أخبار السودان

خليلفوبيا» و«جبريلفوبيا».. الرئيس السوداني المنتخب الجديد

محجوب حسين

ملحمتان وطنيتان خالصتان، خاضها أحد أهم أعمدة المقاومة السودانية ممثلة في حركة العدل والمساواة السودانية، في حاضر عصرنا، الذي يؤرخ له بالقرن الواحد والعشرين ضد مؤسسة الاستبداد والسياسة الحرام السودانية..

الملحمة الأولى جاءت بقيادة مؤسس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم، شهيد الحركة الوطنية السودانية في العصر الحديث، وكانت في مايو 2008، في عملية وصفت وقتئذ ? حتى من لدن دوائر تصنف في أدبيات الحركة ? بالجريئة، وذلك عندما قاد قواته نهارا جهارا وتحت مرأى ومسمع سلطة الاستبداد إلى الخرطوم مقر المستبد، وموقع صناعة السياسة الحرام، حيث ترهل النظام، وقاب قوسين أو أدنى من أن يسقط من هول المفاجأة التي لا توازيها أي مقاربة تأريخية في التاريخ السوداني، على عواهنه وظلاماته، إلا واحدة وهي حصار المهدي للخرطوم وقتل غردون، المستبد الاستعماري وممثل سيطرة الكولنيالية البريطانية على البلاد. جاء هذا الإنجاز الوطني التحرري عبر دينامكية قوات المهدي وأركان حربه وقوامها آتية من الغرب الكبير، صاحب السبق في تلبية الأيديولوجيا «المهدوية تاريخيا.

جاءت الملحمة «الخليلية» ليس لتحقيق طموحات أو أبعاد رغائبية ذاتية، وإنما كانت تهدُف بالأساس، ووفق قرارها وتقريرها في اجتماعها التاريخي في «وادي هور» إلى قطع الطريق على رئيس الاستبداد، للحيلولة دون تقسيم البلاد، تلبية لنزعات جوهرها جهوي، والأخرى تلبية لشروط الخارجي في عمالة وطنية مجانية، وفيها تم قطع الجغرافيا الجنوبية من الجغرافيا الشمالية في عملية بتِر فاضحة، بعدها لم تسلم البلاد لا في جزئها المقطوع ولا جزئها الذي قام بعملية القطع، في محصلة أثبتتها الأيام، أن الأزمة السودانية ليست في الجغرافيا السودانية، وإنما في العقل الاستبدادي السوداني، الذي يكشف بسهولة وبملامسة بسيطة لبعض اشيائه، عن كل مرجعياته ونظرته والستار الذي يعمل داخله ومنطلقاته. بعد هذه الملحمة التي ما زالت تداعياتها ماثلة، تم اغتيال قائدها الدكتور خليل، في تعاون إقليمي استخباراتي في ديسمبر 2011، فيها رقصت الخرطوم واحتفلت إحتفاء بالنصر المبين، وتدفع بالرأس المستبد ذاته، إلى تحديد مصير روح مخلوق الله تعالى، التي انتقلت إلى بارئها، بوضعه في خانة «هالك». لتشكل بعدها حركة العدل والمساواة، في حقيقة لا تخطئها عين، وفي رمزية مؤسسها، حالة من الفوبيا لرئيس الدولة، حيث ظل يعيش حالة «الخليلفوبيا» إلى أن استشهد خليل إبراهيم، ولتعلن بعدها عن نهاية الحركة وقتل قائدها وتشتت قواتها وفقدانها للبوصلة.

