مخاوف العرب من التوسع الإيراني ليست وهما

توجّس عربي تجاه السياسات الأميركية يرجعه مراقبون وسياسيون إلى طبيعة تعاطي باراك أوباما مع ملف إيران النووي المثير للجدل.
العرب

لندن- يخشى مراقبون وسياسيون أميركيون من أن تؤثّر رغبة الرئيس باراك أوباما الشديدة في تحقيق مجد شخصي على مكانة الولايات المتّحدة عند القوى الإقليمية العربية. ويعتبرون أن ما تحقّق بشأن النووي الإيراني، حتى الآن يدعو إلى القلق أكثر من قبل، خاصة وأن الموقف العربي بدا حازما في هذه المسألة، التي يدعو خبراء إلى حلّها جذريا في اجتماع كامب ديفيد بين أوباما وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي.

وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما الدعوة إلى زعماء دول مجلس التعاون الخليجي للقاء في كامب ديفيد، في هذا الربيع، لإجراء محادثات من المرجح أن تتركز حول التعهدات الأمنية المتكررة للولايات المتحدة تجاه المنطقة، إلى جانب مناقشة مسألة عدم الاستقرار واسع النطاق في الشرق الأوسط.

وكشفت مجموعة الشرق الأوسط الاستشارية (ميدل إيست بريفنج) كواليس هذاالاجتماع، موضحة أنه يمكن النظر إلى هذه الدعوة على أنها خطوة أولى من أوباما على الطريق الطويل لمعالجة المخاوف بخصوص التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول العربية والسياسات المتناقضة والمتردّدة وأحيانا الضارة للإدارة الأميركية نحو الأزمات المزمنة في المنطقة.

وأفادت المجموعة البحثية، المتخصصة بدراسات الشرق الأوسط، أن نقطة انطلاق القمة المنتظرة في كامب ديفيد في الواقع غير واعدة. ومن المتوقع أن يعرب الزعماء العرب عن تقديرهم للضمانات التي سيقدمها الرئيس الأميركي لكنهم في الحقيقة لا يثقون به. وقد تراجع الاستعداد العربي للإنصات خاصة بعد التصريحات التي صدرت عنه والتي اعتبر خلالها أنّ ?أكبر التهديدات? التي يواجهها الحلفاء العرب قد لا تكون قادمة من جهة ?إيران المهاجمة?، وإنّما ?من الاستياء داخل بلدانهم?، وهو ما يوحي بانحيازه لإيران التي لا تتورع في تهديد الأمن القومي العربي بشتى السبل.

مخاوف العرب ليست وهما

وكالة “سي اي ايه” تملك وثائق تؤكد تدخل طهران في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن والبحرين وأماكن أخرى بالمنطقة

وتعتبر مجموعة الشرق الأوسط أنه من المهم تفهّم المخاوف العربية تجاه الاتفاق مع إيران، حيث لا يرفض الزعماء العرب الاتفاق النووي مع إيران كمسألة مبدئية، لكنهم ينظرون إلى قضية النووي الإيراني من منطلقات مختلفة عن تلك التي تراها واشنطن؛ إنهم يفهمون أن سعي أيّ بلد للحصول على سلاح نووي يعني أمرين إثنين: إمّا محاولة بناء قدرة انتقامية حاسمة أو محاولة توسيع نفوذه خارج حدوده عبر الابتزاز النووي، وهذان المسعيان مترابطان بشكل وثيق.

لكن في كلتا الحالتين، إذا ما اقترنت حملة من أجل الحصول على السلاح النووي مع إجراءات ملموسة تشير إلى وجود رغبة في التوسع إقليميا، فهناك مجال للتكهن حول الأسباب التي أدت إلى إنشاء المشروع النووي الإيراني في المقام الأول.

ليس من قبيل المصادفة أن يتم التوقيع على إطار للمعاملات النووية في سويسرا في وقت يستعر فيه الوضع في اليمن، حيث تتزايد احتمالات نشوب حرب أهلية طويلة الأمد؛ فالوضع اليمني يعدّ شهادة حية على التهديد الإيراني الذي يواجه المنطقة بأسرها.

ومع احترام أولئك الذين ينكرون أي علاقات للإيرانيين مع الحوثيين، ينبغي التذكير بأن اليمن الذي يتحدّثون عنه هو يمن الماضي، فالتمدد الإيراني يعمل بشكل دؤوب على اختراق عديد البلدان العربية، واليمن أحد هذه البلدان التي تم اختراقها. وأي رصاصة جديدة سيتم إطلاقها في جسد الشرق الأوسط ستؤدي حتما إلى انهيار الوضع الإقليمي برمته.

ويؤكّد التقرير الاستراتيجي الأميركي أنه لا ينبغي النظر إلى المشروع النووي الإيراني من جانب تقني، حيث أنه بدأ واستمر كجهد استراتيجي من جانب الإيرانيين، ويجب أن ينظر إليه الآن على هذا النحو.

وقد تحدث الرئيس أوباما عن منع إيران من الحصول على السلاح النووي ولكنه لم يوضّح لماذا يحاول الإيرانيون الحصول على هذا السلاح بدرجة أولى، لماذا فكّروا فيه، ولماذا تحمّلوا تكلفته الباهظة التي تفوق في مجملها المكاسب الاقتصادية التي سيحصلون عليها من موارد الطاقة النووية.

كما أنّ توسع إيران إقليميا لا يعدّ وهما لدى بعض القادة العرب، فالعرب لم يخترعوا شبحا مخيفا لمجرد كونهم خائفين أو لغاية الترفيه. وفي ملفات وكالات الأمن القومي الأميركي وثائق كثيرة تثبت أن إيران تتدخل في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن والبحرين وأماكن أخرى في المنطقة. ويمكن تقديم دلائل إضافية من جانب وكالات الاستخبارات الغربية.

