خزان الأُبيض.. مياه عذبة وسط الخضرة والجمال.. طبيعة كردفانية

الأبيض – نمارق ضو البيت
جنوب مدينة الأُبيض يقع خزانها المطري الشهير، وسط كم هائل من الأشجار الكثيفة المتشابكة شاهقة الارتفاع، والتي لا تستطيع أن تتبين من خلالها رؤية ما وراء هذا الشجر الممتد على مد البصر، تجمُع مياه أشبه بالبحيرة الطبيعية، وتتجمع فيها مياه الأمطار في كل خريف لتسقي سكان المدينة طوال العام، المكان لوهلة ينتابك شعور بأنك داخل إحدى الغابات الإفريقية، التي تجذب اهتمام الجميع من داخل وخارج المدينة من روعة المكان الطبيعية.
منذ قديم الزمان كان الخزان وجهه للزوار من داخل وخارج المدينة، بعد أن تم تشييده في عهد الاستعمار الإنجليزي وتمت إحاطته بمساحات كبيرة من أشجار المهوقني الضخمة، مما أضفى عليه لمسة جمالية ساحرة، كان الغرض منه سقاية كل المدينة، و تم تجهيزه بمضخات كبيرة للمياه مع بناء غرفة للتحكم بفلترتها ومراقبة ضخها، من ثم توزيعها على كافة المدينة عبر المواسير، بحسب ذاكرة – عم مهدي (من مواليد الأبيض 1959م)- والذي لم يخرج منها إلا للدراسة الجامعية بالخرطوم ومن بعدها الاغتراب خارج السودان.
تيتو في الخزان
واصل الأستاذ مهدي الشيخ حديثه ساردا ذكرياته السماعية والمُعاشة قائلا: في خمسينات القرن الماضي أثناء حكم الرئيس إبراهيم عبود، زار الرئيس اليوغسلافي (جوزيف بروز تيتو) مدينة الأبيض التي كانت في قمة الجمال والنظام آنذاك، وأُقيمت له مأدبة إفطار حول بحيرة الخزان التي أبدى إعجابه بها وبأشجارها، قُدمت له في تلك الوليمة العديد من أصناف الطعام المحلي السودانية، (تيتو) أُعجب (بملاح التقليه) من بين كل الأطعمة المقدمة له، فما كان منه إلا أن أخذ الملعقة وتناول كل الملاح الموجود في (الكورة) على طريقة تناول الحساء حتى آخر قطرة في الإناء، وسط ابتسامات بعض الحضور الذين لم يُصححوا له طريقة تناول هذه الوجبه، لكنه كرر إبداء إعجابه بهذا الطبق بأن طلبه على وجبة الغداء، وقد شهد الرئيس تيتو عدة برامج وفعاليات أُقيمت على شرف حضوره منها سباقات الهجن والخيل، إلى جانب بعض الرقصات الشعبية في ميدان كبير يقع شرق محطة السكة حديد، والذي سمي فيما بعد بميدان تيتو.
محمية ترفيهية
في السياق يقول البروفسير التجاني علام رحمة الله بان حيوان الاسفنج كان يعيش حول بحيرة الخزان، والتي أخذ منها عينة وضعها في متحف السودان الطبيعي، حيث كان مديرا له في ذلك الوقت، لكنه فوجئ بأن عامل النظافة قد قام برميه في صباح اليوم التالي، ظنا منه بأنه ضمن المهملات، ومع مرور الزمن تلاشى الاسفنج من بحيرة الخزان بسبب عدم الاهتمام به بحسب مهدي الشيخ، ووافقته الرأي ابتهال عبد المنعم ? من سكان الابيض- بان الخزان يحتاج لعناية من عدة نواح ابتداءً من نظافة الغابة المحيطة به، إلى مرحلة وضع دراسة علمية للأشجار الموجودة فيه وعمل منافذ ترفيهية في المكان، وأضافت قائلة: ما أجمل أن يتحول الخزان إلى منطقة محمية من هيئة الغابات وكذلك منطقة ترفيهية بصورة منظمة وأكثر حداثة.
تجمعات للمذاكرة والعاشقين
كثيرا ما نتعامل مع الخزان كمكتبة عامة، فنجتمع فيه للمذاكرة في أيام الامتحانات نسبة لهدوء المكان، ومنذ عامي الأول بالجامعة كنت آتي إليه في معية أصدقائي، وكنا نقضي فيه ساعات طويلة بلا أي مقاطعة أو ضوضاء، فمن أهم مميزات المكان أنه في قمة الهدوء، كما قال ? اأمد مجاهد- وواصل: فكنا نجلس تحت ظل شجرة محددة وغالبا ما نجلس كل واحد تحت شجرة بعيدة عن الآخرين، حتى لا نزعج بعضنا البعض في حفظ المواد، وأكثر الوافدين إلى الخزان (الحِبيبة والعاشقين) من طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، بعد زوغانهم من مدارسهم أو آخر الدوام المدرسي؛ والمكان مليء ببائعات (الدندرمة) وفي إحدى زواياه هناك بائعة شاي يمكنهم الجلوس بقربها، لكن الأغلبية يفضلون التمشية بين الاشجار أو الجلوس قرب البحيرة وتبادل أطراف الحديث.
ابتسمت أميمة صلاح ?طالبة جامعية- وأضافت قائلة: المكان مليء بأشجار العشاق التي نُحتت عليها أسماؤهم منذ تاريخ أول زياره لهم للخزان، وكلما زاروه جلسوا عند شجرتهم الخاصة، يبدو أن الأمر له علاقة بالأسطورة القائلة ” إن الكتابة على الشجر تُخلد الذكريات”.
بائعي المياه
حركة دؤوبة لأصحاب كارو المياه داخل الخزان، والتي أوضحت أن هنالك مناطق في المدينة تشكو من شح المياه، ومن الواضح للعيان أن غالبية أصحاب الكارو من الشباب في سن الدراسة، ما يوصلنا أيضا إلى نتيجة أنهم إما تركوا صفوف الدراسة للعمل؛ أو أنهم من الأسر الفقيرة التي تحتاج إلى عمالة أبنائها لتحسين مصدر دخلها

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..