من ذكريات زمن الشموخ أساتذتي(11) المناضل الكبير الدكتور ابو محمد ابو امنه

في هذه الحلقه اتشرف كثيرا ان اتوقف امام الشامخ الجميل استاذنا الحبيب والذي مازال قابضا على الجمر يكابد مشقات النضال بنفس عزيمته القويه وكأن الثمانون بداية الثلاثينيات واعتذر مسبقا لان حيز هذه الذكريات قد لاتستطيع الاحاطه بتفاصيل اعصار الثوره الذي هب على كل القارات متمثلا في استاذنا ولكنها كالعاده باقات ورد فواحه نضعها على عروة سترته لكي تذكره ان قلوبنا الخافقه بمحبته تستمد الكثير من حيويتها وثباتها من نضاله
يعتبر استاذنا من ابكار اطباء البجا الذين د رسو بجامعات المعسكر الاشتراكي اذ درس وتخصص بطب الاطفال باحدى جامعات جمهورية المانيا الديمقراطيه ويبدو انه تعرف هناك على قرينته وام اولاده الدكتوره انليزا مونك اختصاصية الامراض الجلديه والتى استقرت معه بالسودان حيث افتتحا عيادتين في موقع جوار مستشفى بورتسودان العام
منذ بواكير شبابه انتمى استاذنا الى الفكر الاشتراكي ثم انضم الى الحزب الشيوعي السوداني وقد كرس حياته منذ تخرجه لرعاية اهله البجا باعتبارهم الاكثر احتياجا للرعايه الطبيه مع التزامه الدائم بلاهتمام بالطبقات الفقيره حيث كان يعمل الساعات الطويله وفي معظم الاحيان بلا مقابل
كان لابد له وهو يتجول في احياء البورت الفقيره من ان تدفعه مشاهد الفقر المدقع والظروف الاجتماعيه القاسيه الى ان يلتقي بمؤتمر البجا فانتمى اليه ودافع عن برامجه حتى يومنا هذا وعلاقة ابكار ابناء البجا بالحزب الشيوعي ثم علاقتهم بمؤتمر البجا تحتاج منا الى وقفه وليس فيها تناقض كما يبدو للوهلة الاولى فهم ومن مواقع تقدميتهم اهتمو بقضايا منطقتهم وقد كان الحزب يعطي قضية الاقليات والتعدد النوعي اهمية كبرى وكان لكوادره دورهم الفاعل بمناطقهم عبر هيئتهم الحزبيه المختلفه الا ان النضال عبر المؤتمر كان اكثر سهولة تلك الايام لانه حزبهم الذي يخاطب حاجاتهم كما انه كماعون واسع يقبل ان يعمل داخله كل ابناء البجا بمختلف اتجاهاتهم السياسيه ولهذا فانهم لم يشعرو باي ازدواجيه وهم يناضلون تحت رايتي الحزب والمؤتمر لان القضايا ذات الاهتمام المشترك واحده وقد وصفت فيما بعد تنقلي بين الحزب والمؤتمر بالشخص الذي يتنقل داخل غرفات منزل واحد
قام استاذنا بتنظيم حملات مختلفه للتوعيه الصحيه ومساعدة الحوامل والاطفال وتجهيز مواقع جوار المستشفى يتجمع فيها ملازمو المرضى الين يفدون من ارياف الولايه وليس لهم اقارب بالمدينه وقد ظل استاذنا منافحا عن ذلك الموقع حتى خروجه من البلاد اذ استولت عليه ادارة المستشفى وبنت عليه مستشفى زايد للاطفال بدون ان تفكر حتى في ايجاد مكان بديل لهم
ولعل نشاط استاذنا في الحملات الصحيه كا ن رائدا في هذا المجال سار عليه الاخرون
حتى الان وخاصة في مجال تشجيع ابناء البجا عامه والطلاب خاصه للقيام ببرامج التوعيه عبر الشرح والترجمه وغيرها وهو الامر الذي اتسع وتراكمت عبره تجارب ثره مازالت تعطي مفعولها حتى اليوم
تميز الدكتور بعلاقات اجتماعيه واسعه بكل اطياف وطبقات المجتمع كما كان له نشاط نقابي عبر نقابة الاطباء وتنظيم الاطباء الاشتراكيين ودوره في تعيين وتدريب مئات من ابناء البجا من الجنسين على المهن الصحيه المختلفه والمساعده على ابتعاث افواج من الطلاب لدراس الطب بجامعات الاتحاد السوفيتي والكتله الاشتراكيه ولهذا فهو يعتبر والدا روحيا لاجيال ممن امتهنو المهن الطبيه وخاصة في اوساط ابناء البجا
