لقاء كباشي – دقلو يفتح ثغرة في جدار الأزمة السودانية

انشغلت الساحة السياسية في السودان هذه الأيام باللقاء الذي جرى تسريبه بين مساعد قائد الجيش السوداني شمس الدين كباشي والقائد الثاني لقوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو، وسط معلومات عن تقدم تم إحرازه خلال اللقاء الذي جرى برعاية عربية.
الخرطوم – منحت تسريبات عن اجتماع عقد مؤخرا بين مساعد قائد الجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي والقائد الثاني لقوات الدعم السريع الفريق أول عبدالرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة، جرعة تفاؤل للسودانيين بإمكانية تفكيك عقدة الصراع الدائر في البلاد منذ أبريل الماضي.
وكشفت مصادر مطلعة أن المباحثات التي جرت بين كباشي ودقلو اتسمت بالإيجابية، وهي ثمرة للقاءات واتصالات هاتفية سابقة، وجهود قادتها دول عربية لاحتواء التباعد بين الطرفين.
وقال عميد معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان في السودان صلاح الدين الدومة إن الاجتماعات في المنامة جاءت برعاية مصرية وإماراتية وسعودية وأميركية وتستهدف تجهيز الطرفين للعودة مجدداً إلى منبر جدة والالتزام بما تمخض عنه من قرارات وبيانات سياسية وإنسانية.
وأوضح الدومة في تصريحات لـ”العرب” أن المباحثات في البحرين أكدت على وجوب سد منافذ التهرب من النقاط التي يجري الاتفاق عليها، في ظل مساع إقليمية ودولية حقيقية لوقف القتال في السودان، ويمكن القول إن مصالح بعض الأطراف الخارجية قد تلاقت الآن مع مصالح الشعب السوداني الساعي إلى إنهاء الحرب سريعا.
وأضاف أن الاجتماعات والنقاشات المستمرة بشأن وقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع توصلت إلى أن شريحة داخل الجيش لديها رغبة حقيقية في وقفها وأن كباشي يعد ضمن الأطراف التي غيرت مواقفها وباتت تنادي بالحلول التفاوضية وليس مواصلة الحرب، وهو ما يتلاقى مع رغبة قوات الدعم السريع التي أظهرت مواقف إيجابية واضحة من مسألة التوجه نحو الحلول السلمية.
وذكرت مصادر مطلعة أن لقاء البحرين كانت سبقته اجتماعات تحضيرية رعتها مصر، وأنه من المتوقع أن يمهد اللقاء لعقد اجتماع مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع بعد تعثر لقائهما في جيبوتي الذي نسقت له الهيئة الحكومية للتنمية إيغاد واستحال قيامه بعد تجميد السودان لعضويته في المنظمة الإقليمية.
وفشلت جميع الجهود السابقة سواء عبر منبر جدة أو إيغاد في التوصل إلى أرضية مشتركة بين الجيش والدعم السريع لإنهاء النزاع الذي اندلع في الخامس عشر من أبريل الماضي.
ويحمّل السودانيون الفشل في التوصل إلى تسوية لفلول النظام السابق الذين لهم تأثير قوي داخل المؤسسة العسكرية، لكن البعض يرى أن فرصة تحقيق اختراق في الملف تبقى واردة، خصوصا وأن عددا مهما من القيادات العسكرية بات يميل إلى الخيار السلمي، في ظل قناعة تلك القيادات بأن استمرار الصراع لا يصب في صالح الجيش، وقد يفتح البلاد على سيناريوهات أكثر قتامة.
ويلفت هؤلاء إلى أن عددا من الدول العربية باتت تخشى من أن إطالة أمد الحرب وما قد يدفع إليه ذلك من تدخل المزيد من القوى الخارجية في الصراع، لاسيما في ظل معلومات عن منح إيران الجيش السوداني معدات عسكرية من بينها مسيّرات.
وقال محمد الفكي سليمان الناطق باسم تنسيقية القوى الديمقراطية تقدم في تدوينة على منصة إكس “لو صحت الأخبار بشأن اجتماعات كباشي وعبدالرحيم دقلو فإنها خطوة في الاتجاه الصحيح ويجب مساندتها”.
وأشار القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير عمر خالد يوسف إلى أنه بغض النظر عن صحة أخبار لقاء كباشي ودقلو من عدمها، فإن الحقيقة الناصعة التي لا مراء فيها هي أن المخرج الوحيد من كارثة الحرب الجلوس لمائدة التفاوض والسعي لإيجاد حل سلمي للأزمة.
وأضاف يوسف في تدوينة عبر إكس أن “إطالة أمد الحرب لن يعود بفائدة لكائن من كان، بل إن هذه الحرب تتخذ أشكالاً جديدة يوماً بعد يوم، وإن استمرت فإن بلادنا ستدخل في دوامة لا عودة منها”، لافتا إلى أن تصاعد الخطاب الجهوي وعمليات التسليح الواسعة التي تجري في جميع أرجاء السودان ستجعل من هذه الحرب حرب الكل ضد الكل، وستتحول البلاد إلى مرتع لأمراء الحرب ولن تنتهي دوامة العنف فيها اطلاقاً.
وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير إن “الحملة المسعورة التي يشنها دعاة الحرب ضد ما راج عن محاولات جديدة لإيقافها سلماً، هو تكرار لذات الأفعال التخريبية التي أعاقت منبر جدة من قبل، ووقفت ضد خارطة طريق الاتحاد الأفريقي، وعطلت جهود إيغاد. والثابت في هذه الوجهة الرغبة المتعطشة لاستمرار الحرب دون اكتراث لما تخلفه من معاناة يذوق مرها الملايين من السودانيين الذين لا ذنب لهم ولا مصلحة في هذه الدوامة الجهنمية”.
ولا تزال التفاصيل عن لقاء كباشي بدقلو غير واضحة، لكن الثابت أن الخطوة من شأنها أن تفتح أفقا جديدا للسلام، لكن الإشكال يبقى في عدم استعداد فلول النظام السابق للتخلي عن الحرب، ويصرون على أن هكذا خطوة يجب أن يرافقها اعتراف بهم وبدور سياسي مستقبلي لهم.
وأوضح عميد معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان في تصريحاته لـ”العرب” أن ما يعترض محاولات الوصول لاتفاق يوقف الحرب في السودان هم عناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل الذين يملكون نفوذا داخل الجيش ولديهم إصرار واضح على استكمال المعارك وتحقيق انتصارات عسكرية تمكنهم من السلطة، لكن الأزمة في أن الجنرال عبدالفتاح البرهان وجد نفسه الآن في خانة ضيقة بعد أن تهرّب من منبر جدة وسعى نحو فتح منبر آخر عبر هيئة إيغاد التي استجابت لمطالبه قبل أن ينقلب عليها بعد أن وجد أنها داعمة لما جاء في منبر جدة من حلول.
ولا يزال البرهان يتبنى خطابا تصعيديا لا يخدم جهود السلام، حيث قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الجزائر الأحد إن بلاده تتعرض “إلى مؤامرة من شركاء دوليين وإقليميين وبعض النفوس المشتراة من أبناء الوطن الذين يتآمرون على شعبهم”.
العرب