عامان على غياب نقد.. حكاية ثمانينيّة زاخرة بالعطاء في مجال العمل العام

الخرطوم ? الزين عثمان

أشرقت صباحات الحزن والدمع يتخير (العلم) ثيابا ليكتب في القواميس بكاء، تنهيدات، أو حتى جعيراً، فعلى مثله تبكي البواكي، أو هكذا بدت الصورة والشمس الخميس تشرق، ومعها (نقد) المسجّى في صندوقه العابر للقارات، ليستقر هنا حيث التراب الطاهر، الذي تمرغ فيه عشقا بلا انتهاء.

كان تاريخ الخامس والعشرين من مارس تاريخاً جديدا انكتب على دفاتر الوطن المسمّى، في قواميس التاريخ والجغرافيا (السودان) فقبله بأيام، تحديداً في الثاني والعشرين من مارس، جاءت الأخبار القادمة من لندن تنبئ بأن كبير الشيوعيين السودانيين غادر الحياة الدنيا نحو حياة أخرى، ليتبعه حتى قبره السودانيون ممن احتفظوا للرجل بمواقفه ناصعة بياض سودانيتها.

خرجت صحائف الجمعة الثالث والعشرين من مارس بعبارة واحدة (نقد.. حضرنا ولم نجدك)، ولكن من لم يجدوا نقد في ذلك الصباح اندفعت أمامهم صور عدّة لحياة الرجل الزاخرة في مجال العمل العام، والمعبرة عن إيمان قاطع بما اعتنقه، ودافع عنه، كرجل أول في تراتبية الحزب الشيوعي وهو الصاعد إلى المنصب في زمان مفصلي من تاريخ الحزب في عهد النظام المايوي ولكنه صعد ليملأ المقعد باقتدار وحنكة افتقدها الجميع حين غادر منصة السياسة أو حين ذهب إلى رحلة الاختباء الأخير .

عامان من غياب نقد.. الآن ترافقك التساؤلات حول عموميات المشهد السوداني ولكنك لن تستطيع أن تتجاوز الخصوصية المتعلقة بحزب نقد ومن خلفه في المقعد الأستاذ الخطيب يجيب عن أي سؤال يتعلق بأداء حزبه بأن أصعب شيء هو أن تخلف رجلاً يتفق عليه الجميع ويرفعون له رايات الاحترام والتقدير..

ربما لا تجد في الذاكرة الثانية لرحيل نقد من بد سوى العودة للتشييع الخرافي الذي وجده الرجل في صبيحة ذلك اليوم إلى شوارع البرجوازية في قلب الخرطوم (2) حين وطئتها أقدام الكادحين إلى حديثهم للرجل وهم يودعونه إلى الخرطوم التي توشحت (حمرة) حزنها عليه..

حين استماعك إلى حديث تلك السبعينية وهي تتنهد قائلة (الآن فقط صرنا يتامي) إلى الدار وهي تودع ساكنها وعاشقها إلى الرفاق وهم يتنازلون عن تكتيك تأمينهم وكأنهم يقولون ادخلوها، فبعد غياب نقد ليس هناك ما نخاف عليه.

عامان والسودان بلا ود ملين ولسان الحال يردد (رحلوا تباعا.. القادمون من الشمس مملكة الضياء النور والأصل والخير يأتي في عيون الأوفياء) رحل نقد وهو العاشق للسودان مليون ميل مربع رحل حين ضاق الوطن بأهله، رحل مأزوماً بحدث الانشطار، رحل لتعود اللافتات الجنوبية تبحث عن نعش (جوزيف قرنق) ولكنها تغني بلسان سوداني واحد (يابا مع السلامة ويا سكة سلامة) في ذكراه الثانية، فإن من حملوا لافتات الوداع بعباراتها (للشمس النايرة عبرنا بحور حلفنا نموت أو نلقي النور) ومعها (ماشين في السكة نمد من سكتك للجايين) هم أنفسهم من سيجدون أنفسهم في ساعة يتم غياب نقد مطالبين بالعبور إلى بر الأمان ومواصلة مشوار من نعاه كل السودانيين بعبارة (ماك الوليد العاق.. لا خنت لا سراق)