لذلك، تعني القنبلة النووية الإيرانية بالنسبة إلى العرب تدخلا إيرانيا أكثر عدوانية في المنطقة. كما أنّ المشكلة تتجاوز في نظرهم امتلاك إيران لقنبلة نووية، من عدمه، لأنه من دون عقوبات مفروضة عليها أو أي قيود خطيرة على قدراتها الباليستية، ستظل أكثر عدوانية على المسرح الإقليمي.

وبناء على ذلك فإنّ مخاوف العرب لا يمكن تلخيصها في رفض صفقة نووية مع إيران، بل هي تتجاوز ذلك إلى رفض السياسة الإيرانية التي تتدخل على نحو متزايد في منطقتهم، سواء كان هذا التدخل مدعوما بأسلحة نووية أم لا. وهم يشترطون أن يجعل تطبيع العلاقات الدولية مع إيران سياساتها الإقليمية أقل عدوانية.

تعهد أوباما بأن الاتفاق مع إيران الذي تفاوض حوله وزير خارجيته، جون كيري، ومجموعة الدول الخمس زائد واحد سيخضع لأقصى درجات التثبت والتفتيش في العالم.

ويرى مراقبون أنّه بغض النظر عن كون إيران قالت إنّها ستلتزم بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية فقط على أساس طوعي، فإنّ الوكالة حسب نظامها الداخلي لا تملك القدرة على تفتيش المواقع السرية غير المعلن عنها إذا ما اختارت إيران الغش. بالإضافة إلى أنّ أوباما لم يمكنها من آليات الاستجابة لهذه الشروط من خلال المفاوضات.

وهنا يمكن الاسترشاد بالحالة الجنوب أفريقية؛ إذ تخلت أفريقيا الجنوبية عن برنامجها النووي سنة 1991، وبهدف التأكد من أن كل المواد النووية موجودة ومبرّرة طلبت وكالة الطاقة الذرية منها تقديم كامل السجلات والوصول التام لبرنامجها الذي كان عمره حينها 20 سنة.

قصور في سياسة أوباما

عندما تعلّق الأمر بإيران، اختار أوباما أن يبدأ بصفحة بيضاء، والمشكل مع الصفحات البيضاء هو أنّها تعفو عن عقود من الغش وتمحوها. ويمكن المجازفة بذلك إذا كان من الممكن إجراء التثبت دون التفتيش في الماضي، لكن ذلك مع الأسف غير ممكن. كما لم يفسر أوباما لماذا يتردّد الإيرانيون في السماح بفحص الأعمال السابقة بكل شفافية.

جل هذه النقائص التي تضمنها ملف المفاوضات النووية مع إيران، من الطبيعي أن تجد صدى غير مريح لدى الدول العربية التي تتوجس من نوايا الإدارة الأميركية ومدى التزامها مع حلفائها في ما يتعلق بمواجهة الأخطار التي تتربص بأمن المنطقة واستقرارها، وعلى رأسها الأجندة التوسعية الإيرانية التي ما فتئت تبرز مع كلّ أزمة جديدة بثوبها الطائفي المعهود الداعم للميليشيات الشيعية التي تواليها من أجل زعزعة أمن الدول العربية وتفكيك وحدتها، حتى يتسنى لها أن تُحكم قبضتها عليها شأن ما هو حاصل في العراق وسوريا ولبنان اليمن.

هذا التوجّس العربي تجاه السياسات الأميركية يرجعه مراقبون وسياسيون أميركيون إلى طبيعة المفاوضات التي يقودها أوباما مع إيران. كما أنّ تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة، التي عمد من خلالها إلى التقليل من خطورة طموحات إيران في المنطقة وتدخلها في شؤون دول إقليمية كثيرة مثلما، هو جار في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، حملت رسالة سيئة جدّا إلى حلفائه العرب الذين بدأوا يرون أنه ينقلب على تعهداته السابقة، خاصة بعد أن بدا مدافعا عن إيران، من خلال دعوته لهم (العرب) إلى التركيز على معالجة ملفات حقوق الإنسان والبطالة، مقابل حثهم ضمنيا على أن يكفوا عن إثارة موضوع التمدد الإيراني وأن يهتموا بشؤونهم الداخلية، وفق تصريحات له نقلتها صحيفة ?نيويورك تايمز? الأميركية.

ولتجاوز حالة القصور الذي تتسم به السياسة الأميركية تجاه حلفائها العرب، يرى روبرت ساتلوف، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أنه ينبغي أن يكون للولايات المتحدة دور تلعبه في المعركة التي يشهدها الشرق الأوسط. فهي المنطقة التي أحسنت فيها الولايات المتحدة صنعا بشكل معقول خلال نصف القرن الماضي بتأمين مصالحها الأساسية الأخرى ولا ينبغي إفساد ذلك.

وفي نفس التوجّه، خلصت مجموعة الشرق الاستشارية إلى أنه لا ينبغي أن ينتظر اتفاق ?وستفاليا? الشرق الأوسط ?ثلاثين عاما? من الأزمات والحروب في المنطقة لو فرض بديل عن استمرار الفظائع في المنطقة. وينبغي أن يكون توقيع معاهدة سلام إقليمية هدفا عاجلا. إن أي خطوة من دولة عربية في طريق اعتماد الخيار النووي يؤدي بالتأكيد إلى كسر إيران لالتزامها بالصفقة الموقعة حديثا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..