الحل ليس في الحل وحده .. أيها المشير المُلهم

نعمة صباحي ..

في ما يُسمى بديمقراطيات الحكم البرلماني على شاكلة النظم البريطانية والإيطالية واليابانية والألمانية وحتى النظام المختلط بين الرئاسي والبرلماني في فرنسا على سبيل المثال وليس للمقارنة فيما سنذهب اليه في الأسطر أدناه .. فإن رئيس الجمهورية يتدخل بحل البرلمان في حالة تباعد الرؤى بينه وبين الحكومة ورئيسها ويدعو فوراً لإقامة إنتخابات عامة تنتخب برلماناً جديداً تتشكل بموجب أوزانه النيابية حكومة جديدة لقيادة المرحلة القادمة ..وينطبق الأمر على حسم الأمور على ذات الطريقة في الدول التي تعمل بنظام الحكم الإتحادي اللامركزي !
وذلك رجوعا للإرادة الشعبية لفض الإشتباك عبر صناديق الإقتراع وليس صناديق الذخيرة !
ولايتي البحر الأحمر والجزيرة نشبت فيهما نزاعات وياللمفارقة بين أقطاب الحزب الحاكم ممثلا في رئيسه الوالي الذي عينه رئيس الجمهورية في كل منهما و المجلس التشريعي المنتخب بارادة مواطني الولاياتين كما هو معلن .. وكلا المجلسين يتمتع فيهما ذات الحزب بالأغلبية الميكانيكية ..!
والي البحر الأحمر هرع مستنجداً بالخرطوم التي يبدوأنها نصرته على الحق أوالباطل الله أعلم فعاد الى ولايته ماداً لسانه لنواب الشعب ربما متراجعاً خلف نشوته الخجولة عن إقالة خصمه رئيس المجلس التشريعي ولازالت الأمور كما يبدو تسير خطاها فوق صفيح ساخن يتأجج تحت رماده المخبوء وميض التهدئة الذي قد يشتعل في اية سانحة وإن بدأ بارداً في مظهره الخارجي !
أما في ولاية الجزيرة وما أدراك ما الجزيرة أرض المحّنة والجسارة في آنٍ واحد فقد بلغ سيل الخلاف زبى الأفاق ودفق داخل اسوار المركزالعام للحزب في الخرطوم و رشح برذاذ الإهانة الى الثوب الرئاسي الذي راهن على الوالي بإعتباره معصوماً عن الخطأ و من يرشه بالحليب .. فلابد أن ترشه الإرادة الرئاسية بدم الغضبة التي تعلو فوق إرادة الناخب ..فأصدر المشير البشير قراراً بحل المجلس التشريعي وربما يعقب ذلك قرار بطرد كل من قال أن على رأس الوالي ريشة .. ولم يذكر القرار موعداً لإنتخابات جديدة كما تقتضي الأصول في مثل هذه الحالات ولكن بدلا عن ذلك أعلنت حالة الطواري في الولاية .. وهو ما ينذر بتصاعد الموقف الى مالا تحمدعقباه ..وهو قرار في مبتداه وخبره يعكس حالة التخبط في طريقة إدارة الولايات بعقلية لا تمت للديمقراطية لا إسماً ولا معنىً ..ويثبت أن المشير الحاكم بأمره والمتحكم في هذا الوطن و شعبه يفتقر الى أدنى مقومات الحكمة والرشد طالما أنه .. يثأر لكرامته الشخصية بتغليب فريق على آخر دون التروى واتخاذ الوسائل المثلى التي توفق بين الأطراف دون ضرر على طرف أو ضرار على آخر ..فالحل ليس في الحل وحده ايها المشير الملهم .. والتحيز لشخص واحد مهما كانت ثورته الإنجازية في مقابل فريق كامل وهو الذي يتشكل من شعب الولاية كلها الممثل في نوابة المنتخبون إن كنت تقر واثقاً قبل غيرك في شفافية إختيارهم وأحقية سلطتهم التشريعية ..فكان الآجدر بك إقالة الوالي وحكومته و حل المجلس التشريعي بضربة محايدة واحدة ترمى لتحقيق الصالح العام إن كان يهمك أمره في شيء .. والدعوة لإنتخابات يتحدد مداها فورا وإنتظار النتيجة التي تفضي اليها ومن ثم تأتي بوالٍ جديد يتوافق عليه معك أهل الولاية ولو من قبيل جبر الخواطر.. طالما أنك تصر على تحكيم إرادتك الذاتية في إختيار من يحكمهم بلا تفويض مباشر منهم..مثلما تصر على أن تكون خاتم حكام السودان بعد أن تبيع كل ترابه .. ودم أهله المغلوبين على أمرهم وقدأوكلوه الى الله وهو القوي القهارالذي فوق كل جبار غاشم !

الحل ليس في الحل وحده ..أيها المشير المُلهم .