شارك استاذنا في احداث بلادنا الكبيره باذلا جهده في سبيل ذلك وقد ناضلت تحت قيادته ابان انتقاضة ابريل حيث كان قياديا بمؤتمر البجا ولجنته القائده وبعد الانتخابات وانقسام مؤتمر البجا كنا قد فقدنا وضعنا القيادي بالمؤتمر فانشأنا تنظيم البجا الديمقراطيين داخل مؤتمر البجا وكانت الفكرة منه ان يكون منبرا بعلن عبره مواقفنا السياسيه كشيوعيين وديمقراطيين بدون ان نلزم المؤتمر بذلك وقد عقدنا الاجتماع التأسيسي بمنزله وكان من حضوره المهندس محمد هدلول والشاعر الكبيرمحمد عثمان كجراي والذي كان زميلا لنا بالحزب الشيوعي ومؤتمر البجا وهذه حقيقه للتاريخ
بعد انقلاب الجبهه الاسلاميه تعرض استاذنا للاعتقال وقد تعلمنا منه الكثير في ثباته وشجاعته وصلابته المذهله والدرس الاكبر الذي تعلمته منه الا يجعل المعتقل من مرضه سببا في اشاعة القلق بين زملاءه اضافة الى خصلة اخرى اعجبتني ولم اتمكن من الالتزام بها وهي دقته المذهله في تنظيم حياته فهو لايجامل في مواعيد صحوه ونومه ويلتزم نظاما غذائيا صارما جعله يستغني تماما عن ادوية السكري والضغط (على الاقل حتى اخر لقاء لي به باسمرا 2006) وكان يستنكر المشاكل التى يتسبب بها بعض زملاءنا من مرضى السكري فلم يكن يقتنع بمايسمى بالاغماءات المفاجئه للسكري لان المريض يفترض ان يشعر بمقدماتها سلفا وهو الامر الذي تأكدت من صحته بعد سنوات عندما اصبت انا شخصيا بتلك الامراض
وفي المعتقل لم يكن يقبل لنفسه وضعا استثنائيا بل كان يصر على ان يعامل مثل سائر الزملاء وتوزع عليه المسؤوليات والنبطشيات اضافه الى دوره في محاضرات التوعيه الصحيه واشرافه على ذلك الجانب من حياة المعتقلين وبعض محاولاته لتدريسنا اللغه الالمانيه
في كل حياته ومجمل نشاطاته كان التواضع سمة استاذنا الرئيسه وهو تواضع مقرون بالادب الجم مع الكل حيث حاز على احترام اكثر العناصر فوضوية بصوته الخفيض وابتسامته الابويه الحانيه
بعد اغلاق كل سبل العمل والحريات ولظروف تتعلق باسرته ايضا غادر استاذنا بلاده التى احب ولكنها لم تغادره ابدا فهو سواء في فترته الاولى بالمانيا والاخيره بلندن مازال في قلب الصراع من اجل عودة الديمقراطيه للسودان ومن اجل مؤتمر بجا قوي وموحد
شارك استاذنا في كل مراحل التفاوض احتراما منه لقرار قيادة الكفاح المسلح بخوض تلك المرحله كما شارك في مؤتمر ربده التاريخي الذي وحد مؤتمر البجا الكفاح المسلح مع مؤتمر البجا الداخل وفروع الخارج الا انه رفض اتفاقية شرق السودان لاجحافها بحقوق البجا واضعافها لدور مؤتمر البجا وهو امر اتفقنا معه فيه عدا اننا حاولنا الاستمرار للاصلاح من الداخل بينما تفرد استاذنا بموقفه المتفرد والرافض لتلك الاتفاقيه والقياده التى وقعت عليها
ثم أسس مؤتمر بجا معارض تولى قيادته ومازال يباشر نضاله عبره رافعا صوته مساهما بالراي والمواقف تجاه كل قضايا وطنه وامته ولم تمنعه ظروف السن والمرض من ان يملأ كل ساحات النضال بنشاطه مهتما باعطاء الفرص القياديه للعناصر الشبابيه من الجنسين لتولى المهام القياديه
استاذنا الجميل ابو فاطمه هذه باقة ورد نضعها امامك رمز محبة وتقدير متعك الله بالصحه والعافيه فأنت نموذج لاصحاب وضوح الرؤيه في هذا الزمن الردئ وعبرك نحيي كل افراد اسرتك وتلاميذك ومن سارو على دربك دمت قويا
شكرا لك عبد الله موسي لقد كان الدكتور انسان بمعني الكلمه كان يطعم اطفال المتشردين جوار الجامع ىكما كان يفحصهم ويشتري لهم الدواء اطال الله عمره وابقاه فالرجل رجل كريم واصيل ومن نواه اصيله