الأماني الصعبة ..!

قد يتعرض المرءُ منا لا قدر الله الى حادث في ثوانٍ معدودات نتيجة تصادم سيارتين أو السقوط من مكان عال أو أثناء مباراة كرة قدم فتكسر ساقه أو كلتا ساقيه ..لكن نتاج تلك الثواني البسيطة قد يحتاج الى علاج يستغرق ستة أشهر وقدماه معلقتان أعلى سرير المستشفى هذا فضلا عن فترة العلاج الطبيعي التي قد تمتد الى سنة كاملة !
الآن تترى الأماني الصعبة في الزمن الأصعب وأقتصادنا لم يعد فيه رمق لتوفير أسطوانات غاز الطهي التي سرت في أزمته الطاحنة .. نكتة ذلك المواطن السوداني الجالس فوق أنبوبة الغاز الفارغة و كان يفرك يديه ألماً وحسرة على ما الت اليه بلادنا من خراب ودمار على مدى ستة وعشرين عاما .. فجاء أهل الحكم يحدثوننا بعدها بأن الكسر سيجبر في عامٍ أو بعض عام ..!
ونعود الى تلك الطرفة العميقة
إذ نتج عن فرك يدي الرجل أن جاءه مارد الفانوس السحري ليقول له شبيك لبيك أنا خادمك وبين يديك .. فلم يصدق الرجل تلك السانحة التي أتته نعمة من السماء فمد أسطوانة الغاز بلهفة للمارد الذي خطفها مسرعا بها لتعبئتها تلبية لطلب الرجل الغلبان .. تأخر المارد لبعض الوقت .. فأنتاب الرجل الشك وبدأ يفرك يديه من جديد قلقاً على أسطوانته اليتيمة .. فإذا بالمارد يظهر أمامه فجأة ويصفعه على خده بقوة .. ويعنفه قائلاً.. لقد أفسدت على نفسك الفرصة يا غبي وأستدعيتني بينما تبقى أمامي في الصف شخصان فقط .. أها خم وصر وأطبخ .. بعد أن تتعفن في ذلك الصف من جديد .. ثم أنصرف عنه غاضباً!
لقد إنتهى عصر المعجزات ومارد الفانوس السحري ولم يعد المن يتقطر من جدائل الشمس وأثداء الفضاء ولا عادت السلوى تتفتح أزاهيراً من خدود الصحاري .. فالدولة التي تعجز عن إيقاد جذوة المطابخ وليس من أولوياتها توفير قفة الملاح ..فلن تستطع إعادة بناء جدار التنمية المنهار تحت قدميها ولو بعد نصف قرن بعد إزاحة ركامه المتناثر!
فالدول لا تبنى بالخطب التي يستلهمها الحاكم من نشوة الإستقبالات التي تحشد بالأموال .. فيملؤه هواء اللحظة حماساً ويطلق من الوعود ما هو سهل على اللسان وأكف التصفيق وهتاف المنافقين المأجورين.. ولكن حينما تذهب السكرة وتأتي الفكرة .. يكون ضرب الطورية على الأرض شاقاً دون عقل لتحديد مكان الضربة على سرابات الواقع و بدون ساعد الجد وكف المشروعات التي تستحلب من شرايين الوافر وليس الدربات الخارجية .. فحينها لن يُبذر الوعد لينبت صدقا في خصوبة التربة !
لو أن رجب طيب أوردوغان ولا نقول باراك أوباما أطلق لمواطنيه وعوداً بتلك القائمة التي بسطها السيد رئيس الجمهورية طويلة حتى لامست عشب استاد ودمدني .. لسقط أيٌ منهما من على منصة خطابته في تلك اللحظة وأزاحه حزبه قبل أن ينتظر الإستحقاق الإنتخابي القادم في بلاده ليحكم على أقواله شعبه عبر الصناديق ..!
وسيوصم بانه زعيم بلا خطة ولا دراسة علمية ولا هو مستعين بالخبرات التي تنبهه الى المعقول وتنهيه عن الوعد بما هو شبه مستحيل !
فكيف يستقيم عقلا ً أن تبرأ جراحات أكثر من ربع قرن من زمان الفساد والتخريب والدمار و التمكين والتشريد والهجرة والحروب و العزلة الخارجية و الديون المتراكمة التي بلغت مايقارب الخمسين مليار دولار ..ثم يعود الوطن أو حتى مشروع الجزيرة بلمسة سحرية معافً ولو على مرحلة عافية ماقبل عام 1989 ..وموارد الدولة مقابل المنصرفات الخرافية مثل ضخامة الرأس على طاقية هي اصغر عنه بكثير !
فالحلم شيءٌ مشروع لكل إنسان بأن تتحقق له طموحاته الذاتية بين ليلة وضحاها .. لكن القيادات التي تسّير قطارات الدول على قضيب الزمن المحدود لا بد أن تعي تماما كل محطات الرحلة محسوبة بالدقائق التناسبية مع سرعة القطار و قياساً لحمولته و كمية الطاقة التي تصل به الى كل محطة يمكن أن يتزود بها بالمزيد وصولا الى المحطة الأخيرة دون أعطال وفي وجود المهندس المختص الى جانب السائق والكمساري الأمين ..فشتان بين الأماني العذبة للعشاق الهائمون في أفاق عيون المحبوبة مع إحترامنا مع أمنيات التعافي لشاعرها الأستاذ ابوقطاطي والرحمة لمؤديها الراحل خليل إسماعيل .. وبين الأماني الصعبة التي لا تتحقق للقائد بالإندفاع والهاشمية كوعودٍ جزافية وإنما هي تؤخذ غلابا في دنيا السياسات الواعية !