التعديلات الشِرّيرة !!

التعديلات الأخيرة فى الدستور الإنتقالى لعام 2005 ، التى أجازها ( برلمان الإنقاذ ) المُسمّى – زوراً وبُهتاناً – ” المجلس الوطنى ” يوم ( الأحد ) ، وأصبحت ( سارية ) بعد توقيع الرئيس عليها ( الإثنين ) أبانت – أكثر من أىّ وقتٍ مضى – طبيعة النظام الإستبدادى ، وسيره فى طريق إستكمال سيطرة حُكم ( الفرد ) ، و ( الأجهزة القمعيّة ) ، فى كُل مفاصل الحياة فى المركز والاقاليم ، كما كشفت – بجلاءٍ تام – عن عن طبيعة ( البرلمانات ) فى تلك الأنظمة الشمولية ، فهى بإختصار مُجرّد ( برلمان نعم ) ، الذى تقوم فيه السلطة التشريعيّة ، بدور ( المؤيّد ) و ( المُبارك ) و ( المُحلّل ) دوماً ، لتوجُّهات وقرارات ( السُلطة التنفيذيّة ) بدلاً عن القيام بدور الرقيب التشريعى ، على الأداء الحكومى !.
ركّزت التعديلات الدستوريّة ( الشرّيرة ) ، فى هذه المرحلة ، وهى ( 18 تعديلاً ) على مسالتين هامّتين جوهريتين ، الأولى ، أعطت رئيس الجمهوريّة التفويض الكامل ومنحته ” شيك على بياض ” ، فى (( تعيين )) الولاة ، بدلاً عن (( إنتخابهم )) ، وهذا تراجُع بائن وصريح عن أساسيات فلسفة الحُكم الفدرالى ، التى يتبجّح النظام بتبنّيها ، ولم يكتف التعديل ، بالولاة ، بل شمل (( تعيين )) ( القضاة )، كما جعل (( إعفائهم )) أمر رئاسى بحت !.
أمّا المسألة الثانية ، وهى الأخطر ، فهى تحويل جهاز الأمن والمُخابرات إلى ( قُوّة نظاميّة ) ، (( مُوازية ، بل ، و بديلة )) ، للجيش والشرطة ، ليبصبح جهاز الأمن – بالدستور – قُوّة عسكريّة وأمنيّة ضاربة ، ولتقنين إطلاق يده فى ما تبقّى من الحياة السياسيّة والإقتصاديّة والعسكريّة والأمنيّة و( تمكينه )- بالدستور – من فعل ما يشاء ، بغير حساب ، وبدون رقيب ، بما فى ذلك تكوين المليشيات العسكريّة !، وقد سبق هذا التعديل الخطير ، تعديلاً هيكليّاً ، فى العام 2009 ، منح جهاز الأمن ، سلطات الإعتقال التحّفظى ، كما منح أفراد وضُبّاط وقادة الجهاز ( حصانة ) تُمكّنهم من ( الإفلات من العقاب ) و من ( المُسائلة ) ، وهذا وذاك ، يُشكّل بوضوح إنقلاباً صريحاً ( مائة وثمانين درجة ) على منصوص الدستور الإنتقالى فى المادة ( 151 ) التى جعلت ” جهاز الامن الوطنى ، يقدّم خدمة مهنيّة ، وترتكز فى مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسُلطات المعنيّة ” !.
التعديلات السابقة والحالية واللاحقة ، أى ( الجاية ) – جميعها – ليست سوى ( تلتيقات ) و ( ترقيعات ) فى جُلباب حُكم الإنقاذ المهترىء، ولن يُصلح مشروع دولة الفساد والإستبداد عبرها، فقد إتّسع الرتق على الراتق ،وأصبح (( إسقاط النظام )) هو العلاج الوحيد والأخير لمتلازمة الإنقاذ ، وهو العلاج الأوحد الشافى والكافى من أمراض حُكم الإنقاذ ، ليعود السودان معافىً بحق وحقيقة!.
كُل هذا وذاك ( وما خفى أعظم ) ، ياتى بمثابة إنقلاب جديد كامل الدسم ، على الدستور الإنتقالى لعام 2005 ، وهو إستكمال تشريعى لحلقات (الإنقلاب ) الذى تمّ على الديمقراطيّة والنظام الديمقراطى فى 30 يونيو 1989 … وهكذا ، تدخل البلاد ، مرحلة جديدة ، من حُكم الفرد والإستبداد الأمنى ، وهيمنة وفرض الحلول الأمنيّة والعسكريّة ، لمشاكل السودان ، التى أضحت ، أكثر تعقيداً من أىّ وقت مضى ، بدلاً عن الحلول السياسيّة ، ومُشاركة الشعب فى إدارة شؤون الوطن !.
أمام هذا الوضع المُستبد ، ليس هناك من طريقٍ يعبُر بالبلاد – من ضيق الشموليّة وتمكين حكم الفرد – لآفاق حل ديمقراطى ، حقيقى وشامل وعملى ، يُعالج أزمات السودان المُستفحلة ، وما من طريق للخلاص من حُكم العُصبة الفاسدة ، سوى مُواصلة الجهد الجماعى ، لإسقاط النظام … ولشعبنا ( السوّاى وما حدّاث) موروث نضالى عظيم ، فى مُقارعة الدكتاتوريات والأنظمة الشموليّة ، الإستبداديّة، وفى هزيمتها ، وإستعادة الديمقراطيّة ، وكُل المؤشّرات والشواهد ، تؤكّد أنّ شعبنا وقُواه الحيّة ، تسير فى الطريق الصحيح ، وقد جاء إعلان ( نداء السودان ) كخارطة طريق ، ومُحصّلة موضوعيّة ، لتراكم العمل الجبهوى العريض ، الباحث عن حلول سلميّة ، تُجنّب البلاد مخاطر الإنزلاق فى أتون التغيير العنيف ، والمطلوب مُواصلة النضال المُشترك ، وتعزيزه على الأرض ، لإستكمال بناء وسائل وأدوات التعبير والتنظيم والتغيير ، حتّى يتحقّق لشعبنا العظيم ، النصر المُبين ، وماهذا على شعبنا ببعيد !.
7 يناير 2015
فيصل الباقر
[email][email protected][/email]