وأنا أتناول معاناة الشعب فوجئت بخروف الأضحية يسخر ويقول لي شوفوا البقى عليكم(ده حقنا )
صدفة غريبة لو كنت اعلم ما تحمله من دلالة لخططت لها وحتى لا تقدم لي هدية تعبر عن خاتمة هذه الحلقات وعن ما يفرضه الموقف على الحركة الإسلامية القابضة على السلطة من قرارات يستوجب إصدارها لإصلاح حال الوطن والمواطن بدلا من حوار 7+7 الذي لن يحقق غير مشاركة ديكورية لأحزاب الفشل ليبقى حال الوطن والشعب على ما هو عليه ويواصل التدني من سئ لأسوا فكانت الصدفة أن يحل عيد الأضحية المبارك ويتزامن مع خاتمة الحلقات التي قلت إنني سأتناول فيها القرارات الثورية التي يتعين على الإنقاذ أن يتخذها لينقذ المواطن مما ارتكبه الحكم الوطني عامة (الإنقاذ) خاصة في حقه والذي طال كما قلت كل أوجه حياته.
فلقد وجدت نفسي وأنا عائد من (زريبة االخرفان) احمل خروف الأضحية اسمع الخروف الذي كف عم الصراخ كعادته (باع) وإنما كان ( يضحك بصوت عالي) ويردد( ده الدايرنه ليكم شوفو السويناهو فيكم ده حقنا) وصدق الخروف وهو يقدم لي أول شهادة في موضوع هذه الخاتمة
فمن من شباب اليوم يصدق إنني حتى مطلع السبعينات كنت اشترى خروف الأضحية بخمسة جنيهات قبل أن يبدأ التصاعد العمودي الذي طال كل السلع والخدمات بمعدلات لا يقبلها المنطق ولا يعرفها الاقتصاد وإنما هي تراكم أخطاء ظلت ترتكب من حكم لآخر
فسعر الخروف هذا -5 جنيه- آنذاك وخمسة ألف جنيه بحساب اليوم بعد أن جمعت الألف جنيه في جنيه واحد مما يعنى إني كنت أضحى بخمسة ألف جنيه في ذلك الوقت بينما الخروف الذي يسخر منى اليوم بلغ سعره مليون و300 ألف يضاف لها (الضباح) ب200 ألف جنيه لتصبح الجملة مليون ونص فلماذا إذن لا يسخر الخروف وقد شفى غليله وهو يستقبل ذبحنا له شامتا فينا لأن ما دفعته اليوم كان يكفيني لشراء كل الخرفان المعروضة للبيع في الزريبة لأنه يساوى قيمة 300 خروف ويومها ما كانت كل الخراف بالزريبة ستحقق المليون ونصف لو تم بيعها كلها
ولان ما أصاب سعر الخروف من مضاعفة قيمته 300 مرة حدث لكل احتياجات المواطن الأخرى وأكثر منها في بعض الحالات مثل العلاج والتعليم مع إنهما كانا بالمجان بل مدعومة من الدولة من منح للطلاب فى الجامعة والمعاهد وما توفره من السكن والطعام مجانا
والمفاجأة الثانية في عيد الأضحية إن عراب الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي والذي يبق إن قلت انه نفسه نادم على ما ساهم وصاحب الدور الأكبر فيه انه في خطبة العيد وصف القتل والدمار في العالم الإسلامي بالفضيحة مشيرا لأهمية التسامح وتجسيد معاني الأخوة في الدين والإنسانية كما أكد إن الدين ليس وراثيا ) وهذا القتل والدمار نتاج طبيعي لإقحام الإسلام في الصراع من اجل السلطة وفرضه بالقوة وهو ما برفضه الاسلام نفسه وكان الدكتور الترابي نفسه عراب الحركة الإسلامية من أقحم الإسلام في صراع السلطة وبالقوة إلى أن ثبت له ما سببه هذا من دمار
وهذا التدهور إن كنا معنيين بالسودان كما أوضحت في حلقات لن تسع مئات الصفحات حصره كان نتاجا بداية فترة الديمقراطية الثانية عندما اتبع بنك السودان لوزير المالية والثانية أبان حكم النميرى عندما ألغى قانون رقابة النقد وحرر الدولار من قبضة بنك السودان التي تحافظ على قيمة الجنيه السوداني مصدر الدخل للمواطن حيث بدا انهيار قيمة الجنيه السوداني ثم جاءت ثالثة الأثافي في عهد الإنقاذ الحالي عندما صدر قرار تحرير الاقتصاد والتجارة و والرقابة على العملة والاستيراد حيث فتح السوق على مصراعيه مما أدى للفوضى التي نشهدها حاليا والتا كان نتاجها أن تهبط قيمة الجنيه السوداني الذي كانت قيمته أعلى من الدولار و يساوى أتنين دولار ونص وأكثر ليصبح الدولار اليوم هو الذي يساوى عشرة ألف جنيه سوداني مما يعنى إن سعره انخفض بما يصل خمسة وعشرين ألف مرة وهو ما أدى للسعر الحالي بين الخروفين بين خمسة ألف ومليون وخمسمائة ألف وهكذا أصبح حال كل السلع والخدمات وهو ما مكن قلة لا تصل 2% من شعب السودان أن تبقى طبقة مميزة بالثراء لفاحش من سوق تجارة الدولار والسوق المفتوحة خصما على المواطن
لهذا فان على رأس الأخطاء التي يتعين على الحركة الإسلامية الحاكمة أن تصححها هو هذا الخطأ الذي ارتكبته في حق السودان والمواطن حتى تعيد الوضع لما كان عليه بإخضاع الدولار لقانون رقابة النقد وإلغاء الاقتصاد والسوق الحر لتعود للمؤسسات التي كانت تسيطر على الاستيراد وحماية الصناعة المحلية صلاحياتها لتعود قيمة الجنيه السوداني لطبيعته ولتوجيه إمكانات البلد المحدود ة لتوفير الضروريات للمواطن وللتنمية الزراعية والصناعية خاصة لو إننا تعاملنا مع هذه المستجدات بشفافية فالنظام الذي اعدم من تاجروا فئ الدولار حتى يحافظ على قيمة الجنيه كما جاء في بيانه الأول لا يمكن أن يكون هو نقسه الذي اعدم الجنيه السوداني ووفر الحماية لتجار العملة ومكن الدولار من أن يستعمر الجنيه.