ثم جاءت ملحمة المقاومة الوطنية الثانية لحركة العدل المساواة الأسبوع قبل الماضي، في عملية عسكرية واسعة النطاق في ولاية جنوب دارفور، أحدثت الأثر المطلوب سياسيا، في مرحلة جديدة من الصراع السوداني، فيها أجمعت القوى الوطنية الديمقراطية على استعادة الدولة وبطلان مساعي المستبد السوداني لتجديد دكتاتوريته، حيث لم ينتخبه أحد، كما لم يرشحه أحد، إلا أنه رغم ذلك سوف يتم توشحيه تلفزيونيا، وعلى الهواء، بنسبة استاء منها الشعب السوداني، قائلين في ضمير سخرية جمعي، لماذا لم تكن مئة في المئة، عوض أربع وتسعين في المئة فقط، إنها نتائج مزورة، يقولون رئيسهم المنتخب الجديد فاز بالنسبة المئوية مكتملة، فجاءت العملية لتشكل هزيمة ونكسة ونكبة، ومحط عقدة نفسية للحكم، فقد قاطعتها الجماهير السودانية وأصدرت حكمها بـ»أرحل».

في هذه الأجواء جاءت الملحمة الوطنية لقوات حركة العدل المساواة بقيادة رئيسها جبريل إبراهيم، متزامنة مع إعلان نتائج التزوير بفوز المستبد الذي لم يرشحه أحد، وقوله بهتانا «إن فوزه أمانة في عنقه»، وربما يعلم أن الجماهير السودانية تريد عنقه، في هذه الملحمة ذات الرسائل السياسية العديدة، أيضا كرر الرئيس السوداني المنتخب رقصاته وفرحه، ليعلن مرة أخرى نهاية حركة العدل والمساواة، ورئيس جهاز أمنه يكرر ذلك وكل دولاب حكمه في سياق واحد، وإن من تبقى من العدل والمساواة ليس سوى سبعة عشر جريحا حصرا، أما البقية فتم القضاء عليها من قبل المليشات القبلية التي تمت دسترتها عبر تبعيتها لجهاز الأمن، رغم أنف الجميع، بعد حل مؤسسة القوات المسلحة السودانية سرا، مضيفا ألا خيار لها ? اي الحركة ? غير المفاوضات ووفق شروط الاستبداد، فضلا عن تعمدها تصدير الأزمة السودانية إلى الخارج ودخول إسرائيل وأجانب? إلخ، وبهذا نحن لسنا أمام «انتصار» أو»هزيمة» في معركة أو حرب أو قضية أو إرادة، رغم أن مقايسهما نسبية وليست قارة، هكذا أعلن الاستبداد السوداني موتا دائما/ مؤقتا لأحد أهم أعمدة المقاومة السودانية العسكرية، ومعه انتهت حالة وليست ظاهرة «الجبرليلوفيبا» من رأس الاستبداد السوداني، الذي وجه مليشاته إلى الانتقال إلى مواقع نضال أخرى في جنوب كردفان.

إن من ينتظر نهاية أهم أذرع المقاومة العسكرية، حسب بيان رئيسها عن معركة «النخارة» سوف ينتظر كثيرا. البيان تجاوز «الإقرار» الواضح بالأشياء التي جرت ووقعت على الأرض وفي الميدان، من دون تهويل كشأن خطاب السلطة الذي كان سانحة سياسية جيدة لعقل التسلق السياسي قصد تغطية نتائج تزوير العرش، إنما أراد به، على ما أعتقد، تهدئة أعصاب السلطة من حالة «الجبريلفوبيا» لممات حقيقي سيقع، ما دامت الحركة تؤمن بالتكرار وتطوير التكرار وتحديثه ما دام شكل الصراع السوداني أخذ ثنائية حادة، وبات يتمحور حول تحقيق القيمة الإنسانية، قبل أن تحقق القيم الأخرى الملازمة لها، إذن لننتظر شفاء من تبقى من السبعة عشرة جريحا، عدد المتبقي حسب جهاز الأمن ومن بعد قتلهم أو تصفيتهم نهائيا، ومن ثم على الرئيس السوداني «الجديد» المنتخب أن يعلن نهاية لفصول حالتي «الخليلفوبيا» و»الجبريلفوبيا «، وفي صراع سوداني لا أحد يقر بأنه يحمل قيمة أخلاقية أو دينية.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
القدس اللندنية

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..