شرور صغيرة ..!

«المرأة فخ نصبته الطبيعة».. فريدريش نيتشة ..!
لا أزكي نفسي إذا قلت أنني طبيب حاذق وزوج مثالي، فضلاً عن مقدراتي العالية على تقييم أفعال البشر، إن جاز لي أن أقول ذلك .. أحب زوجتي جداً، وأثمن عالياً حسن تبعلها وتفننها في إسعادي .. لكنني اغتاظ في ذات الوقت من آرائها الغريبة أحياناً!.. أصدقكم القول إن هذا اليوم سعيد، ومبعث رضاي عنه – والسبب الرئيس في ارتفاع معدل الروقان في مزاجي – هو اعتراف زوجتي العزيزة بخطأ إحدى نظرياتها التي كانت تسعى جاهدةً – طوال الوقت – لإثباتها، بعد أن حيَّرها «بنو آدم» بطبائعهم الغريبة وأطفأوا حماستها لفلسفة شرورهم ..!
كانت زوجتي تقول دوماً بأن الغربة كالماء المالح تعمل على تكوين طبقة «كِلْسيَّه» فوق معادن الناس بمرور الزمن، وبأن هنالك علاقة طردية بين «سُمك» تلك الطبقة وقوة شخصية المغترب وبالتالي قوة مقدرته على اجتياز امتحان الغربة دون أن تطمُس بمرارتِها طبائعه الأصيلة ..!
أما أنا فلي نظرية أخرى – يتقاطع مفهومها مع نظريتها تلك – مفادها أن الغربة كالنار تُذيب البريق الزائف عن معادن الناس فتُظهر حقيقتهم الكامنة خلف الأقنعة ..!
كانت زوجتي دوماً تقول لي – مازحةً – بأنه سيأتي يوم نخوض فيه تجربة مشتركة تثبت صحة نظريتها وخطأ نظريتي، إلى أن جاءتنا تلك التجربة تمشي على قدمين ..!
أحد أولئك الذين أقول عنهم بأن «نيران» الغربة قد أظهرت حقيقتهم المؤسفة كان جاراً لأحد أصدقائنا، وعلى الرغم من أن العلاقة لم تكن تتجاوز السلام والسؤال عن الحال فقد ألحق بنا ذلك الرجل الكثير من الأذى، ما جعلني اتخذه مثالاً لإثبات نظريتي تلك ..!
وعندما كنت أذكر ذلك كانت زوجتي تقول لي بأن ذلك «الشر» الذي يظهر في سلوك الرجل ما هو إلا «تكلُّس» مؤقت السبب فيه هو معاناة الغربة!
إلى أن جاء يوم أخبرتها فيه بعد عودتي من العمل بأن ذلك الرجل – الذي كان «شديد البخل» – قد زارني في المستشفى ورجاني أن أساعده في عمل فحوصات مجانية لوالدته المريضة ومن ثم مساعدته في صرف علاج مجاني لها ..!
ولأن بيتنا يقع بالقرب من المستشفى ستمكُث والدته وزوجته عندنا لحين ظهور النتائج ..
كانت الجلسة كمحاضر الشرطة، والدته تلقي بالسؤال وتتلقَّف إجابات زوجتي لتصنع منها سؤالاً جديداً بينما ظلت زوجة ابنها صامتةً كالأسماك تدوِّن ذلك الحوار في ذاكرتها حتى تقوم بإذاعته في إحدى الجلسات النسائية عما قريب وكالمعتاد ..!
كانت الأم ترمق زوجتي بنظراتٍ فاحصة سَمِجة – جعلتها تزداد قناعة بموضوعية سارتر عندما وصف الآخرين بأنهم جحيم ! – قبل أن تقول بلهجة ذات مغزى:
بس أوعِي راجلك دا يقوم يجيب أمُّـو!
وليه «أوعَي» يا خالة ؟! .. تشرّفنا وتونِّسنا ..!
أو كما ادعت زوجتي أمامي بأنها قد أجابت به ..!
انتهى المحضر بانتهاء الزيارة بعد أن يئست هي من الإيقاع بزوجتي
لم أكن أعلم بتفاصيل الأمر لكنني ما أن عدت إلى البيت مساءاً حتى صحت بزوجتي قائلاً وأنا أضحك
عارفة أمُّو قالت لي شنو .. المرة دي ما تقوم تنسِّيك أمَّك.. أعمل حسابك.. جيب أمَّك تتونس معاك ..!
وعندما أخبرتني بالشق الآخر من الحكاية .. قلت وأنا أضحك بظفر:
– اعترفي إنو نظريتك أثبتت فشلها .. الشَّر بتاع الزول دا وراثة من أمو .. لا غُربة.. لا تَكلُّس ..!
على العموم دي شرور صغيرة.. الله يكفينا الشرور الكبيرة ..! –
اعترفي ..! –
طيِّب اعترفت ..! –
وحق لها أن تقر وتعترف .. فالزبون والمدير والزوج دوماً على حق ..!