الحقيقة الماثلة الآن هي أن عامان مضيا بلا نقد الذي رحل ليظل باقيا.. وهكذا رددت الأصوات (ستظل حيا في قلوب الكادحين) أو لنكن اكثر صدقا (ستظل حيا في قلوب السودانيين) فثمة من يذهب لتبقى روحه تحلق في المكان ويبقى فعله قائلا (يا هذا الرجل أي قائد كنت أو بسيطا كنت وأي مثقف كنت وقبل كل هذا ومعه أي سوداني كنت

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ماشين في السكة نمد من سيرتك للجايين …
    مشكلة الشعب السوداني انه لايعرف قيمة الرجال الا بعد ان يرحلوا !!!!
    ماذا كان يضير الشعب لو انه اختار الشرفاء الزاهدون في الدنيا ليحكموه؟؟؟
    اولم كان سيكون حالنا افضل مماهو عليه الآن !!
    فشتان مابين الشيوعيون الزاهدون في الدنيا والاسلاميون اللاهثون وراءها
    شتان مابين الشيوعيون الذين يعشقون الوطن والاسلاميون الذين يمزقونه
    شتان مابين الشيوعيون الذين يبذلون النفس والنفيس لنهضة الوطن والاسلاميون الذين يدسون الدسائس لهدم الوطن وتعمير جيوبهم
    شتان مابين نقد الذي خرج الالاف تترحم عليه ومابين الترابي الذي ستصحبه اللعنات حتي بعد موته
    اي قائد اتفق في حبه الناس كنقد؟
    شتان مابين الثري والثريا
    رحمك الله رحمة واسعه واسكنك فسيح جناته
    وياريت الموضوع ده يثبت فوق وفاءا لرجل قدم لهذا الوطن ومابخل اعطي وماتنأي مات فقيرا وماخذ منا بعضا مما أعطي
    وطني البموت وبخليه حي

  2. ******* رحم الله المناضل الكبير “نقد” ******* عاش عفيفا ****** و مات شريفا ***** مات علي مبادئه لم يهادن و لم يداهن ******** مهما حاول تجار الدين تشويه صورة الشرفاء **** نقول لهم **** يموت الشيوعي و ليس في ذمته “مليم” من مال الشعب ******* و يموت “الاسلاموي” و في ذمته “ملايين” من مال الشعب ****** بعد ان اكل و اطعم اولاده من مال السحت ***** الله اكبر ولا نامت عين الفاسدين ********

  3. الله يرحمه ويرحم جميع موتانا .
    يا أستاذ الزين عثمان ، في السنتين ديل رحل عنا أخونا نقد ورحل عنا الكثير من اخوانا اخوان نقد ورحل عنا الكثير من اولادنا وبناتنا اولاد وبنات نقد شهداء سبتمبر وباستمرار وجود هؤلاء الكيزان سوف يرحل عنا ما تبقى من السودان

  4. ذهب نقد الرمز وبقى الحزب الشيوعى السودانى رمزا للطبقة العاملة السودانية وكل محبى السلام فى بقاع الارض له الرحمة والمغفرة وعاش كفاح الشعب السودانى

  5. له الرحمة والمغفرة نذر جل عمله في خدمة حزبه كان صادقاً في تعامله مع الاخرين كان دمث الاخلاق كان عفيف اليد واللسان كان محترم بين زملائه الذين يشاطرونه الفكر والذين ينتقدونه رحل عنا والشعب السوداني في أمس الحاجة إلى علمه وفكره عاش نظيفاً في كل معاني الحياة .

  6. عاش متزن ونبيل زيو زى اى زميل قابض على الاصرار على يوم حياتى جميل

    كالخضرة فى الاشجار كالموية جوة النيل عاش متقد زى نار خلوية عز الليل

    زول لى طريقو اختار اختارو دغرى عديل غير الغبش ما اختار جهة عليها يميل

    له الرحمةوالمغفرة في العلياء والمجد والخلود في قلوب الشعب السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..