عبد الباقي الظافر
أمس الأول مساءً كنت ضيفاً على مجموعة متميزة من النخب السودانية الفاعلة.. المجموعة ضمت أساتذة جامعات وفاعلين في العمل العام ورجال أعمال.. (من غير ميعاد) جعلوا الصحافة السودانية وأحوالها مادة للنقاش في تلك الأمسية.. للأسف مجمل الحضور كان سالبا في رؤيته العامة لمهنة البحث عن المتاعب.. بعضهم يراها مجرد مهنة تفلح في الابتزاز.. وترمي غيرها بالحجارة وتحرم الآخرين من مجرد إبداء وجهات النظر حول ما يدور وراء كواليس الصحافة. حسناً.. صحيح أن هنالك الكثير من المثالب على صحافتنا.. ومرد ذلك لأن الصحافة السودانية جزء من المجتمع.. العاملون عليها ليسوا مستوردين من السماء.. لذلك كل سلبيات المجتمع موجودة بين ظهرانينا.. افتراض أن الصحافة يجب أن تكون منزهة من العيوب منهجاً يجافي الموضوعية. إذا افترضنا أن الصحافة تحتاج إلى التجويد.. تجويد الصحافة يجب أن يكون سقفه مفتوحاً.. الحرية أول الأبواب التي تحتاجها الصحافة بأعجل ما تيسر.. حرية الوصول إلى المعلومة ثم حرية النشر.. الآن الأبواب مغلقة في سبيل الوصول إلى معظم المعلومات.. حتى عندما تتصرف الصحافة وتحصل على معلومة بطرقها الخاصة فالويل والتأنيب وربما الاعتقال كما في حالة زميلنا أبوالقاسم إبراهيم الذي احتجزه وزير المالية حتى يفصح عن المصادر التي أمدته بوثيقة العقد الملياري. إعاقة الصحافة من النشر تتم بوسائل أخرى.. الحكومة تحتكر الإعلان الصحفي.. تهبه بمقدار إلى من ترضى عنه وتحجبه عن المغضوب عليهم.. حتى الشركات الخاصة تحجر الإعلان لمن يتعدى الخطوط الحمراء ويتجرأ بنقد الذات الملكية.. الأغرب أن القانون لا يحاسب على مثل هذا الابتزاز الفاضح.. أما منتجنا السوداني في الرقابة القبلية فذاك أمر فوق التصور البشري.. ربما لا يصدق مواطن من دولة أخرى.. أن هنالك بلداً يعين رئيس تحرير حكومي ليراجع الصحف قبل أن تعانق أعين القراء. كذلك هنالك قضايا في صلب المهنة الجهر بها مهم للغاية.. صحافتنا يعوزها التدريب.. وبما أن الصحف شركات كاسدة إلا من رحم ربي أو سرت منه الحكومة.. مع الوضع في الاعتبار أن التدريب عملية مستمرة ومكلفة جدا.. لهذا يجب أن يكون تدريب الصحافيين هماً للدولة.. وقد بادرت وزارة التنمية البشرية بوضع مقترحات في هذا الصدد إلا أنها لم ترَ النور حتى هذه اللحظة.. كما أن رأس المال المحدود المصحوب بمحدودية التوزيع جعل الصحافة مهنة طاردة.. حتى العائد المحدود يتم توزيعه بشكل مقلوب.. أقلية من كتاب الرأي يستأثرون بمعظم مداخيل الصحف.. فيما يكتفي شباب الصحافيين بالقليل إن تيسر. رغم هذا الوضع فالصحافة بخير.. تأثيرها كبير على صناع القرار.. حساسية الساسة تؤكد أن النشر مؤثر للغاية.. هنالك أكثر من مسؤول جزت الصحافة رأسه السيادي. الحساسية تبلغ مداه أن تعتقل الحكومة زعيم المؤتمر الشعبي وصحيفته.. بعد شهور يفرج عن الزعيم.. وبعد عام يفك أسر الصحيفة.. أما الصحفي أبوذر علي الأمين فبعد أن أكمل محكوميته في السجن.. وجد في انتظاره سجناً وسجاناً أخر. اللهم نسألك اللطف!!
التيار