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. هل تعرفين (توريق الخدرة)؟ عموماً أنا لا أعرف السبب وراء تسميتها ب (توريق) ربما جاءت التسمية من عملية فصل الأوراق عن جذور تلك النبتة الطيبة التي اسمها (خدرة) والتي أحبها جداً وهي مخلوطة مع الشبت، وهي منغمسة في لفائف الكسرة البيضاء، مصحوبة بصحن صغير مملوء بالشطة الخضراء الحارة والليمون……….. تذهب النكتة السودانية التي تعزز قوة وجبروت شخصية المرأة السودانية، إلى أن واحدة من أولئك النساء القويات طلبت من زوجها الضعيف غسل صحون المطبخ وطبخ طبق اليوم الذي صادق أن كان (خدرة)… رفض الرجل بكل عنفوان وقوة في أول حالة تمرد له على هذا الذل القيام بعملية طبخ الخدرة…. فلما انتهرته وزجرته زوجته القوية قال لها: (خلاص بورقها ليك)………. أنني أسمى علمية ترجمة النصوص العويصة التي تحتاج إلى إعمال الذهن والتركيز ب (التوريق)….. فكلما طالت جلستي واحتسيت عدداً مقدراً من أقداح القهرة، ودخنت عدداً كبيراً من السجائر، أقوم بجس ما تبقى من أوراق فإذا هي ..هي وكأنني ما (ورقت) شيئاً فأقوم بإعطاء زوجتي عدداً منها وأقول لها: (هاكي ورقي لي ديل)……غالباً ما تأتي ترجمة زوجتي المحاسبة (دون التوقعات، مع فوارق كبيرة في الأسلوب)… و…و….

    أظنك في هذا المقال، والله أعلم قد قذفتي بالقلم والورقة وطلبت من زوجك العزيز أن (يورق لك مقالاً)….. المقال لا يشبهك…. أنه مقال (مورق) هذا والله أعلم….

  2. هل تعرفين (توريق الخدرة)؟ عموماً أنا لا أعرف السبب وراء تسميتها ب (توريق) ربما جاءت التسمية من عملية فصل الأوراق عن جذور تلك النبتة الطيبة التي اسمها (خدرة) والتي أحبها جداً وهي مخلوطة مع الشبت، وهي منغمسة في لفائف الكسرة البيضاء، مصحوبة بصحن صغير مملوء بالشطة الخضراء الحارة والليمون……….. تذهب النكتة السودانية التي تعزز قوة وجبروت شخصية المرأة السودانية، إلى أن واحدة من أولئك النساء القويات طلبت من زوجها الضعيف غسل صحون المطبخ وطبخ طبق اليوم الذي صادق أن كان (خدرة)… رفض الرجل بكل عنفوان وقوة في أول حالة تمرد له على هذا الذل القيام بعملية طبخ الخدرة…. فلما انتهرته وزجرته زوجته القوية قال لها: (خلاص بورقها ليك)………. أنني أسمى علمية ترجمة النصوص العويصة التي تحتاج إلى إعمال الذهن والتركيز ب (التوريق)….. فكلما طالت جلستي واحتسيت عدداً مقدراً من أقداح القهرة، ودخنت عدداً كبيراً من السجائر، أقوم بجس ما تبقى من أوراق فإذا هي ..هي وكأنني ما (ورقت) شيئاً فأقوم بإعطاء زوجتي عدداً منها وأقول لها: (هاكي ورقي لي ديل)……غالباً ما تأتي ترجمة زوجتي المحاسبة (دون التوقعات، مع فوارق كبيرة في الأسلوب)… و…و….

    أظنك في هذا المقال، والله أعلم قد قذفتي بالقلم والورقة وطلبت من زوجك العزيز أن (يورق لك مقالاً)….. المقال لا يشبهك…. أنه مقال (مورق) هذا والله أعلم….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..