باقان أموم أوكيج.. سياسي لا يخلع بدلة المفاوض

الخرطوم – الزين عثمان

رغم أنّ الرجل كان يتبوأ منصباً تنفيذياً عالي المقام والمقدار، في حكومة السودان الموحّد قبل الاستفتاء، إلا أنّ نبرات صوته كانت تضخّ في الوكالات الخبريّة عباراته حينها: “السودان دولة فاسدة وفاشلة ومنهارة”، وذلك إبّان حديثه في ندوة لصحيفة (أجراس الحرية).. الحديث الموصوف لاحقاً بأنّه غير مسؤول ويجب أن يتعرّض قائله للمساءلة، وهو ما حدث، حين دفع الأمين العام للحركة الشعبية الثمن بمغادرته للكرسي الوثير.. ذهب باقان داعية الانفصال الأوّل إلى الجنوب وجلس في منصب وزير السلام، قبل أن يعاوده حنين التوصيف مرّة أخرى؛ ذات ندوة يعيد باقان ذات الحديث: “الجنوب دولة في طريقها للانهيار والفشل”. يغادر أموم أيضاً مقعده الوزاري ومقعد الأمانة العامة في الحزب الحاكم، ويمنع من حضور اجتماعات مجلس التحرير، ويبعد قبلها من منصب كبير مفاوضي حكومة الجنوب لتسوية عالق قضاياها مع الخرطوم، قبل أن يذهب -بآخرة المطاف- للسجن حبيساً، بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم هناك، بالتنسيق مع نائب الرئيس السابق رياك مشار.

اشتعال حقول الجنوب بالنيران والرغبة المصحوبة بضغط المجتمع الدولي دفعت بسلفاكير لإصدار قرار إطلاق سراح الرجل من السجن.. لم يكن ذلك هو الخبر.. الخبر هو أنّ غريم سلفاكير في زمان ما بعد تكوين الدولة؛ رياك مشار، اختار أموم، المحسوب على (أولاد قرنق)، رئيساً لوفد التفاوض بين الجانبين.

المشهد في عمومياته ينبئ فقط بأنّ باقان رجل مهنته التفاوض، فما أن يودع طاولة إلا ويجلس في أخرى.. ابن زعيم الشلك باقان أموم أوكيج تقول سيرته الذاتية إنّه تلقى تعليمه في الشمال؛ بدأه من كوستي ثمّ الخرطوم، قبل أن يترك مقاعد الدرس باحثاً عن موطئ قدم له في التمرد ضد سياسات الخرطوم في العام 1982.. التحق بالحركة الشعبية حتّى وصل لمنصب أمينها العام، وهو المنصب الذي يوازي مكان جلوسه في التجمّع الوطني الديمقراطي، الذي نال فيه أيضاً منصب الأمين العام.

* خميرة عكننة

كان ذلك هو التوصيف الذي ناله باقان من مناوئيه في فترة الحكومة الانتقالية، سواء على مستوى الإعلام أو على المستوى السياسي، فكانت معاركه لا تنتهي مع شركاء التوقيع، إلا لتشتعل من جديد مع قيادات الوطني، طوال سنين التنفيذ، ليواصل عكننته بوضوح حين اقتربت ساعات الاستفتاء، داعماً لخيار الانفصال، رغم أنّ الكثيرين كانوا يرون الأمر محض تكتيك أكثر منه مبدئيّة، ثمّة من رأى فيه قرنق القادم، بعد رحيل مؤسّس الحركة الشعبيّة، وهو ما ردّ عليه بالقول: “لن يحل شخص محلّ جون قرنق، فقد كان شخصيّة تاريخيّة مميّزة لن تتكرّر.. يمكن أن يظهر للدكتور جون قرنق تلاميذ تشرّبوا بفكره، يمكن أن يوصلوا ذلك الفكر، والحكم متروك للتاريخ. لا أدري إن كان بإمكاني أن أكون قرنق. أنا سعيد بالتلمذة على يديه لمدة ربع قرن كرفيق وكزعيم”.. تلميذ قرنق يخلع الرداء الآن ليرتدي آخر، وهو الدفاع عن أطروحات مشار، في معركته مع سلفاكير في نسخة (ما بعد الموت والانفصال).