لهذا فان تصحيح هذا الوضع يقف على رأس القرارات المطلوبة والتي لا تحتاج لحوار 7+_7 بل هو أقيم للشعب من الحوار إذا كانت وجهة الحركة الإسلامية مصلحة الشعب والوطن فالقرار بيدها دون حاجة لحوار.
وبالطبع فان هذا القرار يترتب عليه إعادة المؤسسات التي كانت رقيبة على الاقتصاد والدولار والمال العام حتى لا تكون الخزينة العامة سائبة كما هو حالها اليوم ممثلة في مصلحة الأشغال التي تحظر على أي مسئول مهما بلغ أن يصرف جنيها على مبنى أو صيانة ومصلحة المخازن والمهمات التي ما كانت تسمح لأي مسئول في الدولة أن يشترى مباشرة قلما أو ملفا ناهيك أن يشترى الأثاثات الفاخرة لمكتبه حيث كانت كلها تصنع محليا بأيادي سودانية و مصلحة النقل الميكانيكي التي ما كان تسمح لعربة حكومية إلا لدرجات وظيفية معينة وفى العمل الرسمي ثم إدارة المشتروات بوزارة المالية وغير هذا كثير مما يضع حدا للفوضى الاقتصادية اليوم من ما عرف بمال التجنيب وعقودات العمل التي لا تخضع لضوابط الخدمة المدنية التي تحافظ على خزينة الدولة يوم لم يكن لأي وزير أو مدير أي مؤسسة رسمية يملك أن يتصرف في جنيه واحد في غير ما خصص حتى يوجه مال الخزينة لصاحب الحق المواطن حتى يعود له التعليم والعلاج بالمجاني والتي بلغت تكلفتها عشرات الملايين وليثرى منه أصحاب البدع الوافدة من مستشفيات ومدارس خاصة لا تخضع لأي رقابة فنية أو مالية.
وتبقى أخيرا القرارات المطلوبة وأهمها أن تعلن الحركة الإسلامية الحاكمة عن تكوين جهاز قوى وفاعل ومحايد لمحاربة الفساد وملاحقته في أي مرفق إن وجد وذلك بتفعيل مبدأ( من أين لك هذا) فالفساد لا يحارب بتقديم مستندات الفساد وإنما يحارب بان يفرض على إي مواطن محل شك أن يقدم هو ما يثبت إن ما يتمتع به داخل وخارج السودان هو من مصادر مشروعة لان كل من أثرى ثراء غير عاديا عليه أن يثبت شرعية مصادره وإلا أصبح ما له حق مشروع للدولة والخزينة العامة خاصة وان مصادر الثراء غير المشروعة تكاثرت وتنوعت ولا تقف على المال العام وحده وإنما هناك غسيل الأموال والاتجار في المخدرات والتهريب وسوء السلوك وكلها جرائم ومخالفات لا يكتب نهايتها غير تفعيل (من أين لك هذا) والذي لن صبح أمرا مستعصيا لو إن الحركة الإسلامية الحاكمة أمنت على جهاز قوى ومحايد ومتجرد تحت حماية السلطة في ارفع مستوياتها التي تتمثل في القصر والقوات النظامية والأجهزة الأمنية القابضة على السلطة في جوهرها وليس مظهرها الكاذب والتي تكمن في ترسيخ مبادئ وفي الإسلام بدلا من فرض حكمه بالقوة شكلا أو ليس هو سبحانه تعالى القائل في محكم تنزيله:
1- في سورة آل عمران الآية 14ص51:
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب)
ثانيا الآية 20 ص52 من نفس السورة أل عمران:
( فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوفوا الكتاب الأميين أسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)
إذن العبرة بمبادئ وقيم وأخلاقيات الإسلام وليس في أن يفرض احد نفسه حاكما باسمه بالقوة فهل تكون هذه ثورة تصحيح الحركة الإسلامية لمعالجة ما ارتكب في حق الإسلام والوطن والمواطن