* المفاوض في جبة جديدة

لعل واحدا من المشاهد التي يحتفظ بها السودانيون لباقان دخوله ذات عيد إلى منصات الصوفية مبشراً بمشروع سودانه الجديد.. مشهد يلتقي وآخر حملته صحائف الخرطوم وأجهزة إعلامها حين تأتي بالرجل موقعاً على اتفاقيات التعاون بالقرب من إدريس عبد القادر، رئيس وفد التفاوض السوداني، وصور أخرى تجمعه بنافع علي نافع، لعلاقات حزبية، قبل أن تستيقظ الخرطوم ذات صباح على خبر خلق بعض الارتياح، مفاده مغادرة باقان لكابينة التفاوض، وهي المغادرة التي اعتبرها البعض إبعاداً لأنماط التشدّد في معالجة القضايا العالقة، وبالتالي تعبيد الطرق للوصول إلى تسوية تريح سلفاكير من عنت مواجهة الخرطوم ومحاربتها.

إلا أنّ عنت الخرطوم سرعان ما انتقل إلى جوبا نفسها، ولحكومتها التي تحاول أن تجد تسوية لصراعاتها الدائرة الآن.. وهي التسوية التي تتطلب بشكل كبير الحصول على رضاء باقان المختار من قبل مشار للحديث باسمه في أديس أبابا وهي ذات البقعة التي كان يذهب لها متحدثاً باسم الجنوب كدولة؛ يعود إليها الآن وهو يتحدّث باسم جزء من قيادات الجنوب.

كثيرون من الذين عملوا مع باقان يتفقون على أنه حريص على إيجاد التفاهم المشترك مع الآخرين، ومع ذلك فإن خصومه لا يتوانون في الهجوم عليه، ويعتبرونه من المتشددين. ويقولون إنه شخصية خلافية ويصطنع الخلافات وإنه عنيد في مواقفه حتى داخل الحركة.

يشير هؤلاء إلى أن باقان لديه طموحات بأن يصبح قائداً للحركة الشعبية ورئيساً لدولة الجنوب وهو ما لا يمكن الحصول عليه الآن، فالرجل يذهب إلى طاولة المفاوضات حاملاً لعصا الطموح المملوكة لدكتور رياك مشار، الطامع في الوصول إلى المنصب مدفوعاً بأسطورة الأجداد.

باقان رجل لا يغادر طاولات التفاوض إلا ليعود إليها مرة أخرى، وهو الأمر الذي منحه رصيداً من التجربة التي سيوظّفها لتحقيق مآرب من دفع به، ومأربه هو أيضاً.. فقط الجديد في الأمر أنّه سيصبح الآن خميرة عكننة جديدة، ولكن هذه المرة لمن رفع الراية وهو جالس في منصب رئيس حكومة دولة جنوب السودان؛ سلفاكير، فهل يبدأ مشوار الألف ميل بخطوة لتجفيف الدموع، أم سيعبّد الدرب لدموع جديدة يصنعها ابن الشلك؟

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. صحفيي السودان خليتو عواسة الكسرةوقبلتوا للشمارات ؟باقان رجل يحارب من اجل مبدأ وعلى استعداد ان يفدي مبدئه ولو بدمه فمن منكم على استعداد وقد خيم البوم على رؤوسكم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. برضو تقلو مبدأ يا عمي ديل همج ادمنو التمرد حتى على انفسهم … ماف متمرد بيعمل تنمية العقلية لا تتسع تدمير لا يساوي بناء والنموذج مناضلي جنوب السودان دعاة الحرية والديمقراطية والسودان الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..